حروف ثائرة

محمد البهنساوي يكتب: لولا يناير

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

8 سنوات مرت على ثورة يناير.. واليوم لا نناقش هل كانت ثورة أم مؤامرة.. ولن ندخل في دوامة الخيانة والتخوين.. لكن نرصد فقط أين أصبحنا بعد هذه السنوات الثماني.


وحتى ندرك أين نقف.. لابد أولا أن نجيب على تساؤل مهم.. هل كانت ثورة يناير ضرورة؟..الكثيرون سيلعنونها ويقولون إنها جلبت الخراب على مصر وإعادتها للوراء سنوات وقرونا.. والعجيب أن هؤلاء يؤكدون أنهم مؤيدون للرئيس عبد الفتاح السيسي.. لكنهم يؤكدون أيضا أنه لولا يناير لكانت مصر في مكان ومكانة أخرى.. وهنا موضع العجب والتعجب.. وكأنهم ينسون أو يتناسون ما كانت تقاد إليه مصر من مصير محتوم.. ولكانوا عندها يهتفون بحياة الرئيس الشاب النابغة جمال مبارك !!


هل كان هناك شك في أن الأرض كانت تمهد للوريث ورجاله.. وهل كان هناك إبعاد لكافة الأطياف عن المشهد السياسي.. ليس الإخوان فقط إنما كل من لا ينتمي للحزب الوطني ويأتمر بأوامر لجنة سياسته.. ولا ينصاع مؤيدا بإشارة أو إيماءة من الرجل «الحديدي» وقتها «مهندس» المسرحية السياسية التي كانت تنتظر مشهدها الأخير بإسدال الستار على حكم مبارك.. وهل كان برلمان 2010 إلا دليلا على هذا وديكور المشهد الأخير لهذا الفصل من المسرحية.. ليبدأ فصل جديد بتولي جمال مقاليد البلاد.. بطل هذا الفصل الحزب الوطني بثوبه الجديد الذي كان يحاك بالترزية الجدد العصريين القابعين بأمانة سياسته بعد إبعاد جميع صقور الحزب.. ويظهر معهم ليكتمل المشهد من يجيدون ويقنعون بأدوار الكومبارس وأولهم الإخوان المتأسلمون.. الذين ما إن تولوا دور البطولة الذي لا يجيدونه بكل تأكيد بل وسرقوه خلسة حتى سقطوا سقوطا ذريعًا وكادوا يهوون بمصر في واد سحيق.

 

الآن فلنعيد النظر ليناير بصورة أشمل وأعمق.. نظرة تتذكر ما قبلها.. وترصد أحداثها.. وتحملق فيما تبعها وقادتنا إليه.. وتتعظ من موجتها التصحيحية الثانية في 30 يونيو.. لنتأكد بلا شك أن هناك بطلين حقيقيين مخلصين في المشهد برمته.. أولهما الذي تحول من ضحية جاهزة للذبح إلى بطل عملاق وهو شعب مصر العظيم العاشق لثراها.. الذي هب لإنقاذها مرتين.. والثاني اعتدناه في كل المواقف بطلا مغوارا لا يهاب في حب مصر أية أهوال أو عواقب.. وهو جيشنا الجسور.. فما إن آفاق الشعب من سباته وبدأ التحرك.. حتى انحاز إليه جيشه بلا تردد.. فحتى قبل أن يدرك أحد حجم ونتيجة هذا التحرك أعلن المجلس العسكري وقتها مساندته لتحركات الشعب.. حاملين جميعا رؤوسهم على أيديهم وفى مقدمتهم الوطني الذي سيقف التاريخ كثيرا أمام عطائه لبلده وهو المشير حسين طنطاوي.. هذا الموقف غير مجرى الأمور كلها لينتهي بإسدال الستار وبلا رجعة على مسرحية التوريث.. وعندما اختطف الإخوان الثورة وقفزوا في خلسة من الشعب والزمن على الحكم.. وبدأ سيناريو أخر لمسرحية أشد خطرا أحيكت أحداثها ما بين المقطم والدوحة وأنقرة وواشنطن.. وبدأ تسارع الأحداث لخطف مصر بلا عودة.. تحرك الشعب من جديد وسانده كالمعتاد جيشه لينقذ مصر للمرة الثانية خلال شهور وبقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي.. اختلفت القيادة.. لكن العقيدة ثابتة والتضحية راسخة.


فأنا من المؤمنين بأن مصر قبل ثورة يناير مباشرة كانت تتأهب لتصبح نمرا اقتصاديا.. لكني مؤمن أيضا أنها لم تكن كذلك في باقي المجالات فسياسيا كنا نتراجع وتتراجع مكانتنا بنفس سرعة تقدم اقتصادنا.. واجتماعياً كانت الطبقات المتوسطة تتآكل.. وخدماتها لا تتحسن.. وتزداد الطبقية وتتسع الفوارق الاجتماعية.


الآن.. لننظر أين نحن.. ونتلفت حولنا لنجد مشهدا مغايرا تماما.. فاقتصاديا مصر وبحق جاهزة لتصبح النمر الاقتصادي الأول عالميا.. وسياسيا تتسارع الدول للتقارب معنا بعد استعادة مكانتنا.. واجتماعياً من ينظر للمشروعات غير المسبوقة على أرض مصر  «وسنتناولها بالتفصيل في مقال قادم» يدرك ما يقدم للطبقة المتوسطة وما دونها صحيا وتعليميا وثقافيا وفي كل المجالات رغم يقيننا بما تعانيه وتكابده تلك الطبقة من ظروف صعبة هى دواء مر لداء استفحل وحان وقت علاجه الناجع.


أخيرا فأنا مؤمن انه لولا يناير حتى بكل سلبياتها لما تخلصنا من التوريث ولا كشفنا زيف ودموية الإخوان ولما وصلنا لما نحن فيه.

مؤمن تمامًا أنه لولا ما زرعته يناير ما وصلنا لما نحصده مع السيسي.