حوار| وزير العدل الأسبق: أموال مبارك «وراء البحر».. وتمسكت بمثوله أمام قضاء مدني

حوار وزير العدل الأسبق_ تصوير: عصام عبد المنعم
حوار وزير العدل الأسبق_ تصوير: عصام عبد المنعم

منظمات أهلية تلقت أموالاً لكتابة تقارير تحرض على العنف بعد 25 يناير
تمسكت بمثول مبارك أمام قضاء مدنى بعد تهديد الخضيرى بقتله
تقدمت باستقالتى للدكتور عصام شرف فطلب منى كتابة استقالة الحكومة كلها
رفضنا عودة القضاة المفصولين قبل 25 يناير لثبوت سلامة القرار

فى 10 يناير عام 1950 بدأ المستشار محمد عبد العزيز الجندى أولى خطواته فى السلك القضائى وشغل عدة مناصب مهمة، كان من بينها تعيينه نائبًا عامًا فى أغسطس عام 1985 ووزيرًا للعدل فى مارس 2011 بعد ثورة 25 يناير. كواليس الحوار مع رجل يحمل خزائن أخطر مراحل مرت بها مصر، والتى أعقبت مقتل الرئيس السادات فى الثمانينات، وكذلك المرحلة المهمة التى أعقبت ثورة 25 يناير، كانت تحمل صعوبات، بسبب عدم رغبة المستشار عبد العزيز الجندى فى العودة إلى المشهد مرة أخرى وأراد الاكتفاء بما سرده فى كتابه «لمحات من حياتى»، إلا أن ثقته فى صحيفة «الأخبار»، كانت دافعًا أكبر لقبول إجراء الحوار، والتطرق خلاله إلى جزء من كواليس المرحلتين، مع التحفظ على الكثير من الأسئلة التى كانت تحمل جزءًا أكبر من خزائن أسراره.. بمجرد أن وافق وزير العدل الأسبق على إجراء الحوار، توجهنا إلى الإسكندرية حيث وصلنا إلى المنزل فى الثانية ظهرًا، والتقينا بالمستشار عبد العزيز الجندى الذى تحامل على نفسه رغم مرضه، وقرر إجراء الحوار معنا، وكانت كلمته الشهير لنا «أنا لا أقطع وعدًا لأحد.. أهلًا بكم فى الإسكندرية.

 قبل تولى المستشار محمد عبد العزيز الجندى وزارة العدل فى مارس 2011 وعند ترشيح اسمه للوزارة، هب المسيطرون على ميدان التحرير وقتها ـ وبالتحديد المستشاران أحمد مكى ومحمود الخضيرى ـ واتهموه، بأنه شخصية شارفت على الموت.

 وهو ما دفعنا لسؤاله عن كواليس توليه وزارة العدل وسط رفض من ميدان التحرير؟
- رفضت تولى وزارة العدل عندما تم عرضها علىّ، حيث كانت أقصى أحلامى أن أكون نائبًا عامًا لمصر وهو منصب بدرجة وزير، لكن عندما اتصل بى الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق مرة أخرى، وأكد أن القضاة هم من اختارونى لأكون وزيرًا للعدل، وأن مصر بحاجة إلىّ فى هذا المنصب وهذه المرحلة.. لم أتردد، وتوجهت فى اليوم الثانى وقمت بحلف اليمين ضمن حكومة عصام شرف.

 لكن هناك من كان يرفضك بميدان التحرير.. ويعتبر أن الثورة قام بها شباب.. وأنت قاض متقاعد منذ أكثر من 20 عامًا؟
- بالفعل كان تجاوزى سن الـ 83 عامًا من أسباب رفضى تولى وزارة العدل ورفض البعض كذلك، لكن كانت هناك وجهة نظر من القائمين على الحكم وقتها، أنهم فى حاجة إلى شخص مطلع بالتشريعات ولديه دراية بالقوانين، بجانب أننى كنت نائبًا عامًا لمصر فى بداية الثمانينات.. وفيما يتعلق بميدان التحرير كان لدىّ طريقتى التى أتعامل بها مع المتواجدين فيه.

وأعتقد أنه رغم أن المستشار محمود الخضيرى انتقدنى وطالب عند تولى الوزارة أن أعود إلى دار المسنين أو المسجد الذى أتيت منه، إلا أنه قبل ذلك كان «بيبوس إيدى» كلما قابلنى، ويمدحنى ويعتبرنى أفضل نائب عام جاء لمصر.

 أدركنا من هذه الإجابة أن هناك كواليس بين وزارة العدل وميدان التحرير وقتها.. فبادرت بسؤال المستشار الجندى.. عن أى طريقة تعامل اتبعتها مع ميدان التحرير؟
- اقتنعت أن هناك أجندة يتم رسمها لنا من المتواجدين بميدان التحرير، وأن أفضل شيء لوقفها، هو تحجيم العمليات التخريبية وإعادة هيبة الدولة مرة أخرى.. حيث كان الوزراء ممنوعين من دخول وزاراتهم بسبب المظاهرات الفئوية، لذلك فكرت فى إعادة قانون البلطجة الذى أعددته، عندما كنت نائبًا عامًا ورئيسًا للجنة الشئون القانونية بوزارة العدل وقت رئاسة المستشار فاروق سيف النصر الوزارة فى الثمانينات.. وأتذكر أنه خلال هذه المرحلة بدأنا فى إعداد قانون جديد للإجراءات الجنائية بعد وفاة عامل أمام ملهى بشارع كورنيش النيل، وتبين أن أحد «البودى جاردات» هو المسئول عن ذلك، حيث كانت قد انتشرت ظاهرة الحارس الشخصى، وبالفعل أعددنا القانون وجرمنا أعمال البلطجة والتجمهر إلا أن الوزير سيف النصر رفض عرضه على البرلمان، بحجة أن نصفه من العمال والفلاحين، وأنه بحاجة إلى علماء وخبراء قانون لمناقشته.

وبعد تولى وزارة العدل، تواصلت مع المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى، وأخبرته أننا فى حاجة إلى قانون يواجه كل صور البلطجة.. وأخبرنى أنه فى انتظار القانون.. وبالفعل أعددت نفس مواد قانون البلطجة الذى لم يخرج للنور فى الثمانينات، وقدمته للمجلس العسكرى الذى أقره، ووضعت بداخل القانون مادة تتيح للجيش آلية التطبيق، وحقيقة كانت المحاكم العسكرية ناجحة وبقوة فى تطبيق القانون وصدرت أحكام بالحبس لكل من شارك فى ترويع المواطنين، وبدأت نعمة الاستقرار تعود إلى البلاد مرة أخرى، كما أعددت قوانين تجريم التحرش والفعل الفاضح وكان الغرض الحد من هذه الظواهر التى شاعت بين الشباب بعد الثورة.

 لكن لم تكن هناك قرارات ملموسة بشأن الحفاظ على المال العام؟
- بالعكس لجنة فض منازعات الاستثمار التى كنت عضوًا فيها وكان يترأسها الدكتور عصام شرف، نجحت فى إجبار رجل أعمال عربى على التنازل عن 75 ألف فدان من إجمالى 100 ألف فدان حصل عليها، بعد حل النزاع بينه وبين وزارة الزراعة، حيث كان التعاقد ينص على أن تتحمل الدولة الالتزام بتوريد المياه وتوفير مصادرها، ومدها بالكهرباء، فضلًا عن انخفاض ثمن الأرض.

محاكمة مبارك
 محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك كانت الأولى لرئيس جمهورية يحاكم أمام الشعب فى محاكمة يشاهدها العالم.. ما هى كواليس هذه المحاكمة خاصة أنك كنت وزير العدل وقتها؟
- قرار محاكمة مبارك، كان يجب اتخاذه فى هذه الفترة رغم محاولات البعض استبعاد محاكمته بزعم مرضه، وكبر سنه، وكنت أرفض هذه النغمة، وقلت إن المرض وكبر السن لا يمنعان المتهم من المحاكمة إلا أن ما كان يفعله المستشار محمود الخضيرى وغيره من المتظاهرين فى ميدان التحرير من ما يسمى«محاكمات ثورية»، والتهديد بالتوجه إلى شرم الشيخ لإحضار الرئيس مبارك ومحاكمته فى القاهرة، كان أمرًا يجب الوقوف ضده، حيث اعتبرتها رسالة تحريضية لاغتيال مبارك.. وقلت لهم لن أسمح أن يُحاكم شخص بغير الطريق القانونى، وصممت على أن تتم محاكمة مبارك أمام القضاء المدنى، وأن يأخذ حقه القانونى فى المرافعة وإبداء الدفوع.. لذلك طلبت من النائب العام بشكل ودى إحضار الرئيس الأسبق من شرم الشيخ ومحاكمته فى مصر.

لكن ألم تخش على مبارك عند حضوره القاهرة من المتظاهرين بميدان التحرير؟
- كان هناك تحدٍ كبير أمام وزارة العدل فى البحث عن مكان آمن لمحاكمة مبارك بعد موافقة النائب العام على محاكمته بالقاهرة.. وواجهت خلال هذه الفترة تحديًا فى اختيار مكان محاكمة الرئيس الأسبق مبارك، واقترحت فى البداية أن تتم المحاكمة فى دار القضاء العالى، إلا أن الرفض كان سريعًا بسبب كثرة المظاهرات التى كانت تحاصر دار القضاء العالى، لذلك قررت البحث عن مكان آمن لمحاكمة مبارك، وكانت البداية بأرض المعارض بمدينة نصر، إلا أنه بعد معاينة المكان، تم رفضه لأنه مرمى لأى عابر على كوبرى الفنجرى، وإنها معرضة لإلقاء أى شخص قنبلة من أعلى الكوبرى، قد تودى بحياة مبارك وقضاة المحكمة، فاتصلت باللواء منصور عيسوى وزير الداخلية وقتها، وطلبت منه الاتصال بمدير أكاديمية الشرطة لتوفير قاعة لمحاكمة مبارك، وبالفعل، وافق مدير الأكاديمية، وأرسلت مدير المحاكم إلى الأكاديمية لمعاينة القاعة.. وطلبت من شركة المقاولون العرب تجهيز القاعة للمحاكمة، وكانت التكلفة 6 ملايين جنيه، وبالفعل اتصلت بالدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، وطلبت منه 6 ملايين جنيه وأرسلها على الفور وبدأنا فى تجهيز القاعة.

 وماذا عن اختيار قاضى المحاكمة؟
- اختيار قاض لمحاكمة مبارك لم يكن أمرًا سهلًا، كان أمامنا تحدٍ فى البحث عن قاضٍ مشهود له بالنزاهة والشدة من أجل ضبط القاعة.. وأنا لم أتدخل نهائيًا فى اختيار قاضى المحاكمة، فقد طلبت من محكمة الاستئناف اختيار هيئة محكمة بالمواصفات التى اتفقنا عليها، وبالفعل فاجأونى باختيار المستشار أحمد رفعت الذى لم ألتق به نهائيا، حيث نجح فى إدارة المحاكمة، وسهل له مبارك الأمر بعد انصياعه لقرارات المحكمة.

ومن اتخذ قرار إذاعة المحاكمة على وسائل الإعلام؟
- توجهت بصحبة الدكتور عصام شرف إلى المستشار حسام الغريانى رئيس مجلس القضاء الأعلى وقتها، وطلبت منه إذاعة جلسات المحاكمة ليشاهدها العالم، وبالفعل استجاب، واتفقنا على دخول كاميرات التليفزيون المصرى فقط، على أن تتولى هى فقط التحكم ببثه وإذاعته للعالم.

 كان لك رأى بشأن التهم الموجهة لمبارك وقتها.. ما هو؟
- قلت لو أدين مبارك بقتل المتظاهرين فسيكون مصيره الإعدام، أما غير ذلك فقد يكون السجن أو البراءة.. وهذا أمر منطقى، فلم أطلع على الأدلة حتى أجزم بإعدام أو إدانة مبارك.

 لكن ماذا عن أمواله؟
- بعد تولى منصب وزير العدل شكلت لجنة «حريفة» برئاسة المستشار عاصم الجوهرى رئيس جهاز الكسب غير المشروع وقتها، وتوجهت اللجنة إلى عدد من الدول لمعرفة مصير أموال مبارك المهربة، وانتهى تقرير اللجنة، إلى أن مبارك هرب أمواله عبر إحدى شركات تهريب الأموال فى الخارج، وأن تتبعها سيكون صعباً جدا، لأنه تم تهريبها إلى دول أو جزر لا توجد بها قوانين أو اتفاقيات دولية، والمعروفة بجزر ما وراء البحر والمحيطات.

لكن المفاجأة كانت عندما تحدث مبارك فى فيديو عبر قناة العربية، وقال إنه لا يمتلك مليمًا خارج مصر، ففوجئت فى اليوم الثانى بزيارة وفد سويسرى إلى مكتبى بوزارة العدل، وأخبرونى أنهم جمدوا ما يزيد على 400 مليون فرنك للرئيس الأسبق مبارك بعد تخليه عن الحكم.

استقلال القضاء
شهدت الفترة التى تولى فيها المستشار الجندى وزارة العدل والتى امتدت من مارس إلى ديسمبر 2011، انقسامات داخل القضاء،.. وهو ما دفعنا إلى سؤال المستشار الجندى.. كيف استطعت الحفاظ على استقلال القضاء وسط ميدان ثائر يطالب بالتطهير وانقسامات وتجاوزات؟
- أجاب بنبرة هادئة، أنا قاضٍ، ودائمًا ما كنت أدافع عن استقلال القضاء ولم أسمح لأحد بالتدخل فى عمل السلطة القضائية، وكل من كان يتجاوز من القضاة تتم إحالته لمجالس تأديب، وهذا ما حدث مع عدد من القضاة الذين تحدثوا فى وسائل الإعلام وقت الثورة، أو شاركوا فى السياسة، كنت لا أستثنى أى مخالف.

وفيما يتعلق بميدان التحرير، لم أنظر إلى أى مطالب داخل الميدان تتعلق بالقضاء، فنغمة تطهير القضاء لم أكن أسمح بها، لأن القضاء يُطهر نفسه بنفسه، ولسنا بحاجة إلى وصاية من أحد.

لكن بعضهم كان يطالب بنقل تبعية التفتيش القضائى من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى؟
- هذا الطلب كنت متحمسًا له، وخاطبت المجلس الأعلى للقضاء وكان مجلس المستشار حسام الغريانى وما سبقه، وقلت لهم مستعدون لنقل تبعية التفتيش القضائى لكم وأعلنت ذلك.. لكن الإجابة كانت صادمة، ردوا «ماعندناش أماكن تسع العاملين بالتفتيش القضائى.. نعتذر عن ذلك» وتضمن الرد أنه يجب تعديل قانون السلطة القضائية أولا، وطلبت منهم إجراء أى تعديل يتيح استقلال السلطة القضائية، لكن لم يستجب أحد.

هناك قضاة اعتصموا أمام وزارة العدل وطالبوا بالعودة إلى القضاء مرة أخرى، وأنهم تعرضوا للظلم وقت حكم مبارك؟
- كانت من أخطر القضايا التى صادفتنى بمجرد أن بدأت عملي في وزارة العدل، وجدت مجموعة لا تقل عن 100 عضو من أعضاء الهيئات القضائية المفصولين تأديبًيا، يحضرون لمقابلتى وطالبونى بإعادتهم لوظائفهم، وحاولت أن أقنعهم أننى لا أملك كوزير العدل أن أعيدهم إلى وظائفهم بعد صدور أحكام بفصلهم تأديبيًا، واستنفاد إجراءات الطعن، وإن قرار عودتهم بيد المجلس الأعلى للقضاء، لكنهم أصروا على طلبهم، وقاموا بالإعتصام أمام الوزارة، ولم تفلح محاولات إقناعهم، وبعد محاولات قررت الاحتكام إلى تشكيل دائرتين من أقدم نواب رئيس محكمة النقض، وطلبت منهم دراسة ملفات القضاة المفصولين، وإبداء الرأى فى طلباتهم، وباشرت الدائرتان عملهما، وانتهت إلى عدم أحقية أى من هؤلاء القضاة المفصولين للعودة إلى مناصبهم، وأنهم جميعًا فُصلوا بإجراءات قانونية سليمة.

التمويل الأجنبى
تترأس أكثر من جمعية أهلية فى مجال البيئة وتنمية المجتمع، رغم أنك كنت صاحب الفضل الأكبر فى كشف سبوبة العمل الأهلى فى مصر والدعم الذى يتلقونه من الخارج لإثارة الفوضى؟

- أجاب: يجب أن تفرق بين هذا وذاك، دخولى للعمل الأهلى كان صدفة بحتة، وكان ذلك فى منتصف الثمانينات، عندما توليت منصب النائب العام، حيث حضر إلى مكتبى بدار القضاء العالى مستر إدوارد لانت، مدير مركز اليونيسيف بمصر وبرفقته مايسة أحمد مسئول حقوق الطفل باليونيسيف، ودعونى إلى المشاركة فى مؤتمر عالمى تنظمه اليونيسيف بمصر لمناقشة القراءة الثانية لاتفاقية حقوق الطفل التى تعدها الأمم المتحدة.

وأخبرونى أن لجنة المؤتمر مُشكلة من 4 أعضاء، كنت أحدهم وكان يحضر المؤتمر سوزان مبارك قرينة الرئيس الأسبق بصفتها رئيس المجلس القومى للأمومة والطفولة، وزوجتا الرئيسين الفرنسى ميتران والزيمبابوى.. ووافقت على الحضور.. وأعددت ورقة ذكرت فيها أن حقوق الاتفاقية غير مكتملة، حيث سبقتها الشريعة الإسلامية فى أمرين مهمين، فقد نصت الاتفاقية على حق الطفل بمجرد ولادته، لكن الشريعة الإسلامية نصت على أن الطفل يورث وهو فى بطن أمه والمعروف بتوريث «الحمل المستكن» وهذا النص لا يوجد فى اتفاقية بالعالم، كما أن الاتفاقية يجب أن تشمل توصيتين، الأولى بإلزام الأب بحسن اختيار أم الطفل، فعائلة الأم يجب أن تكون مُشرفة والثانية توصية بإلزام بحسن اختيار اسم الطفل، فكنا نلاحظ أن هناك أسماء لأطفال مثل الجاهل والحمار.. وهذه الأسماء تؤثر نفسيًا على الطفل وتحتقره بين أهله ومجتمعه، وبالفعل خرج المؤتمر بتوصيات كثيرة وتم إقرار الاتفاقية بالأمم المتحدة، وبعدها كلفنى المجلس القومى للطفولة بإعداد قانون مصرى لحقوق الطفل يُترجم أحكام الاتفاقية.. وقمت بإعداد القانون مدعمًا بأحكام الشريعة الإسلامية.

 كانت قضية التمويل الأجنبى من أخطر الملفات التى عملت عليها عندما كنت وزيرًا للعدل، ما هى كواليس هذه القضية؟
- عندما توليت وزارة العدل ومع اتساع أعمال الفوضى، تلقيت بلاغًا من الدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولى عن وجود مكاتب أجنبية، تعمل بدون الحصول على ترخيص بالعمل فى مصر، وتقوم بتمويل منظمات أهلية بعضها مُشهر قانونًا وبعضها غير مُشهر، وتقوم بإرسال ما تحصل عليه من تقارير إلى دول أجنبية بما تتضمنه من معلومات.. وبالفعل بعد هذا البلاغ الخطير، قمت بندب اثنين من مستشارى الاستئناف للتحقيق فى هذا البلاغ، وتم تفتيش مكاتب المنظمات الأجنبية حيث تم العثور على مستندات مهمة تتعلق بتلقى هذه المنظمات أموالًا لكتابة تقارير تحرض على العنف.

لكن رغم مواقفك لم تبق فى وزارة العدل سوى 10 أشهر فقط.. لماذا؟
- الأمر الذى لا يعرفه الكثيرون، أننى تقدمت باستقالتى من منصبى، وقدمتها للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء.. وفوجئت به يطلب منى كتابة استقالة جماعية لحكومته.. وأعتقد سبب الاستقالة لا يعلمه حتى الآن سوى الموقعين عليها فقط.

 كنت نائبًا عامًا فى بداية الثمانينات.. كيف كانت العلاقة بين مبارك والسلطة القضائية؟
- مبارك لم يتدخل إطلاقا فى عملى عندما كنت نائبًا عامًا فى الفترة من 1985 إلى 1988، والأمر الوحيد الذى طلبه منى كان الاطلاع على أسماء ضباط الشرطة المتهمين بتعذيب أفراد تنظيم الجهاد للعلم فقط، وطلبت منه عدم اتخاذ أى قرار بشأنهم ووعدنى بذلك، كما أن مبارك وقف معى فى قضايا اتهام رفعت المحجوب رئيس مجلس النواب بالتوسط فى إرساء مناقصة إنشاء مبنى جديد لقصر العينى على شركة بعينها.. الرئيس الأسبق كان يعلم أننى شخصية صارمة لا تقبل التدخل فى عملها وأنفذ ما أعتقد به، وهو أمر جعله يتردد كثيرًا فى الموافقة على تعيينى نائبًا عامًا ضمن 3 مرشحين للمنصب وقتها.

 معنى ذلك أنه كانت هناك كواليس عند تعيينك نائبًا عامًا لمصر؟
- ليست كواليس بالمعنى المعروف، لكن الرئيس مبارك طلب من وزير العدل وقتها إبلاغى أنه يريد مقابلتى دون التقيد بتعيينى، وكان ردى على ذلك أن طلبت من الوزير أن يُبلغ رئيس الجمهورية أننى على استعداد لهذه المقابلة دون الالتزام بقبول الوظيفة، وفوجئت بوزير العدل يخبرنى أنه تم تحديد موعد لمقابلة مبارك فى قصر رأس التين بالإسكندرية، والتقينا بمبارك فى القصر، وكان هدف الرئيس الأسبق من المقابلة هو معرفة كيف أفكر؟، ماذا يدور فى عقلى؟، خاصة وأنه علم من التحريات أننى شخصية صارمة طوال عملى فى القضاء.

وخلال المقابلة أكدت لمبارك أن منصب النائب العام مستقل ويتمتع بالحصانة القضائية الكاملة، وكان رد مبارك.. لكن هناك ملاءمات يجب أن يراعيها، فأخبرته أن هذه الملاءمات متروكة للنائب العام، وأتذكر أن المقابلة امتدت لساعتين، وفوجئت أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك يطلب منى التجهيز لحلف اليمين بعد دقائق.

وهل هناك قضايا حقق فيها المستشار الجندى مازالت فى ذاكرته حتى الآن؟
- من أهم القضايا التى حققت فيها خلال عملى بالنيابة، كان استشكال تنفيذ حكم الإعدام الذى صدر فى القضية الشهيرة بـ«سفاح كرموز» بالإسكندرية.. والتى حقق فيها الزميل مصطفى عبد الوهاب ونسب فيها للمتهم سعد اسكندر عبد المسيح قتل 7 أفراد وسرقة أموالهم.. حيث حاول المتهم إلصاق التهمة بآخر، وزعم أن مرتكب هذه الجرائم هو حسبو عبد النبى.. وقمت بالتحقيق فى القضية، وأثبت أن المتهم هو سعد اسكندر وليس حسبو عبد النبى.

جائزة الدولة للعلوم الاجتماعية
 ما شعورك بعد منحك جائزة الدولة للعلوم الاجتماعية من وزارة الثقافة بعد تجاوزك الـ 90 عامًا؟

- حقيقة لم يكن فى بالى أن تتوج مسيرة عملى وقد تجاوزت الـ 90 عامًا، بحصولى على جائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية.. ولكن الفضل يعود لمجلس إدارة المجمع العلمى الذى بادر بترشيحى العام قبل الماضى، حيث لم يكن لى نصيب فيها، وحصلت عليها بعدها بعام بأغلبية من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة.