حوار| مستشار المفتي: الإخوان «صورة مشوهة للإسلام».. والإفتاء أفقدتهم صوابهم

مستشار مفتي الجمهورية مع محررة بوابة أخبار اليوم
مستشار مفتي الجمهورية مع محررة بوابة أخبار اليوم

من شرق الأرض إلى غربها وبين شمالها وجنوبها تجوب كتيبة دار الإفتاء المصرية أرجاء المعمورة لمخاطبة سكانها من المسلمين وغيرهم، وذلك من خلال صفحاتها المتنوعة والتي جاءت بفطنة من مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، ومستشاره الدكتور إبراهيم نجم، حيث تُعد المنصة الأقوى للتواصل الفعال وتصحيح المفاهيم الخاطئة وإفتاء الناس في القضايا المختلفة.

دور صفحات «الإفتاء» لم يقتصر فقط على تصحيح مفاهيم الدين وبيان الأمور الحياتية للمسلم، وإنما تخطت ذلك لتصبح بمثابة خط الدفاع الأول ضد الأفكار المتطرفة التي تبثها الجماعات الإرهابية، حيث بينت حقيقة الإرهاب ومخاطره بالرصد والتحليل والشرح بصوره المختلفة، وخلعت «عباءة الدين» التي يتستر خلفها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية وكتائبها الإلكترونية والتي تهدف إلى سلب عقول الشباب بدس السم في العسل للمسلمين في الداخل والخارج.

وانطلاقًا من دراسة قام عليها مستشار مفتي الجمهورية الدكتور إبراهيم نجم، حول «استراتيجية التواصل الديني مع الخارج»، كان لنا معه هذا الحوار:


- ما هو واجبنا لإزاحة منصات الخطاب المتطرف في الخارج.. وكيف نصحح الصورة المغلوطة عن مصر في الخارج؟

في الوقت الذي يئن العالم فيه من العمليات الإرهابية، تكتسب مصر أهمية خاصة في حسم الصراع الوجودي لما تتمتع به مصر والمؤسسة الدينية بها وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية من زخم ديني وحضاري وقبول عالمي، يؤهلها للقيام بدور أكثر فاعلية على المستوى العالمي لقيادة قاطرة التجديد الديني وإزالة منصات الخطاب الديني المتطرف الذي اكتسب أرضية واسعة في العقود الأخيرة.


وتجديد الخطاب الديني -في الداخل أو الخارج- ليس بالعمل العشوائي أو الارتجالي، إنما هو عمل مبني على برامج فكرية شاملة ومتكاملة، يأتي بعد أهداف وخطط وأساليب واستراتيجيات ومتطلبات مادية وبشرية.


وهنا أودّ طرح رؤية كلية في عدة محاور لخطة يمكن الحوار حولها حتى نقوم بواجب الوقت في حماية ديننا من التشويه وهويتنا الحضارية الوسطية من الاختطاف:


• من الضروري التواصل والتنسيق مع القيادات الدينية عامة والقيادات الدينية للمسلمين في الخارج خاصة، والتعرف على أهم الإشكاليات والمشكلات التي تواجه المسلمين، في علاقاتهم البينية أو علاقاتهم بأصحاب الأديان الأخرى، فكرًا وممارسة، والتعاون معهم وإمدادهم بكافة الأدوات والوسائل التي تعينهم على أداء دورهم، ليكون الخطاب الديني خطابًا معبرًا عن حاجات الناس الحقيقة، وللأسف فقد حاولت كثير من التنظيمات المتطرفة في الفترة السابقة وفي غفلة منا احتلال هذه المساحة وسرقة القيادة الدينية للمسلمين في الأقليات فلم تكن العاقبة محمودة على كل حال.


• وكذلك، من الأهمية بمكان أن يتم تدريبهم –قيادات وأئمة ودعاة- وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية، والتعاطي مع معطيات الواقع لإدراك خصوصيات الزمان والمكان والأحول التي يعيشون فيها، وتحديد مساحة الخصوصية والمشتركات الإنسانية العامة والإسلامية ومساعدتهم في أداء هذه الحقوق جميعًا، وتأصيل الرباط بين الأئمة والدعاة وبين العلماء الثقات والمؤسسات الإسلامية المرجعية في العالم الإسلامي.


• ولا شك أن الجاليات والأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية في حاجة ملحة وضرورية لدراسة وتأصيل الفتاوى الدينية التي تتعلق بقضايا ومسائل الأقليات الدينية، والتي تهتم بمستجدات الأحداث والقضايا التي تطرأ على المسلمين في الخارج، والتي تحتاج إلى اجتهاد خاص ومتنوع لسياقات المسلمين وتنوعاتهم في الخارج، ومن ثم تأتي أهمية إنشاء مرصد فتاوى الأقليات ليتعاون معهم في الرصد والتحليل والرد على أسئلتهم.


• وأيضا، ومع تعالي أصوات التيارات والجماعات المعارضة للوجود الإسلامي والعربي في كثير من بلاد العالم وفي أوربا وأمريكا خصوصًا، محذرين من تنامي وتزايد أعداد المسلمين، مستغلين تزايد الجرائم التي تقدم عليها التنظيمات الإرهابية لتشويه صورة الدين الإسلامي والثقافة العربية والشرقية، تأتي أهمية إنشاء المؤسسات والمراكز المعنية بدراسة وتحليل وتقديم المعالجات العلمية والدقيقة لتلك المشكلة التي تواجه المسلمين والعرب في كل مكان، وقد بدأنا –بفضل الله تعالى- في دار الإفتاء المصرية بإنشاء أول مرصد لـ"لإسلاموفوبيا" وجرائم الكراهية، وقد خطا المرصد خطوات واسعة على مستوى التحليل والرصد وبيانات الرد، سائلين الله تعالى أن يصير نواة لدعم السلام العالمي ونبذ جرائم الكراهية والتطرف المضاد مكملا لمهمة مرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة الذي يواجه تطرف بعض المنتسبين للدين الحنيف. 


• وتأتي بعد ذلك خطوة المناهج الدراسية التي تكرس للكراهية عند كل اتجاه فكثير من المناهج التي يتم تدريسها في المدارس والجامعات الغربية لا تتفق مع صحيح الإسلام ونصوصه، وهو أمر يسهم بشكل كبير في ترسيخ الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام والمسلمين في الخارج؛ لذا علينا جميعًا أن نسعى للتواصل والتعاون مع الجامعات والمدارس التي تعنى بالدين الإسلامي في الخارج، والتي تقوم بتدريس بعض المقررات الخاصة بالإسلام والمسلمين، وتوضيح صحيح الدين ووسطيته، والمؤلفات الصحيحة المعبرة عن مبادئ الإسلام السمحة وقيمه العليا، بعيدا عن التشويه والابتذال الذي تعرض له الإسلام في مناهج تدرس على أيدي غير المتخصصين في الخارج.

• ولا ينبغي أن يفوتنا دور التعاون والتواصل مع وسائل الإعلام العالمية، فالإعلام بأدواته المختلفة يلعب الدور الأكبر في تشويه صورتنا أمام العالم، ويميل الإعلام الغربي خصوصا إلى تصدير صورة الإسلام وكأنه معاد لكل القيم الغربية، متبن لكل أساليب العنف والقتل والذبح، وهي صورة ذهنية ترسخت لدى كثير من أبناء الحضارة الغربية، أثرت بشكل كبير في مواقفهم المعادية والمضادة لمصالح المسلمين وشؤنهم الخاصة في المجتمعات الغربية، وربما كان المثال الأوضح في ذلك هو قضية حظر المآذن في سويسرا والدور الإعلامي الكبير في حشد المواطنين للتصويت بنعم على استفتاء حظر المآذن هناك.


• أضف إلى ذلك مزيدًا من إرسال العلماء المؤهلين لتدريس العلوم الشرعية والرد على الشبهات التي تثار حول الإسلام هناك، وتنظيم تبادلات علمية بين المؤسسة الدينية الإسلامية الوسطية، وبين تلك الجامعات والمدارس الغربية، وقد أصبح واجبا على المؤسسات الدينية الكبرى والمرجعيات الإسلامية المعترف بها إيجاد صيغة وآلية للتحدث والحوار باسم الإسلام والمسلمين، والتعبير عن قضايا ومشكلات المسلمين حول العالم، فكثيرا ما يسأل المسلمون في العالم من أنتم؟ وما مرجعتيكم؟


- تصاعدت حملات جماعة الإخوان الإرهابية ضد دار الإفتاء خلال الفترة الأخيرة.. كيف تفسرون ذلك؟

جماعة الإخوان فقدت صوابها خاصة بعد نجاح الدار في فضح أنشطتها محليا ودوليا، فالجماعة تحاول الظهور دائما بمظهر المتشح بثياب الورع والدين والفضيلة ولكنها أبعد ما تكون عن ذلك، وقيادات جماعة الإخوان الإرهابية ما زالت تمارس سياسة التضليل والتشويش لتحقيق مصالح شخصية ومكاسب مادية، ليس فقط على حساب من اتبعهم من الشباب، بل على حساب الوطن والدين، والعالم أجمع، والضرر الذي ألحقته جماعة الإخوان الإرهابية في الداخل المصري بخداعها وأكاذيبها لا يبعد كثيرًا عن الضرر الأكبر الذي ألحقته ممارسات الجماعة وأذنابها بالإسلام وصورته كعقيدة وسلوك في الغرب، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، وانتشار السلوك المعادي للمسلمين والعرب.


ولا شك أن الدراسات المختلفة التي تجريها الدار حول الجماعة وممارساتها من خلال مراكزها البحثية، وكذلك البيان الأخير الصادر عن الدار ضد الجماعة قد أربك توازنها، فكما نعتتهم الدار فجماعة الإخوان الإرهابية هم خوارج العصر أعداء مصر، وعلى مدار 80 عامًا أو يزيد لم يقدموا للأمة إلا الإرهاب والقتل وتزييف الحقائق، ونشر الدمار والخراب باسم إقامة الدين، ودأبت منذ نشأتها على استغلال عناصرها من الشباب وتجييشهم للدفع بهم نحو الهاوية من أجل هدف الجماعة الإرهابية في إبراز "المظلومية التاريخية"، ذلك الشعار الذي راح ضحيته مئات من الشباب الذين خدعتهم الجماعة الإرهابية بشعاراتها وانطووا تحت فرمانات قياداتها، متوهمين أنهم جنود جيش الخلافة وحماة ثغور الإسلام، ولَم يعلموا أنهم في حقيقة الأمر وقود يُرمى بهم في لهيب المعارك لتظل الجماعة باقية ومستمرة ما بقى مداد الوقود مستمرًّا ومندفعًا، وهو الأمور التي أكدتها دراسات مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء، ولو أمعنا النظر سنجد أن تاريخ الجماعة الإرهابية مليئ بأحداث وجرائم طوعتها تلك الجماعة الإرهابية لتحقق مظلوميتها المتصورة، لكسب التعاطف وجذب الأتباع والتغطية على الجرائم.


- وهل نجحت الجماعة الإرهابية في مآربها ضد الدار؟

الإخوان لا تستطيع سوى انتهاج أساليب السباب التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وفي سبيل ذلك تحاول الجماعة القضاء على الخصوم والرموز الوطنية الذين يتصدون للجماعة، والتدليس في عرض الحقائق على الرأي العام، كما قامت اللجان الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية وأنصارها، بهجمة إلكترونية ضد صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لدار الإفتاء المصرية، وذلك بعد عدة تدوينات نشرتها الدار عن الجماعة الإرهابية، حيث دعا عبد الرحمن عز القيادي في تنظيم الإخوان الإرهابي، للهجوم على حسابات الدار على "تويتر"، والذي تمثل في كتابة تعليقات مسيئة والسب والقذف للدار والعاملين بها، وإرسال بلاغات لإغلاق صفحات الدار على وسائل التواصل الاجتماعي.


- وماذا عن آليات الدار لمواجهة تطرف الإخوان؟

أجرينا العديد من الدراسات بشأن جذور التطرف والعنف عند جماعة الإخوان المسلمين "الإرهابية"، وانتهت الدراسة إلى أن الجماعة بمختلف فروعها وتنظيماتها في أنحاء العالم تعتمد على تنظيمات سرية مسلحة تعمل تحت رايتها لتنفيذ عملياتها التي لا تستطيع تنفيذها في العلن.


وركزت الدراسة مراحل تطور العنف لدى الجماعة على مستوى التنظير والممارس، وخلصت إلى أن العنف لدى الجماعة الإرهابية لم يكن وليد اللحظة الراهنة، بل يعتبر استراتيجية متجذرة وضعها مؤسس الجماعة حسن البنا في العديد من كتاباته ورسائله الموجهة إلى أنصاره، وسار على نهجها من بعده قيادات ومنظروا الجماعة كافة، وعلى رأسهم سيد قطب.

كما أن حسن البنا مؤسس الجماعة الإرهابية، سعى إلى شرعنة العنف من خلال إضفاء صبغة دينية عليه تحت دعاوى "الجهاد" لاستعادة الحكم الإسلامي، واعتبر البنا العنف وسيلة لا غنى عنها في استعادة الحكم الإسلامي، وتضمنت الدراسة النصوص التي أوضحت تَدرُّج البنا في تبني العنف حتى وصل إلى ضرورة محاربة الأنظمة القائمة والمجتمع، وهو ما يظهر في مقاله بالعدد الأول لمجلة "النذير".

وأشارت الدراسة إلى أن قيادات الجماعة الإرهابية سارت على منهجية البنا في إعلانهم العداء لمبادئ الديمقراطية ونظام الأحزاب وانتقاد الحريات العامة والدعوة إلى التطرف والعنف، ورصدت الدراسة أيضًا تحول الجماعة فيما بعد سيد قطب إلى تبني منهاج جديد للعنف وتجذيره على المستوى النظري؛ وكذلك التحولات الظاهرة المؤقتة التي شاهدتها الجماعة بقبول بعض قيم الديمقراطية والحداثة -مثل الانتخابات- والتي لم تكن من صميم فكر الجماعة، ولكنه نوع من المراوغة والخداع لتحقيق أهدافها وأطماعها الخاصة على حساب المصلحة العامة وهو ما ظهر جليا في أعقاب ثورة يناير 2011.


وتواصل دار الإفتاء المصرية تفنيدها للشبهات التي يثيرها الإرهابيون سواء إخوان أو دواعش، خاصة وأن الدار تقود حملة لفضح المخططات الإرهابية للجماعات المتطرفة سواء داخليا أو خارجيا، ولم تكتف الدار بفضح الإخوان بل مازالت تنفد الشبهات والادعاءات الباطلة لداعش ومن على شاكلتها، وذلك من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية.


- "ودتنا في 60 ألف داهية".. كيف تفسرون تلك المقولة لأحد شباب الإخوان اعتراضًا على الجماعة خلال وقفتهم الاحتجاجية مؤخرا ضد أحكام الإعدام في إسطنبول؟

الواقعة تؤكد أن شباب جماعة الإخوان الإرهابية قد كفروا بمبادئ الجماعة، وأصيبوا بالإحباط بسبب شعاراتها الكاذبة، ومن الواضح أنهم باتوا متأكدين من خداع الجماعة لهم وتلاعبها بعقولهم، حيث سلبوهم القدرة على التفكير وألزموهم "السمع والطاعة"، وهو الأسلوب الذي اتبعوه منذ نشأة الجماعة الأولى، ونتيجة لذلك وتحت تأثير شعارات الإخوان الكاذبة هرب هؤلاء الشباب إلى تركيا؛ أملًا في جنة الخلافة الإسلامية المزعومة.

ولا شك أن هذه الواقعة تعد مؤشرًا على انقلاب تيار الشباب في الجماعة الإرهابية على قياداتها التي تعمل لحساب أجهزة استخباراتية خارجية بهدف تخريب الوطن وتدميره، وتتلقى ملايين الدولارات للمتاجرة بدماء المخدوعين، لتنفيذ العمليات الإرهابية، بينما تنعم القيادات بحياة فارهة، كما إن المتاجرة بدماء الشباب التي تمارسها الجماعة الإرهابية تؤكد بلا شك مدى وصولية قيادات الجماعة وممارساتها الانتهازية، بحيث لا تتورع عن التضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها.


- زادت حدة انتشار الخطاب المتطرف في الخارج.. حدثنا عن جهود الدار في ذلك؟

لاشك أن الجماعة الإرهابية لها اليد العليا في انتشار هذا الخطاب في الخارج، فممارسات الجماعة تسببت في نشر صورة سيئة عن الإسلام كعقيدة وسلوك في الغرب، من خلال فتاواهم الشاذة والمضللة تارة وممارسات الجماعة تارة أخرى، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، وانتشار السلوك المعادي للمسلمين والعرب، كما أدى إلى إلحاق الضرر بأوطان من المفترض أنهم ينتمون إليها، غير أن طموحاتهم في السيطرة على السلطة والتحكم في العالم وضعتهم في صدارة التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى السيطرة على العالم، مهما تكلف ذلك من خداع وأكاذيب، وصولًا إلى القتل والتدمير.


وفي سبيل ذلك فقد عكفت دار الإفتاء على ترجمة آلاف الفتاوى إلى اللغات الأجنبية، ليتم تزويد دول الاتحاد الأوروبي بها، وذلك بعد انتشار بعض الأفكار والفتاوى المغلوطة التي تشوه الإسلام خاصة مع انتشار أذناب الجماعة في دول أوروبا.


هذا فضلا عن اعتماد الدار استراتيجية واضحة نسير عليها وفق خطى ثابتة لتفنيد الخطاب المتطرف للجماعات الإرهابية، كما أطلقت الدار مشروع "تشريح دورة بناء الإرهابي" وهو المشروع الذي يهدف إلى تشريح عقلية المتطرف ونفسيته والتداخل مع المؤثرات التي يتعرض لها ويتأثر بها؛ سعيًا لوقف تسلسل تلك المراحل التي تؤدي بالمتطرف إلى التحول إلى عنصر إرهابي يسعى بكل قوة وعزيمة إلى الإضرار بالغير، إضرارًا ماديًّا ومعنويًّا، وذلك من خلال عقد جلسات العصف الذهني لخبراء في مجالات علم النفس والعلوم الشرعية وخبراء الأمن والمتخصصين في شئون الجماعات الإرهابية والراديكالية.

كما أنجزت دار الإفتاء المصرية موسوعة لقضايا التكفير باللغتين العربية والإنجليزية، تتناول كافة المواضع والقضايا والشبهات التي تستند إليها الجماعات المتطرفة، وترد عليها بأسلوب علمي وشرعي رصين.

دشنت الدار وحدةً تكنولوجية متخصصة لإنتاج أفلام رسوم متحركة وقصيرة لبلورة ردود قصيرة على دعاة التطرُّف والإرهاب في قوالب تكنولوجية حديثة تمكنها من الوصول إلى الشرائح المتعددة، خاصة فئات الشباب، كما أصدرت الدار مجلة "Insight"  للرد على مجلتَي "دابق" و"رومية"، التي يصدرهما تنظم "داعش" الإرهابي باللغة الإنجليزية، وتتناول ردودًا علمية وتفنيدًا شرعيًّا لكافة الشبهات الواردة في إصدارات تنظيم "داعش"، كذلك ترتكز إستراتيجية الدار على الإغراق الإلكتروني للرسائل المضادة للمتطرفين ومخاطبة وسائل الإعلام العالمية والتعاطي البناء معها لنشر مقالات وحوارات ولقاءات لفضيلة المفتي؛ لإزالة اللبس الذي علق بأذهان الرأي العام العالمي فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الجهاد والخلافة وتطبيق الشريعة وعلاقة المسلم بغير المسلم.


- حدثنا باستفاضه عن أهم المشروعات التي تعمل الدار من خلالها لمواجهة التطرف في الفترة الحالية؟

كما أشرت مسبقا لاستراتيجية دار الإفتاء لتفكيك ومواجهة الفكر المتطرف، فقط أطلقنا مؤخرًا وحدة "الرسوم المتحركة" الجديدة التي أنشأتها الدار ضمن الإطار العام الذي ورد في أفكار وتوصيات مؤتمر الأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم الذي انعقد في أكتوبر الماضي، حيث اشتملت توصيات المؤتمر على ضرورة ابتكار الأساليب والوسائل الجذابة والفعالة التي تحول دون التمدد الفكري لتيارات الإرهاب التي تتخذ من الفتوى سلاحًا فتاكًا لتنفيذ أجندات خارجية تسعى إلى التخريب في أعماق دول العالم المستهدفة من جماعات الظلام ومن بينها مصر.

والوحدة الجديدة متخصصة لإنتاج أفلام رسوم متحركة لبلورة ردود قصيرة على دعاة التطرف والإرهاب في قوالب تكنولوجية حديثة تمكنها من الوصول إلى الشرائح المتعددة داخل المجتمع، خاصة فئات الشباب، وترد على الدعاية المضادة والمضللة من جانب الجماعات المتطرفة التي تنشط في مجالات التكنولوجيا والتصوير، وتستمد المادة الإفتائية التي تعمل عليها من مواد الرصد التي تصل إليها الوحدة القائمة على المؤشر العالمي للفتوى الذي أعلنت عنه دار الإفتاء مؤخرًا، وهو أول مؤشر من نوعه في هذا المجال، تنفذه وحدة الدراسات الإستراتيجية بالأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ويهدف المؤشر لتبيان حالة الفتوى في كل دائرة جغرافية وفق أهم وأحدث وسائل التحليل الاستراتيجي والإحصائي؛ للمساهمة في تجديد الفتوى من خلال الوصول إلى مجموعة من الآليات الضابطة للعملية الإفتائية.


كذلك دشنا من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية، نشرة دورية عن قضايا التطرف والإرهاب في أفريقيا، وذلك بهدف رصد نشاط الجماعات الإرهابية داخل القارة السمراء بشكل عملي، حيث تزامنت تلك الخطوة مع الدور الريادي لمصر في مواجهة الإرهاب والتطرف، على المستويين العسكري والفكري، وتلك النشرة الدورية تأتي في إطار دور القوة المصرية الناعمة لدعم دول القارة الإفريقية، بعد تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، وفي ظل تحول أنشطة الجماعات الإرهابية، خاصة القاعدة وداعش للقارة السمراء، بما يمثِّل تحديًا خطيرًا ضد مساعي التنمية في القارة التي تهدف إليها القيادة المصرية التي تترأس الآن الاتحاد الإفريقي، وستكون نشرة "الإرهاب والتطرف في إفريقيا" شهرية سيتم توزيعها على مراكز الأبحاث الإفريقية ومراكز دعم اتخاذ القرار وسفارات جمهورية مصر العربية في إفريقيا والأكاديميات والجامعات المختلفة إلى جانب الدوائر الإعلامية الموجودة في القارة السمراء.


ومن منطلق إحساس دار الإفتاء بمسؤليتها تجاه تكوين العقل الافتائى، فقد أسست دار الإفتاء أول مركز من نوعه للتعليم عن بُعْد في المجال الإفتائي والشرعي؛ حيث تم إعداد المناهج المتخصصة في مجال الإفتاء الشرعي؛ ليتم بث ذلك على موقع خاص بالتعليم عن بُعْد، وتوفر هذه الخدمة على طلاب العلم عناء السفر للحصول على دراسة دورة الإفتاء بالدار كما هو حاصل في وقتنا هذا، حيث يمكنهم من خلال موقع التعليم عن بُعْد أن يحصلوا على المعارف والمهارات الإفتائية التي تؤهلهم للقيام بدور الإفتاء بعد ذلك في بلادهم، كذلك استطاعت إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية تخريج العديد من الدفعات في البرنامج التأهيلي للوافدين، حيث احتفلنا بتخريج الدفعة الثانية عشرة، الذي استمر لمدة ثلاثة أعوام، حيث تخرج فيه عدد من المتدربين من بلدان مختلفة منها، إندونيسيا، ماليزيا، تايلاند، نيجيريا.


- اخترقت دار الإفتاء المصرية مجال "السوشيال ميديا" بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة.. فماذا عن نجاحات الدار في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي؟

تولي دار الإفتاء المصرية اهتماماً خاصاً بوسائل التواصل الاجتماعي؛ لمواجهة خطر فوضى الفتاوى وكذلك للوصول إلى جميع الفئات، ونشر الفتاوى الهامة، وعمل خدمة البث المباشر، حيث يظهر مشايخ الدار ثلاث مرات أسبوعياً لمدة ساعة يجيبون فيها عن أسئلة مشتركي الصفحة «أون لاين»، وهذه الخدمة لاقت قبولاً كبيراً لدى المستخدمين وهي في طور التطوير، ولدى دار الإفتاء ما يقرب من 11 صفحة متنوعة على «فيس بوك»؛ أهمها الصفحة الرسمية للدار التي يتابعها ما يزيد عن 7 ملايين شخص على موقع الفيس بوك، و«مرصد الإسلاموفوبيا» مخصصة لنشر التقارير التي نرصد بها ظاهرة الإسلاموفوبيا والتحذيرات والإرشادات.

وهناك أيضاً صفحة خاصة بـ«مرصد الفتاوى التكفيرية»، وأخرى عن المفتى، وصفحة تسمى «داعش تحت المجهر» لمواجهة الفكر الداعشي بشكل خاص، وننشر أمورًا وقائية ونفنّد فكره وأسبابه، كما للدار خطوة استباقية في فحص نقاط الضعف التي قد تدخل منها الجماعات الإرهابية إلى الشباب وتعالجها بتوضيح المفاهيم الصحيحة مثل التركيز على فكرة الجهاد، التي تذهب بها الجماعات الإرهابية إلى منحى آخر غير المقصود منه.


- تفاقمت ظاهرة الإسلاموفوبيا خاصة بين فئات الشباب في المجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.. فما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك.. وكيف السبيل إلى علاجها؟

بالفعل تصاعدت حدة الظاهرة مؤخرًا وأصبحت أشد سوءًا في أوروبا؛ والغرب بشكل عام، والأمر راجع لسببين الأول فيما يخص المتطرفون من جهة، والثاني يتمثل في تركيز وسائل الإعلام الغربية على هجمات المتطرفين المسلمين دون غيرها من جهة أخرى، لأن تكثيف التغطية الإعلامية للهجمات الإرهابية التي شنها مسلمون تعمل على إبراز هذا النوع من العمليات، وتصور للمواطنين الأوروبيين والأمريكيين أنهم لا يواجهون سوى الإرهاب الذي يقوم به مسلمون.


وبحسب إحصائياتنا في مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، فقد سُجل في بريطانيا وحدها خلال 6 أشهر فقط 608 حوادث مرتبطة بظاهرة "الإسلاموفوبيا" من أصل 685 حادثة مرتبطة بالعنصرية عمومًا في البلاد، وأكدت دراسة المرصد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تتزايد في المجال العام الواقعي والافتراضي، حيث أوضح التقرير البريطاني أن 45.3% من الحوادث التي جرى الإبلاغ عنها خلال فترة الرصد، تمت بشكل مباشر بين "الضحية ومرتكب الجريمة، أو أدت إلى تمييز فعلى أو إضرار بالممتلكات".


وفي إطار سبل المواجهة، نقوم من خلال مرصد الإسلاموفوبيا برصد ظاهرة الخوف من الإسلام ومعالجتها، وتقديم كافة التصورات والتقديرات الضرورية لمواجهتها، والحد من تأثيرها على الجاليات الإسلامية في الخارج، وتصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الخارج، كما نهدف لخلق "ذاكرة رصدية" تساهم بشكل كبير وفعال في اختيار أفضل السبل للتواصل مع الأطراف المختلفة، وخاصة في الأوساط الإعلامية والبحثية، والتواصل مع صناع القرار في مختلف الكيانات، تواصلاً مبنيًّا على المعرفة المسبقة والرصد والتحليل لتلك الكيانات ولتوجهاتها، بهدف إنتاج خطاب إعلامي خادم لمصالح المسلمين في العالم.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي