شهادة الزواج الطبية في قفص الاتهام.. وأطباء: لا تكشف القدرة الجنسية والأمراض الوراثية

شهادة الزواج الطبية في قفص الاتهام - صورة مجمعة
شهادة الزواج الطبية في قفص الاتهام - صورة مجمعة

- متزوجون: الشهادة حبر على ورق.. وحكايات «أميمة» و«ريهام» و«سمر» مع أزواجهن

- القانون نص عليها وتشمل الأمراض العقلية.. وهذه هي الفحوصات الطبية «الواجبة»

- «الفكهاني»: الشهادة ليست ضمانا كافيا وتفيد في حالات كالإنجاب والأنيميا والأمراض التناسلية

- «إيمان»: على الإعلام تقديم مواد درامية توضح خطورة تزييف الشهادة كالطلاق والأمراض

 

جلست أُميمة محمود، ابنة محافظة سوهاج، ذات الـ23 ربيعا، أمام أعضاء مكتب تسوية المنازعات بمحكمة الأسرة، تروي مأساتها مع زوجها بعدما عانت الأمرين معه خلال فترة زواجهما الذي لم يدم 4 شهور، فبعد أن أنهت دراستها الجامعية تقدم لخطبتها ولم يكن بينهما سابق تعارف، وسرعان ما تمت الخِطبة التي لم تطل؛ حتى بدأ التجهيز للزواج، وأحضر الزوج الشهادة الصحية للمأذون التي تفيد بسلامته الصحية والنفسية والعقلية، وتم الزواج؛ لتكتشف منذ الليلة الأولى أنه لم يكن شخصا سويا!.

 

في تلك الليلة؛ اكتشفت «أميمة» أن زوجها مريض نفسي، وبعدما ذهب مفعول العلاج الذي يتناوله، قام بتكسير زجاجات العطور الموجودة في غرفة النوم وزجاج المرآة، وعندما بدأت تصرخ من شدة الصدمة تدخل أهل الزوج، وأقنعوها أنه يعاني من بعض الاضطرابات النفسية الخفيفة التي ستختفي مع العلاج!.

 

مرت الأيام وكانت تُصّبر نفسها، ومع إلحاح أهلها عليها بالصبر وعدم طلب الطلاق؛ تحملت رغم أنه كان مقصرا في الواجبات الزوجية، لكن «أميمة» لم تتحمل فقررت رفع دعوى خلع أمام محكمة الأسرة.

 

حالة «أميمة» لم تكن الوحيدة، فحالة «ريهام» شبيهة لها، إذ اكتشفت منذ الأيام للزواج أن زوجها مريض نفسي أيضا، فكان يجبرها أن تُقبل يديه وقدميه كل يوم كإثبات وعرفان منها على فضله عليها، وعندما تلفظت أمامه بكلمات أغضبته طلب منها إخراج لسانها لحرقه بـ«ولاعة السجائر» ولما رفضت أحرق شفتاها، لتقرر ترك المنزل ورفع دعوى خلع أمام المحكمة.

 

أما «سمر» فاكتشفت أن زوجها عقيم، رغم أنه أحضر شهادة الفحوص الطبية للمأذون تفيد بسلامته، ومع حرصها على الإنجاب؛ قررت الخلع.

 

كل تلك الحكايات رغم تكرارها وانتشارها في مجتمعنا في الفترة الأخيرة، إلا أن في طياتها أمرا جوهريا هو «شهادة الفحوصات الطبية للمقبلين على الزواج»؛ كيف يتم استخراجها؟ وما هي التحاليل التي يتم إجرائها؟ وكيف يتحايل البعض على القانون لـ«فبركتها» ومنحها دون إجراء الفحوصات الطبية مقابل مبالغ مالية.

 

الشهادة بنص القانون

نصت المادة الخامسة من القانون رقم 143 لسنة 1994، بشأن الأحوال المدنية، والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008: «ألا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، ويعاقب تأديبياً كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة».

 

أما قرار وزير الصحة د. حاتم الجبلي برقم 338 لسنة 2008 فنص: «يتم إجراء فحص طبي إجباري للراغبين في الزواج على كافة أجزاء الجسم، شاملاً تقييم الحالة العقلية لكل منهما، وذلك للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياتهما أو صحتهما أو صحة نسلهما».

 

الفحوصات الطبية «الواجبة»

 

شهادة الفحص الطبي لا تُعطى إلا بعد المرور على مراحل الخدمة، كما لا تعطى شهادة الفحص الطبي إلا لصاحب الشأن، ويتم تحصيل مبلغ 80 جنيها لا غير؛ مقابل الحصول على جميع الخدمات المذكورة وليس نظير استخراج الشهادة.

 

وتختلف الفحوص الطبية لزواج الأقارب وغير الأقارب؛ فالفحص لغير الأقارب يتمثل في:

 

الرجال: تحديد فصيلة الدم، وعامل ريسِس (نظام تصنيف "ABO & RH")، ومستوى الهيموجلوبين، ومستوى السكر بالدم (تحليل السكر العشوائي)، وفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي، والإيدز، وتحليل مرض الزهري، وتحليل السائل المنوي، ويجب الامتناع عن الجماع والقذف لمدة 3 أيام قبل إعطاء العينة، ويستحسن أخذ العينة داخل المعمل في إناء نظيف ومعقم، ولا يجب استخدام الصابون عند إعطاء العينة، ويجب أن تصل العينات التي يتم إعطاؤها للمندوب في المنزل إلى المعمل خلال نصف ساعة، ويتم تحليلها فورًا، ولا تقبل عينات السائل المنوي الملوثة بالبول.

 

أما النساء: كل التحاليل السابق ذكرها بالإضافة إلى: تحليل فيروس الحصبة الألمانية، والهرمونات، والإستروجين، وSH2، LH وتُؤخَذ العينات في اليوم الثالث من دورة الحيض، وبروجيسترون وتُؤخَذ العينات في اليوم الـ21 من دورة الحيض.

 

أما الفحص الطبي قبل الزواج للأقارب؛ الرجال: كل التحاليل السابق ذكرها بالإضافة إلى: الثلاسيميا (الأرتحال الكهربى للهيموجلوبين) وفحص الكروموسومات (تحديد النمط النووي).

 

والنساء: كل السابق ذكرها بالإضافة إلى: الثلاسيميا (الأرتحال الكهربي للهيموجلوبين) وفحص الكروموسومات (تحديد النمط النووي).

 

متزوجون: الشهادة حبر على ورق

 

يروي لنا أحمد سعيد، ذات الـ32 عام، من سوهاج، فيقول إنه ذهب للمستشفى لاستخراج الشهادة وطلبوا منه مبلغا لا يتخطى الـ100 جنيه ليكتب له الطبيب وطاقم التمريض أنه «سليم» في جميع الكشوفات المفترضة في الأمراض الجنسية وتحاليل الدم وفيروس سي والسكر والكبد والأمراض العقلية، واستخرجها في نفس اليوم بعدما أعطى «الحلاوة» لطاقم التمريض بالمستشفى!.

 

ويؤكد على إبراهيم، من محافظة أسيوط، أنه استخرج الشهادة الصحية قبل زواجه من المستشفى بحوالي 68 جنيها، ولم يتم توقيع الكشف الطبي عليه، وكانت برفقته خطيبته التي حدث معها نفس الأمر، ليحصلا على الشهادة في ذات اليوم.

 

أما رأفت سمير، ذات الـ28 عاما، فذكر أنه لم يذهب للمستشفى لاستخراج الشهادة الصحية، إنما تكفل المأذون باستخراجها له ولزوجته مقابل «أتعاب إضافية» على رسوم كتب الكتاب.

 

طبيب: الشهادة ليست ضمانا كافيا

 

يقول الدكتور حسن الفكهاني، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية بكلية الطب جامعة المنيا، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن فحوصات ما قبل الزواج مهمة للغاية، لكن ينتج عنه بعض المشكلات؛ فمثلا لا يمكن تقييم حالة الرجل الجنسية بتحليل السائل المنوي، فالسائل المنوي لا يكشف القدرة الجنسية إنما يكشف حالة الإنجاب، ولكن يمكن معرفة القدرة الجنسية عن طريق أسئلة حول التاريخ المرضي وقد يكذب فيها الرجل، فبالتالي لا يمكن التقييم بالضبط للحالة الجنسية.

 

وتابع د. «الفكهاني»، حديثه قائلا: «الشهادة الطبية لا تظهر العيوب الخلقية التي تنتج من العوامل الوراثية للأطفال، فما يتم في المستشفيات هو تحليل السائل المنوي وتحليل الدم، ويتم الكشف على الصحة العامة للرجل وقدرته على الإنجاب، وتحليل وظائف الكبد والكلى، ولا يوجد تحليل يكشف العيوب الخلقية والوراثية بعد الزواج».

 

وأضاف أن الشهادة الطبية تفيد مثلا في حالة الإصابة بالأنيميا مثلا فيتم علاجها قبل الزواج، أو مصاب بفيروس سي فيتم علاجه منعا لانتقال العدوى، مع العلم أن الاتصال الجنسي ليس من الأسباب الواضحة والمؤكدة لنقل عدوى فيروس سي.

 

وأوضح أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية بكلية الطب جامعة المنيا، أن الشهادة تفيد أيضا في الكشف عن فيروس الأيدز والأمراض التناسلية نتيجة أي علاقات ما قبل الزواج، ويتم علاجها، مشددا على أن الشهادات ما قبل الزواج يجب إجرائها بدقة وعدم الاستهانة بها ودفع أموال مقابل الحصول عليها بشكل سهل وسريع.

 

وشدد على أن الشهادة الصحية لا تشمل الأمراض العقلية والنفسية في الواقع، ولا توجد طريقة لكشفها، فمثلا لو فرضنا أن نسبة وراثة مرض معين 10% فهذه النسبة تخضع لقانون الصدفة أو إرادة الله في مسألة توريث الصفات للأطفال، مضيفا أن تحليل السائل المنوي قد لا يكون الرجل في أحسن أيامه فيُظلم.

 

وأشار د. «الفكهاني»، إلى أن الأمراض النفسية والعقلية يجب تقييمها عند طبيب نفسي، ويتم ذكر التاريخ المرضي للعائلة ويتم عمل فحوصات أكثر دقة، ولكن هذا غير موجود، مؤكدا أن الشهادة الصحية ليست ضامنا على الإطلاق.

 

وذكر أن الكنيسة المصرية سبقت القانون في هذا الاتجاه، وتقوم بالفحوصات الطبية قبل الزواج، ولكنها لم تمنع الطلاق بسبب الضعف الجنسي مع العلم أن الكنيسة تسمح بالطلاق في أول 6 شهور حال الضعف الجنسي، ولم تضمن الإنجاب لكل الناس الذين اجتازوا تلك الفحوصات.

 

التوعية وتغيير ثقافة المجتمع

 

من جانبها، ترى الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري علم النفس والعلاج الآسري، أن الشهادة الصحية خطوة مهمة وإيجابية للمقبلين على الزواج للاطمئنان على الصحة البدنية، لكن للأسف منتشرة ثقافة الفهلوة والرشاوي وعدم الالتزام بإجرائها كما يجب، وهذا يعتبر من الناحية الدينية «غش» للطرف الآخر.

 

وتابعت د. «إيمان» حديثها لـ«بوابة أخبار اليوم»، قائلة: «الشهادة وقاية من الأمراض والمشكلات الزوجية التي تُكتشف بعد الزواج وما ينتج عنها من طلاق، وأطفال لديهم إعاقات وأمراض وخاصة مع زواج الأقارب».

 

وأضافت أن الشهادة ضرورية لاكتشاف العقم وعلاج أمراض القلب والضغط قبل الزواج لكلا الطرفين، وضرورة بناء الزواج على المصارحة قبل عقد القران، مضيفة أن تلك الفحوصات سهلة وغير مكلفة ولا تحتاج لأساليب ملتوية لاستخراجها ولا تشمل كشف على العورة كما يعتقد البعض، موضحة أن الثقافة المجتمعية المنتشرة عدم تقبل الجديد أو الالتفاف عليه، ومن يدفع الثمن هم الأطفال بالأمراض الوراثية.

 

وأشارت استشاري علم النفس والعلاج الآسري، إلى ضرورة رفع حالة الوعي بالمجتمع ونشر ثقافة الوضوح والصراحة وبناء الزواج «الميثاق الغليظ» على حياة زوجية ناجحة، مؤكدة على دور الإعلام وتصوير مشاهد درامية بتبعات غش شهادة الزواج والأمراض التي تنتج عنها.

 

وذكرت أن الوقاية خير من العلاج، ويجنب الأسر إدخال أطفالهم للحضانات وما يستلزم من نفقات كبيرة.