15 سنة «فيس بوك»| 132 ألف ساعة ضاعت في «وهم التواصل الاجتماعي»

فيس بوك - رويترز
فيس بوك - رويترز

15 عاما مرت على انطلاق أكبر منصة للتواصل الاجتماعي بين البشر.. فلم يكن «الطفل العبقري» مارك زوكربيرج، يعلم أنَّ البرنامج، الذي ابتكره ليساعد ممرضة والده طبيب الأسنان، في التواصل مع الأب لإخباره بوجود مرضى في غرفة الانتظار دون دخول غرفته كثيرًا، سيتحول فيما بعد إلى شبكة تواصل ضخمة تضم أكثر من ملياري شخص حول العالم، ويجعله يتربع على عرش التكنولوجيا، بثروة كبيرة.

 

«اهتمام وشغف»

 

اهتمام وشغف مارك زوكربيرج، المولود في 14 مايو 1984، بالكمبيوتر، بدأ منذ نعومة أظافره، وعندما لاحظ الأب عبقرية طفله في استخدام التكنولوجيا، قرر تنمية مهاراته وتدريبه أكثر، فجلب له معلمًا متخصصًا في علوم الكمبيوتر لتزويده بها.

 

واستطاع مارك وهو في المرحلة الثانوية ابتكار مشغل موسيقى، باسم «الوصلة العصبية»، يعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي لمعرفة عادات المستخدم في الاستماع، وحاولت شركتا «مايكروسوفت وإيه أو إل»، أن تشتريا هذا البرنامج وتوظف زوكربيرج لديها، إلا أنه رفض وفضل تحميله على شبكة الإنترنت بالمجان.

 

«فيس ماش»


وفى عام 2002 قرر الالتحاق بجامعة هارفارد، الجامعة رقم واحد على العالم، ليبدأ أولى خطوات مشروع حياته، واستطاع تطوير برنامج يسمى «كورس ماتش»، لمساعدة الطلاب على اختيار صفوفهم بناء على اختيار الطلاب النخب السابقين، ثم طور برنامجاً آخر خاصاً بشبكة هارفارد، وهو برنامج «فيس ماش» وكانت وظيفته مقارنة صور الطلاب، وإتاحة التصويت لهم، بناء على جاذبية صاحب أو صاحبة الصورة، ومع الوقت زادت شهرة «فيس ماش» في الجامعة بصورة كبيرة، حتى لجأت الإدارة إلى إلغائه، لتأديب الطلاب، بعدها طور مارك وزملاؤه موقعاً للتواصل الاجتماعي، يسمح للمستخدمين بتصميم صفحاتهم الشخصية وتحميل صورهم والتواصل مع الآخرين، وأطلقوا عليه اسم «فيس بوك».

 

«الحوت الأزرق»

 

غادر «مارك» الجامعة في صيف 2004، وكرس وقته لتطوير وإدارة «فيس بوك» وبعدها بعام تلقى تمويلاً من شركة «Accel Partners» فعمل على توسيع قاعدة الشبكة، لتضم طلاب الثانوية العامة مع طلاب الجامعة، فوصل عدد المشاركين إلى نحو 5.5 مليون مستخدم، بعدها أصبح الموقع بمثابة «حوت أزرق ضخم» يبتلع كل ما يقابله، فتجاوز عدد مشتركيه الآن ما يقرب من ملياري شخص حول العالم.

 

وبعد مرور 15 عاما على ولادة «فيس بوك» أصبح اليوم يمتلك 2.2 مليار مستخدم، بينما تقدر ثروة مالكه، مارك زوكربرج، بنحو 55 مليار دولار، كما أن الشركة حققت في الأسبوع الحالي، أرباحا قياسية بقيمة 6.88 مليار دولار، خلال الثلاثة أشهر الماضية فقط، كما استطاع «فيس بوك» أن يبتلع شركات كبرى مثل «إنستجرام» و«واتس آب» لتصبح واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا على هذا الكوكب، تزامنا مع تتويج زوكربرج كخامس أغنى شخص في العالم.

 

«حقائق صادمة»

 

ولكن أمام كل ذلك النجاح، هناك حقيقة مجردة، وهى أن الناس يكذبون على بعضهم البعض عبر منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة، حيث كشفت نتائج استبيان للرأي، أجرته شركة «كاستارد» للأبحاث التسويقية، على 2000 شخصا في المملكة المتحدة، عن أن 18% منهم فقط قالوا إن ملفهم الشخصي على «فيس بوك» يمثلهم بصورة دقيقة، بينما 31% منهم قالوا إنه لا يمثلهم بصورة صادقة ولكن تجميلية، بينما أفاد 14% منهم أن «فيس بوك» جعلهم أكثر نشاطا اجتماعيا عما كانوا عليه، كما أفصح الاستبيان عن أن الرجال كانوا أكثر زيفا وتصنعا لجوانب حياتهم على «فيس بوك» مقارنة بالنساء.

 


وفي ذات السياق، كشف استبيان لشركة «وان بول» لأبحاث التسويق، عن أن ثلث النساء اللاتي شملتهن الدراسة، اعترفن بأنهن ليسوا صادقات بشأن أنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعي، واعترفت واحدة من بين كل أربعة تقريبا بالكذب أو المبالغة في الجوانب الرئيسية لحياتها على الإنترنت، وذلك ما بين مرة وثلاث مرات في الشهر، وأن ما يقرب من 30٪ من النساء كذبن حول أنشطتهن، و20٪ لم يكونوا صادقات بشأن أنشطة عطلاتهم أو حتى وظائفهم.

 

«تمثيل لا يتوقف»

 

وتعد النتائج السابقة من بين مئات النتائج التي تؤكد على أن "فيسبوك" أصبح يشكل انفصالا عن السلوك البشري التقليدي، ففي الماضي، كان بإمكاننا أن نأخذ استراحة من التمثيل على أنفسنا، ونعود إلى إحساسنا الخاص بنا، ولكننا الآن، ووسط إدمان الناس على الهواتف الذكية، فإن التمثيل لا يتوقف.

 

وتعتبر مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، والأخبار المزيفة، ونشر الحض على الكراهية، والنهم وراء بيانات المستخدمين الشخصية ، طرق خبيثة انتهجها «فيس بوك» مع مستخدميه على مدار 15 عاما، بحسب «ذا جارديان».

 

«الكل مراهق»

 

وفي رسالتها الجديدة حول هيمنة «فيس بوك» و«جوجل»، والتي جاءت بعنوان: عصر الرقابة الرأسمالية أو «The Age of Surveillance Capitalism»، وصفت الأكاديمية الأمريكية، شوشانا زوبوف، أن ما يجري حاليا على وسائل التواصل الاجتماعي، بمثابة «تسونامي نفسي للمقارنات الاجتماعية».

 

وسجل البحث الذي أجرته الجمعية الملكية للصحة العامة في عام 2017، أن جميع منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة لها تأثير سلبي على الرفاهية العقلية للشباب، ويزيد من مشاعر عدم الكفاءة والقلق لديهم.

 

وردا على هذه الاتهامات، يجادل المدافعون عن «فيس بوك»، بالتأكيد على أن شعبيته أصبحت في انخفاض بين المستخدمين الأصغر سنا، الذين أصبحوا يميلون لبدائل أخرى هى «إنستجرام وسناب شات»، ولكن لا يزال يستخدم «فيس بوك» من قبل الملايين من الشباب، كما أن شركة مارك زوكربيرج تمتلك «إنستجرام».

 

وأصبح هناك شعور غالب، وهو أن «فيس بوك» نجح في تحطيم بعض الفروق السلوكية بين الأطفال والشباب والكبار، لدرجة أن جميع مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية الآن أصبحوا يتصرفون كالمراهقين، وهو ما يعني تعرضهم لنفس الجوانب السلبية للاستخدام المفرط لمنصتهم الاجتماعية المفضلة.

 

«التقاطع الاجتماعي»

 

من ناحية أخرى، جاءت تعليقات المصريين بمناسبة مرور 15 عاما على إطلاق «فيس بوك» صريحة.. فرغم استخدام ملايين المصريين للموقع، إلا أن الكثير منهم أعرب عن استيائه وغضبه من الموقع.

 

فيقول أيمن صبحي: «فيس بوك موقع تفريق وليس موقع تواصل اجتماعي»، وتضيف آمال سالم: «ضيع وقتنا وأفسد الأخلاق»، فيما قالت هدى محمد: «ياريتنا معرفناه ولا دخلناه، كنا مرتاحين ومترابطين من قبلوا و قبل جميع التواصل الاجتماعي، المفروض يبقي اسمها التقاطع الاجتماع».

 

«أخطاء كارثية.. ولكن»

 

ويؤكد خبراء الإعلام أن «فيس بوك» أصبح أهم ناقل أخبار في العالم ويتطفل على الوظيفة الإخبارية لأنه ليس لديه ماكينات إنتاج أخبار ولا ينشر كوادر أو مراسلين، ومع ذلك هو أكبر موزع أخبار في العالم، وهو ما يعبر عن عوار هيكلي في البنية الاتصالية العالمية لأن الموزع لا ينتج ويحصل على عوائد والمنتجون يتكبدون تكاليف الإنتاج ولا يحصلون على عوائد.


وأضافوا أن «فيس بوك» ارتكب أخطاءً كبيرة وتورط في عمليات خطيرة يمكن أخذها على محمل سوء النية، حيث يعد الموقع معول هدم خطير لكثير من الدول وأيضا للإعلام التقليدي، وهو ما جعل بعض الدول تسارع بحظر استخدام الموقع خلال فترات متفاوتة، كما تم حظر استخدام الموقع في العديد من جهات العمل لإثناء الموظفين عن إهدار أوقاتهم في استخدام تلك الخدمة.

 

ورغم ذلك استطاع «فيس بوك» أن يظهر نوعًا من الحوار الذي يتسم بالتنوع والجرأة والتعدد بما لا يمكن أن تجده في وسيلة إعلامية واحدة، حيث أتاح درجة من الحرية وتبادل المعارف والمعلومات والأخبار بغض النظر عن دقتها أو عدم دقتها بين الأفراد في جميع أنحاء العالم، وساهم الموقع بشكل كبير جدا في نشر صدى الأحداث والقرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بصورة أكثر جرأة وسرعة من وسائل الإعلام التقليدية.