حكايات| أزهريات في قلب الفاتيكان.. ملابس أنيقة ومعسكرات وقيادة السيارات 

الزهراء تتوسط شيخ الأزهر وكبير أساقفة كانتبري
الزهراء تتوسط شيخ الأزهر وكبير أساقفة كانتبري

من بين آلاف الأزهريات، شقت فتاتان طريقهما إلى «الوسطية»، متخذتين من الاعتدال دين ودنيا كطريق نحو الانفتاح بعقلانية على الآخر، فدراسة بالمعاهد الأزهرية ليست مقصورة على المواد الشرعية فقط.

 

ربما لا تكون الزهراء وأروى وحدهما من فتيات الأزهر، اللاتي أقدمن على التمسك بروح الاعتدال في حياتهما حتى خاضتا طريقا غير السبل التقليدية المعتادة. 


رحلة ثنائية

 

الزهراء السيد، لا تزال تتذكر وتفتخر بقصتها الخاصة في قلب الأزهر منذ معاهد المراحل الأساسية وحتى الجامعة، فالمشوار بدأ منذ السادسة من العمر.
 


التحقت «الزهراء» بأحد المعاهد الأزهرية وبدأت رحلتها في حفظ كتاب الله.. «اعتدنا على ترديد فاتحة الكتاب قبل بداية كل حصة دراسية، وكنت أقف عند آية (اهدنا الصراط المستقيم)، وأشعر أن الطريق لن يكون هينًا وأن من سيعينني على اجتيازه رفيقة درب صالحة تشد على ساعدي لنبدأ السير معًا».

 

اقرأ للمحررة أيضًا| في الأزهر «الجديد».. «شباكنا ستايره حرير» بصوت المرأة ليس عورة

 

وتفهم الفتاة الأزهرية على الاختلاف واحترام الرأي الآخر وتحري الوسطية في الأمور كلها بفضل دراسة المذاهب الفقهية المتعددة، واختلاف أراء الفقهاء في المسألة الواحدة، وتعدد وجهات النظر، سمح هذا التنوع بتوسع مدارك الفتاة الأزهرية وإطلاعها على الكثير من علوم الدنيا والدين.

 

تواصل الزهراء حديثها: «تهتم المعاهد الأزهرية بالجانب الترفيهي والتنافسي بين الطالبات من خلال إقامة مسابقات القرآن الكريم والإنشاد الديني والمسابقات الرياضية ومسابقة أوائل الطالبات والرحلات الترفيهية، وغيرها من الأنشطة المختلفة، فما زلت أحتفظ بشهادة التقدير الأولى التي حصلت عليها في المرحلة الابتدائية لتميزي في إحدى مسابقات القرآن الكريم، وأخرى في الإنشاد، وما زلت أتذكر مسابقة أوائل طالبات الثانوية الأزهرية التي شاركنا فيها معًا وحصلنا على المركز الأول على مستوى المعاهد الأزهرية».

 


الإنجليزي.. كلمة السر

 

«استمرت رحلتنا سويًا خلال مراحل التعليم الثلاث إلى المرحلة الجامعية، وكما يعلم الكثيرون أن الدراسة في جامعة الأزهر تشمل جميع التخصصات العلمية والأدبية واللغات، بالإضافة إلى كليات الشريعة الإسلامية وأصول الدين، ولكننا توجهنا إلى دراسة اللغة الإنجليزية في واحدة من أعرق الكليات وهي كلية اللغات والترجمة الفورية».. بهذه الكلمات واصلت الزهراء حديثها.

 

لا أزايد عندما أقول بأن كلية اللغات والترجمة النافذة الحقيقية لجامعة الأزهر على العالم كله، فهي حلقة الوصل بين الجامعة وجامعات العالم، وهي الكلية الأولى التي يُدرس فيها الترجمة الفورية في معامل متخصصة بجانب دراسة الأدب والشعر وعلوم اللغة.


تعليم الأميين والمعسكرات

 

قصة الزهراء وأروى ثقلت مع التربية الأزهرية القائمة على تعليم الأميين القراءة والكتابة، وتوفير مشروعات صغيرة للأسر الفقيرة، وحضور بعض المعسكرات الشبابية التي تهدف إلى تنمية المهارات وإعمار الأرض. 

 

اقرأ للمحررة أيضًا| من طبيب «إنستجرام».. تعويذة إلكترونية «قلبت جد»

 

«حرصنا على الموازنة بين التفوق الدراسي والعمل التنموي، فاجتهدنا كثيرًا في الجامعة طمعًا في الوقوف على أرض صلبة بعد التخرج، فحصلت في السنة الأخيرة على مرتبة الشرف العليا، وحصلت صديقتي أروى على لقب الطالبة المثالية على مستوى جامعات الأزهر».. لا تزال الزهراء تتحدث بطلاقة عن مشوارها وصديقتها. 

 

«تخرجنا في الجامعة، وعملنا معًا كمدربتي لغة إنجليزية في أحد مراكز تعليم اللغة المشهورة، ثم انتقلت للعمل في مجال الترجمة العلمية، بينما استمرت أروى في عملها كمدربة، ثم انتقلت للعمل كمعلمة لغة إنجليزية في مدرسة بالخارج، بجانب عملنا في أحد المواقع التي تهتم بتدريس اللغة الإنجليزية عبر الإنترنت».

 

سيارة خاصة وإنجليزية مميزة 

 

ولا تخلو الحياة من المواقف الطريفة التي تعرضت لها الزهراء وأروى، فتحكي عن صديقة ثالثة لهما حين تحدثت لهما، قائلة: «لم يصدق زملائي إنني خريجة جامعة الأزهر، فأنا أمتلك سيارة خاصة وأرتدي ثيابا أنيقة وأتواصل مع جميع زملائي بلطف واحترام وناجحة في عملي، والأدهى من ذلك أتحدث اللغة الانجليزية!»


هذا النموذج ليس فريدًا من نوعه بين خريجات الأزهر الشريف، فكثير منهن يتقلدن مناصب قيادية في الجامعة أو خارجها في جميع المجالات العلمية والأدبية، ويتعجب الكثير من مشاركة فتيات أزهريات في الأنشطة المجتمعية وتفاعلهن في شتى مناحي الحياة.

 

اقرأ للمحررة أيضًا| محمد عزمي «مجاور» الرئيس..  أوجاع ذو احتياجات «فائقة» في شوارع مصر

 

قد ينظر البعض إلى الفتاة الأزهرية على أنها منعزلة عن الناس، تأبى التواصل أو الاختلاط بالعالم الخارجي، حادة الطبع، تعنف من يتكلم معها بالشديد من القول، هذه الصورة الخرافية لا تمد للواقع بصلة، فالفتاة الأزهرية كغيرها من الفتيات تهتم بمظهرها الجميل وتأخذ قول الله تعالي لنبيه الكريم: «ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك» دستورًا لمعاملاتها اليومية.

 

ومع اهتمام الأزهر الشريف تحت قيادة إمامه الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بتعظيم دور المرأة واستغلال طاقتها واحترام حقوقها ودعم دورها في البناء وتنمية المجتمع، حرصت كثيرات منهن على المشاركة في المنتديات والمؤتمرات الدولية.

 

 

ففي شهر يوليو الماضي، وضعت الزهراء وأورى أقدامهن على أولى خطوات العمل الدولي؛ حيث تم قبولهما في منتدى شباب صناع السلام الذي عُقد في كلية تشيرشل بجامعة كامبردج وقصر لامبيث في لندن؛ برعاية الأزهر ومجلس حكماء المسلمين وأسقفية كنيسة كانتربري، بمشاركة 50 شابا وفتاة من العالم العربي والمملكة المتحدة. 


فكان ميلادًا لحلم فتاة تربت في رحاب الأزهر منذ نعومة أظافرها على السعي والإحسان في العمل، والمشاركة في التغيير، والسير إلى الله في صنع السلام، واحترام الاختلاف الذي في باطنه رحمة.

 

وتوجت الزهراء كل ذلك بحلم صناعة السلام بين الشرق والغرب واختيارها لإلقاء الكلمة الختامية في قصر لامبيث أمام فضيلة الإمام الأكبر وكبير الأساقفة في الفاتيكان، ولفيف من الحضور.