ياسر رزق يكتب: مشوار الإصلاح السياسي الذي انطلق

الكاتب الصحفي ياسر رزق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي ياسر رزق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم

أتوقع الاستفتاء على التعديلات الدستورية قبل رمضان.. وأتوقع مجالاً أرحب لحرية الرأى والإعلام أتصور أن تتقدم السياسة فى أدوارها وأن يتراجع الأمن.. وأتصور أن تتفاعل الأحزاب وتندمج

أحيانا حين تمد ناظريك إلى الأفق، وتطل إلى بعيد فى أطراف السماء، ترى بعض أمارات مستقبل يلوح ويقترب. ربما تطالع سحبا حبلى تنبيء بأمطار، أو عواصف معبأة تنذر برعود، أو رياحاً آتية تبشر بكشف ضباب عن شمس تتثاءب فى يقظة نهار.


قد تخدعك عيناك بسراب أرض أو أوهام سماء حيثما تنظر، لكن بصيرتك لا تنخدع أبدا أينما تطل وترى وتدرك.
ولقد برهنت الأيام عندى صواب البصيرة فيما كتبت، بقدر ما أتت به بصيرة الصواب عند من اختار توقيت الأحداث.
شخصيا، أشعر باغتباط، كون رؤية نواب الشعب التقت رأيى فى بعض ما كتبت على مدى ثلاث مقالات عن الإصلاح السياسى، وفى المبدأ منه تعديلات ضرورية على الدستور.

 

أحسست بعنفوان الكلمة، حين قابلتها جسارة الفعل، بعد ما أصاب اختيار نواب الشعب، وجهة نظرى، فيما اقترحت من مواد يتعين شمولها فى التعديلات الدستورية، وفيما ذهبت إليه من تفضيل لفتح الملف هذا الشهر تحديدا، فى مستهل عام الإصلاح السياسى الذى أبصرت ملامحه تلوح فى أفق الحياة السياسية.


ها قد انطلقت إشارة البدء فى مشوار عام الإصلاح السياسى.
يوم الأحد الماضى، تقدمت كتلة الأغلبية بالبرلمان (ائتلاف دعم مصر) بطلب موقع من أكثر من ٢٠٪ من عدد النواب، إلى الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، بشأن تعديل بعض مواد الدستور، ونوقش الطلب فى اجتماع للجنة العامة، وأرجئ الاجتماع إلى اليوم لاستكمال المناقشات.
والتزاما بالتوقيتات المنصوص عليها فى المادة (٢٢٦) من الدستور التى تنظم إجراءات تعديله، من المتوقع - فى حالة موافقة البرلمان بأغلبية الثلثين على المواد المطلوب تعديلها - أن يجرى الاستفتاء فى نهاية شهر ابريل أو مطلع شهر مايو على أقصى تقدير، ذلك أن أول أيام شهر رمضان المبارك سيحل فى السادس من مايو، ومعلوم أن إجراء الاستفتاء فى شهر الصيام، لا يشجع على الإقبال المنشود على لجان التصويت.
 

ثمة خمس عشرة مادة على الأقل سوف يطالها التعديل، وثمانى مواد مستحدثة ومادتان مطروحتان للحذف، وقد يزداد العدد أو يقل فى كل مجموعة، حسبما تتجه مناقشات النواب، ووفقا لما يسفر عنه الحوار المجتمعى عبر وسائل الإعلام، خلال مدة الستين يوما التى تفصل بين موافقة البرلمان على مبدأ التعديل، وبين مناقشته للمواد المعدلة والمستحدثة والتصويت عليها.

واسطة عقد التعديلات الدستورية وجوهرها، دون مواربة، هى المادة (١٤٠)، التى سيطالها التعديل لزيادة سنوات المدة الرئاسية من ٤ سنوات إلى ٦ سنوات ابتداء من عام ٢٠٢٢ مع الإبقاء على القيد الخاص بعدم تمديدها لأكثر من مدتين متتاليتين.
وعلى أهمية المواد المستحدثة الخاصة بإنشاء مجلس الشيوخ، والمواد الخاصة بتخصيص نسبة ٢٥٪ من مقاعد البرلمان للمرأة، ومعظمها طالبت بها فى مقالى الأول ضمن سلسلة الإصلاح السياسى، فإن هناك مادتين أراهما أبرز المستحدثات فى مواد التعديل الدستور.
- أولهما المادة الخاصة بتعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية.
ولا أخفى سرا هنا إذا قلت، إن الرئيس السيسى بدا فى أحد لقاءاتى معه وزملائى من رؤساء تحرير الصحف القومية، ميالا لفكرة تعيين نائب لرئيس الجمهورية، وقد قلنا له - وهو يعلم بالقطع - إن الدستور لا يمنع تعيين نائب لرئيس الجمهورية، لكنه على ما يبدو صرف النظر على الفكرة، والسبب فى تقديرى أنه رأى أن المشرع الدستورى لو كان يرغب فى إيجاد هذا المنصب لنص عليه صراحة، مثلما كان يُنص على المنصب فى دساتير سابقة على ثورة ٢٥ يناير.
وفى رأيى المتواضع أن هذه المادة لها أهمية فائقة على صعيد الاستقرار السياسى وبث الطمأنينة فى الشارع المصرى.
بوضوح أقول إن الغرض من تعيين نائب أو أكثر للرئيس ليس مجرد تقديم المعاونة له عبر إسناد ملفات حيوية للنائب أو النواب، ذلك أن تلك المهمة قد يقوم بها مساعدو الرئيس أو مستشاروه دون حاجة إلى استرجاع منصب نائب رئيس الجمهورية والنص عليه فى الدستور.

الغرض فى تقديرى تجهيز خلفاء محتملين للرئيس من مدرسة السلطة التنفيذية مدنيين وعسكريين، واختبارهم وتسليط الأضواء عليهم، فى ظل حالة العجز التى مازالت تلازم الأحزاب والقوى السياسية فى تجهيز شخصيات على أعلى مستوى قادرة على خوض انتخابات الرئاسة وتولى منصب الرئيس فى دولة بحجم مصر.
ولا شك أن وجود شخصية محترمة أو أكثر له، أو لهم، تقدير واعتبار لدى المصريين  فى منصب نائب الرئيس سوف يزيل أسباب التوجس والتوتر فى الشارع المصرى، ويبدد السؤال المحير منذ عام ٢٠١٤: ماذا بعد الرئيس؟!
- المادة الثانية التى أراها من أهم الإضافات فى حزمة التعديلات الدستورية، هى الفقرة التى ستضاف على المادة (٢٠٠) الخاصة بمهام القوات المسلحة لتزيد إليها مهمة صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على مدنية الدولة. والنص واضح لا يحتاج إلى شرح أو تفصيل.
أما المادة التى طنطنت بها أبواق الإخوان، وجاءت التعديلات المقترحة لتخلو منها تماما، فهى الخاصة بمنصب شيخ الأزهر. فلقد روجت الفضائيات والمواقع الاخوانية لأكذوبة تعديل أسلوب اختيار وتعيين شيخ الأزهر فى الدستور بما يسمح بإقالته أو عزله، وهو ما ثبت أنه محض افتراء.
غير أنى برغم اتفاقى المسبق مع معظم ما جاء فى التعديلات، أو بالأحرى اتفاق التعديلات مع معظم ما طرحت، أشعر بعدم ارتياح لانطباق زيادة مدة الرئاسة إلى ٦ سنوات للرئيس الحالى وخلفائه. ولقد كنت أرغب فى قصر انطباق الزيادة على الرئيس الحالى فى نص انتقالى، تتقلص بعده سنوات المدة الرئاسية لتعود إلى ٤ سنوات. ومن جديد أقول: ومن يضمن ألا يأتى خليفة السيسى أو أحد خلفائه ممن يكتشف الشعب بعد انتخابهم أنهم لا يستحقون البقاء فى الحكم مدة ٦ سنوات؟!
ولا أفهم أيضا سر الإبقاء على المادة المريبة رقم (٢٤١) والخاصة بالعدالة الانتقالية، وهى المادة التى تفتح شبابيك الدستور لتقفز منها جماعة الإخوان إلى قلب الحياة السياسية.


مستهل عام الإصلاح السياسى إذن، ونقطة انطلاقه هى التعديلات الدستورية التى أتوقع إقرارها فى الاستفتاء الشعبى قبيل حلول شهر رمضان.
من بعدها، ينتظر أن تجرى انتخابات مجلس الشيوخ فى خريف هذا العام، بعد إقرار مجلس النواب لقانون انتخاب الغرفة الثانية للبرلمان.
العام المقبل، هو عام انتخاب مجلس النواب. والسنة التالية، هى حسبما أتوقع سنة انتخاب المجالس المحلية، وبعدها بعام يحين موعد الانتخابات الرئاسية سنة ٢٠٢٢.
أى أن فى كل عام من الآن وحتى ٣ سنوات مقبلة، انتخابات عامة كبرى.
وأظن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون أكثر تنافسية وتعددية وسخونة من سابقتها. ولعلنا نرى من بعدها نشاطا حزبيا واسعا تكون ذروته فى انتخابات البرلمان ٢٠٢٥ التى أتمناها علامة فارقة فى الحياة النيابية المصرية.


سوف يخرج الناخب المصرى - على الأرجح - مرتين هذا العام، للاستفتاء على التعديلات ولانتخابات مجلس الشيوخ.
وسوف يتعاظم دور وسائل الإعلام منذ نهاية هذا الشهر ولمدة شهرين مقبلين، حين تصير هى ميدان الحوار المجتمعى حول مواد التعديلات الدستورية، وسوف يزداد دورها بتعديل المواد الخاصة بالإعلام المصرى حذفا وإضافة، بما يمكنه من النهوض بمسئولياته على أكمل وجه فى بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة.
أتوقع فى مشوار الإصلاح السياسى ابتداء من هذا العام، مجالا أرحب للكتلة الوطنية فى حرية الرأى والتعبير والإعلام، دون قيود تجاوزها الزمن، لا تليق بمكانة الإعلام المصرى ولا بشعب مصر فى مسيرته لبناء مجتمع الديمقراطية والحكم الرشيد.
أتوقع أن تتقدم السياسة أدواراً ومهام، وأن يتراجع الأمن فى أدواره فتقتصر على التأمين والحماية والوقاية.
أتوقع أن تتفاعل الأحزاب وتندمج فيما بينها على نحو ما أسلفت فى مقالاتى السابقة، لنجد كتلا حزبية قوية تتصدر المشهد السياسى، وتتنافس على كسب ثقة الناخب فى الاستحقاقات العديدة القادمة، وتفرز كوادر قيادية مؤهلة لخوض الانتخابات النيابية والمحلية والرئاسية.


من قبل قلت، وأكرر الآن: نحن فى مرحلة انتقال من الاهتزاز إلى الاستقرار، وهى مرحلة طبيعية فى أعقاب زلازل الثورات التى ما زلنا نعيش توابعها.
وفى مطلع عشرية المرحلة الانتقالية الجديدة، أتصور أن تؤسس التعديلات الدستورية المطروحة لعهد جديد من الاستقرار السياسى والاطمئنان إلى مستقبل الحكم فى البلاد.
وفى مستهل مشوار الإصلاح السياسى الطويل أظن تشجيع الحياة الحزبية وتعزيز حرية الرأى والإعلام، منطلقا لا يجب التراجع فيه، من أجل تحفيز التعددية السياسية وضمان التداول السلمى الحقيقى للسلطة بين قوى كتلة ٣٠ يونيو الوطنية.
هذا البلد يستحق إصلاحا سياسيا يليق بنضال هذا الشعب.