استجواب 381 شخصًا واستعادة 400 مليار ريال.. تفاصيل 15 شهرًا كافحت فيهم السعودية الفساد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"إجراءات ضرورية لإستعادة أموال الدولة والقضاء على الفساد" بدأتها المملكة السعودية في نوفمبر 2017، وأعلنت نهايتها في آخر يناير 2019، مؤكدة استعادة ما لا يقل عن 400  مليار ريال متمثلة في عدة أصول من عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك.

 

بدأت الحملة بإشراف وتوجيهات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتم اعتبارها جزء من رؤيته الإصلاحية للملكة التي شملت عدد من القرارات الهامة والتي حظيت بإشادات دولية واسعة مثل السماح للمرأة بقيادة السيارات والإعلان عن إنشاء دار للأوبرا وغيرها من الخطوات التي كان يُعتبر تنفيذها بعيد نسبيًا عن طبيعة المجتمع السعودي.

 

وفي عدد من الحوارات والمقابلات الإعلامية أكد ولي العهد السعودي، أن قراراته وتحديدًا الحملة التي تم شنها ضد الفساد كانت ضرورية لإستعادة أموال المملكة. ففي حوار شهير لـ"بن سلمان" مع الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعد أيام من شن الحملة الشهيرة، دافع عنها قائلاَ، إن الفساد الذي انتشر في الملكة منذ عام 1980 جعل البلد تعاني كثيرًا، ووفقًا لحسابات الخبراء فإن ذلك الفساد يهدر حوالي 10% من أموال الحكومة سنويًا، وعلى الرغم من شن عدد من الحملات السابقة للقضاء على جذور ذلك الفساد، إلا إن كل الجهود كانت تنتهي بالفشل لأنها كانت دائمًا تبدأ من أسفل وليس من أعلى، وفقًا لتصريحات ولي العهد.

 

وتابع "بن سلمان"قائلا للكاتب الأمريكي إن والده عندما تولى الحكم عام 2015، تعهد بالقضاء على الفساد الذي كان يراه في كل مكان حوله داخل المملكة، لذلك كانت أول أوامره هي تشكيل لجنه للتحقيق وجمع معلومات عمّا يحدث، وبعد حوالي عامين من البحث، توصل الفريق في النهاية إلى قائمة من 200 اسم متورط بالفساد داخل المملكة.

 

وعندما اكتملت المعلومات وأصبح الوقت مناسبًا للتحرك، قام النائب العام السعودي الشيخ سعود بن عبد الله المعجب بالخطوات اللازمة.

 

وأكد ولي العهد في تصريحاته خلال الحوار أن 95% من الأمراء الذين تم مواجهتهم بالمعلومات التي جُمعت ضدهم وافقوا على التسوية -حتى ذلك الوقت-، بينما أكد 1% فقط أنه لا يوجد أدله ضدهم وأنهم غير متورطين، ورفض 4% آخرين التسوية وأرادوا الذهاب إلى المحاكم مع عدد من المحامين المدافعين عنهم.

 

بداية الحملة

 

بدأت الحملة بقرار خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، تشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد، لمكافحة الفساد، على أن تضم في عضويتها كل من: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.

 

وتقوم اللجنة بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال، اتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة.

 

 

وقال بيان صادر من الديوان الملكي في ذلك الوقت، إن هذا القرار يأتي نظرًا لما تم ملاحظته من استغلال من قِبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة.

 

 

تسويات مالية

 

شملت قائمة المحتجزين في فندق الريتز كارلتون، - والتي كانت حادثة شهيرة في وقتها- عدد كبير من أسماء المسئولين ورجال الأعمال والأمراء، على رأسهم الأمير الوليد بن طلال رجل الأعمال السعودي الأبرز، والذي خرج بعد تسوية أموره مع السلطات السعودية وأستأنف عمله بعد ذلك بشكل طبيعي.

 

إقرأ أيضَا: الوليد بن طلال.. قصة 85 يومًا قضاها الأمير السعودي محتجزًا بالـ«ريتز كارلتون»

 

توالت التحقيقات الموسعة، وخرجت التصريحات من المملكة العربية السعودية تباعًا معلنة التوصل لتسويات مع عدد من المحتجزين والمتورطين في قضايا الفساد.

 

ووفقًا لتصريحات نقلتها وكالة رويترز، يناير 2018، فقد تم الإعلان عن أن عددا من كبار رجال الأعمال توصلوا لتسويات مالية مع السلطات السعودية فيما يتعلق بحملة المملكة على الفساد.

 

وقال مصدر - لم تذكر رويترز إسمه- إن من بينهم وليد آل إبراهيم مالك شبكة إم.بي.سي التلفزيونية، وفواز الحكير أحد كبار المساهمين في شركة فواز عبد العزيز الحكير، وخالد التويجري الرئيس السابق للديوان الملكي، وتركي بن ناصر الرئيس السابق لهيئة الأرصاد وحماية البيئة.

 

 

إقرأ ايضًا: بالأسماء.. قائمة الأمراء والوزراء المعتقلين بالسعودية بتهمة الفساد

 

وفي تصريحات أخرى لولي العهد السعودي في مقابلة مع محطة «سي بي إس» التلفزيونية، مارس 2018 دافع بن سلمان، من جديد عن حملة مكافحة الفساد، وقال إن «ما فعلناه كان ضروريا للغاية. كل شيء تم وفقا للقوانين المطبقة»، مؤكدًا أنها نجحت في «استرداد أكثر من 100 مليار دولار».

 

وأضاف أن «الهدف منها ليس المال، وإنما معاقبة الفاسدين الذين انخرطوا في صفقات فاسدة وإرسال إشارة واضحة بأن كل من يختار الفساد سيُحاسب».

 

لم تقف السعودية عن ذلك الحد لمكافحة الفساد، بل أعلنت بعد ذلك، وتحديدَا في سبتمبر 2018، تعديلها لقانون مكافحة الفساد لإلغاء فترة الستين يوما المحددة لسقوط الدعاوى بالتقادم للتحقيق مع الوزراء الحاليين أو السابقين في إطار الجهود الرامية إلى التصدي للفساد وسوء استخدام السلطة في المملكة.

 

ونقلت وكالة الأنباء السعودية تصريحات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد  قوله إن "هذا التعديل سيمكن الهيئة والجهات المختصة من تنفيذ مهامها بفاعلية وكفاءة لحماية المال العام ومصالح الدولة والاقتصاد الوطني من الفساد".

 

"إننا نمر بمرحلة هامة في مكافحة الفساد، ونهيب بجميع العاملين في أجهزة الدولة، أن يكونوا على قدر من المسؤولية تجاه توجهات القيادة الرشيدة، التي جعلت الشفافية، والنزاهة، ومكافحة الفساد من المرتكزات الأساسية في رؤية 2030

 

...، يجب أن يدار المال العام بكفاءة لتحقيق المصالح العامة، وأن لا يُتسامح في هدره أو استغلاله لمصالح شخصية، بما يكفل إدارته بالنزاهة والعدالة والمساواة، ويحقق الأهداف والغايات التنموية لرؤية المملكة 2030، لاقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح."..، هكذا أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالمملكة السعودية القرارات التي اتخذتها المملكة، لافته أنظار العالم إلى أن الدولة السعودية أمام خطوات جديدة وسياسات إصلاحية جادة.

 

وفي  البيان الأخير الذي أصدره النائب العام السعودي سعود بن عبد الله المعجب، الأربعاء 30 يناير، كشف عن استمرار التحفظ على 56 شخصاً من بين 381 تم استدعاؤهم، من اللجنة العليا لمكافحة الفساد، وأعلن أن القيمة المقدرة لمبالغ التسويات تجاوزت 400 مليار ريال.

 

وأوضح النائب العام عضو اللجنة العليا لمكافحة الفساد سعود المعجب أنه بلغ العدد الإجمالي لمن تم استدعاؤهم من قبل اللجنة  381  شخصاً من تاريخ الأمر الملكي، وعدد كبير منهم تم استدعاؤهم للإدلاء بشهاداتهم، كما تم استكمال دراسة كافة ملفات من تم اتهامهم ومواجهتهم بما نسب إليهم من التهم.

 

وانتهت مرحلة التفاوض والتسويات، وتمت إحالة الجميع إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات النظامية، والتي اتخذت بحقهم وهي الإفراج تباعاً عمن لم تثبت عليهم تهمة الفساد، وذلك بناء على ما توفر من أدلة وبراهين إضافة لإفادات الشهود، والإفراج تباعاً عمن تمت التسوية معهم بعد إقرارهم بما نسب إليهم من تهم فساد.

 

كما تم التحفظ على 56 شخصا ممن رفض النائب العام التسوية معهم لوجود قضايا جنائية أخرى، وذلك لاستكمال إجراءات التحقيق وفقا لما يقضي به النظام.