وزير الخارجية: البعض حول مجلس حقوق الإنسان لساحة تصفية حسابات سياسية

سامح شكري وزير الخارجية
سامح شكري وزير الخارجية

ألقى سامح شكري وزير الخارجية، اليوم الثلاثاء 26 فبراير الجاري، بيان مصر أمام الشق رفيع المُستوى للدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان، والتي تعقد حالياً بمدينة جنيف السويسرية.

وصرح المستشار أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن الوزير شكري استهل كلمته بتهنئةِ الحكومةِ السنغالية الشقيقية، ومندُوبُها الدائمُ على توليه منصب رئيس مجلس حقوق الإنسان، معربًا عن ثقةِ مصر الكاملة في قدرته وهيئة المكتب على إدارة أعمال المجلس على أكملِ وجه.

وأكد "شكري"، أهمية الفلسفةِ السامية التي قام عليها المجلس، والرامية لتنسيق الجهود الدولية للدفع قُدماً نحو تعزيز احترام حقوق الإنسان، وبناء قدرات الدول وتقديم المُساندة لها، والاستفادة من أفضل الخبرات والمُمارسات.

ونوه وزير الخارجية، بأن تلك الفلسفة يجب أن تَظل المحرك الرئيسي لأنشطة واهتمامات المجلس، فضلاً عن إسهامات الدول الأعضاء، مؤكداً أنه قد حان الوقت لتقييم ما آلت إليه الأمور للعمل على تصحيح بعض المُمارسات.

وأوضح "شكري"، أن البعض قد حاد عن الهدف الأساسي من إنشاء المجلس، بالسعي لتحويله لساحةٍ لتصفية الحسابات السياسية، وتبادل الاتهامات، والتنميط السلبي للثقافات المُغايرة، ومحاولة فرض رؤى ومفاهيم خلافية، بل وتعميق الاختلافات والتي ينبغي أن تكون مصدر ثراءٍ، وتحويلها إلى خلافات تزرع الشِقاق.

وشدد وزير الخارجية في كلمته، على أن التعددية تعد سِمَةِ البشرية منذ قديم الأزل، ولا يمكن صهر البشرية في قالب واحد وإجباره على الاتفاق على رؤية واحدة للعالم، منوهاً بأن ما يجب أن يتم السعي إليه وترسيخه هو قبول التعددية والاختلاف، واحترام ذلك، فضلاً عن تعزيز القيم الإنسانية المشتركة.

وأكد الوزير سامح شكري، أن حقوق الإنسان هي مجموعة مترابطة من الحقوق التي لا تقبل التجزئة، وعلى رأسها الحق في الحياة، أسمى تلك الحقوق ونقطة ارتكاز كافة الحقوق الأخرى، والذي يتعرض لهجمة شرسة في الوقت الراهن جراء انتشار خطر الإرهاب البغيض في أرجاء العالم تحت ستار الأديان.

وأشار "شكري"، إلى أنه من المؤسف كذلك تعرض الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لقدر معتبر من الإهمال، مما يحتم العمل على تجديد الاهتمام بها، خاصة في ظل استمرار معاناة نسبة كبيرة من دول العالم النامي من الفقر وافتقارهم إلى أبسط الضروريات الأساسية، مع الأخذ في الاعتبار أن تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو الوسيلة لتمكين الأفراد من المطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية.

وأوضح المتحدث باسم الخارجية، أن الوزير شكري ذكر خلال كلمته أن مجلس حقوق الإنسان يضطلع بدور محوري في الارتقاء بحقوق الإنسان على الساحة الدولية، حيث تولي مصر اهتماماً كبيراً بمتابعة المبادرات الخاصة بتعزيز عمله، وتؤكد على ضرورة احترام حزمة البناء المؤسسي التي سبق وأن توافقت عليها الدول وتمثل توازناً دقيقاً ينبغي الحفاظ عليه، والبعد عن أي مقترحات قد تؤدى إلى تعميق المُمارسات السلبية وزيادة الاستقطاب داخل المجلس بصورة تهدد مصداقيته وعالميته.

وفي ذات السياق، أكد "شكري"، أن الشعوبَ تتطلع لأن يقوم المجلس بدوره في ترسيخ التعايش والتسامح ودعم التمتع بكافة حقوق الإنسان دون تمييز، ونبذ الاستعلاء الحضاري والثقافي والعنصري الذي يمارسه ويدعو له البعض دون إدراك لمغبةِ تلك الصراعات على الاستقرار الدولي، مشددًا على أنه يجب على الجميع التيقن من أنه لا يحق لأي طرف أن يجعل من نفسه مفتشاً يُقيم الآخرين أو يُنصب ذاته قاضياً، خاصة وأن عملية تعزيز حقوق الإنسان بطبعها عملية تراكمية ومتواصلة لم تصل فيها أي دولة إلى الكمال، فكل دولة تسعى لتحقيق أهدافها الوطنية في مجال حقوق الأنسان، والبناء على النجاحات وتصويب أي اختلالات، مع تفاوت الظروف والتحديات التي تجابهها الدول.

وكشف "حافظ"، أن وزير الخارجية تطرق أيضا في كلمته للتحديات المتشابكة التي تستدعى تكاتف الجهود لمجابهتها، والتي تتضمن ظواهر مثل تنامي القوى الشعبوية واليمين المتطرف في العديد من الدول المتقدمة، بما ينذر بعواقب وخيمة تهدد الإنجازات التي حققتها الحركة الحقوقية العالمية على مدار السنوات الماضية.

وفيما يتعلق بالأوضاع في الشرق الأوسط، أشار وزير الخارجية، إلى أن ما شهدته المنطقة من حالات انهيار للدولة الوطنية مع صعود لبعض الكيانات السرطانية من الجماعات المُسلحة والإرهابية تحت شعارات خادعة، يستوجب الوقوف طويلاً بالتدقيق والتحليل لما أسفرت عنه تلك الحالات من تداعيات كارثية على الأمن والاستقرار الدوليين، وكذا العمل للخروج من تلك الحلقة المفرغة بالتصدي للإرهاب وداعميه ومموليه، بالتوازي مع تعزيز واحترام حقوق الإنسان، ونشر ثقافة التعايش والتسامح وقبول الأخر.

وفي ذات السياق، لفت "شكري" إلى أن مصر تُشدد على أهمية تعزيز التعاون الدولي في إطار المجلس لحماية حقوق الإنسان في مناطق النزاعات، وخاصة ضرورة تبني مقاربات عملية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني التي امتدت ليظل الشعب الوحيد بالعالم الذي يرضخ تحت الاحتلال الأجنبي، فضلاً عن تقديم الدعم المطلوب لتخفيف آثار الأزمة فى سوريا على المدنيين.

وأكد سامح شكري، أن مصر ستحرص على المشاركة الفعالة لتعزيز حقوق الإنسان على المستوى الإفريقي كأولوية خلال فترة رئاستها الحالية للاتحاد الإفريقي خلال العام الجاري، وضمان تمتع أبناء القارة بكافة الحقوق وفي مقدمتها الحق في التنمية، ودعم تنفيذ أهداف الاتحاد الإفريقي ذات الصلة.

ومن ناحية أخرى، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن الوزير شكري تناول في كلمته الإنجازات التي حققتها مصر على الصعيد الداخلي في مجال حقوق الإنسان، مستعرضاً الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الدولة المصرية في هذا الشأن، انطلاقاً من اقتناعها الذاتي بمحورية حقوق الإنسان وبأنها مكون هام من استراتيجية التنمية الوطنية الشاملة.

وأوضح "شكري"، أن الهدف الأسمى لهذه الخطوات يتمثل في بناء الدولةِ الوطنيةِ المدنيةِ والحديثةِ التي يتمتعُ فيها المصريون بكافة الحقوق والحريات، وينعمون فيها بمستقبل أفضل يستحقونه ويليق بهم، منوهًا بأهمية اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، والتي صدر قرار تشكيلها في نوفمبر 2018 بهدف وضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان ومتابعة تنفيذها.

وأشار الوزير إلى مبادرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بإطلاق حوار مجتمعي موسع بمشاركة كافة الأطراف ذات المصلحة لتعديل القانون المعني بالمنظمات غير الحكومية، بهدف تعزيز دورهم كشريك للدولة في تحقيق التنمية، في إطار من المصداقية والشفافية.

وأردف "حافظ"، أن الوزير شكري استعرض أيضا التقدم الكبير الذي شهدته مصر على صعيد كفالة واحترام حرية الدين والمُعتقد، مشيراً في هذا الصدد إلى دعوة رئيس الجمهورية إلى تجديد الخطاب الديني ونبذ التطرف والغلو في الدين ومواجهة دعاوى الكراهية والعنف، وكذا افتتاح أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط وأكبر مسجد في مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة، وفق رؤية واضحة تقوم على ترسيخ مبادئ المواطنة والمساواة وعدم التمييز، مؤكداً أن التنوع والتعددية من سمات المجتمع المصري، ويُمثلان مصدر قوة وثراء وحائط صد منيع ضد دعاة الفتنة والتطرف والإرهاب.

وأبرز وزير الخارجية جهود مصر لبناء الإنسان، وهو الأساس والهدف الحقيقي لكافة برامج التنمية، حيث أكد على الأهمية التي توليها مصر لتوفير تعليم لائق بما يعزز من قدرة المواطنين على التمتع بكافة حقوقهم.

واستعرض "شكري" الجهود الوطنية لتمكين المرأة المصرية اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا من خلال استراتيجية تمكين المرأة 2030 والتي تتضمن حزمة من الإجراءات والتشريعات، وكذا جهود الارتقاء بأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة، مشيرًا إلى اعتماد مجلس النواب مؤخراً القانون الخاص بالمجلس القومي لذوي الإعاقة، بما يسمح له بممارسة صلاحياته في هذا الشأن.

ومن جانب آخر، أكد "شكري" على الأولوية التي توليها مصر لتعزيز التمتع بالحق في السكن اللائق من خلال خطة طموحة للقضاء على العشوائيات، وكذا تعزيز التمتع بالحق في الصحة عبر مبادرة رئيس الجمهورية للقضاء على فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي "سي" والكشف عن الأمراض غير السارية، فضلاً عن اعتماد البرلمان المصري قانون التأمين الصحي الشامل.

واختتم المتحدث باسم وزارة الخارجية تصريحاته، بالإشارة إلى أن وزير الخارجية أكد في ختام كلمته أمام المجلس، حرص الحكومة المصرية على الوفاء بالتزاماتها الدولية ومُتابعة تفاعلها البنَّاء مع مختلف الآليات الدولية لحقوق الإنسان، مشيراً في هذا الصدد إلى أن مصر تقوم حالياً بالإعداد لجلسة المراجعة الدورية لمصر في نوفمبر القادم.