الأخبار تعيش رحلة النجاة من فيروس «سي»

ملف خاص| عودة الحياة لأكباد المصريين

مبادرة الرئيس للقضاء على فيروس سي
مبادرة الرئيس للقضاء على فيروس سي

قبل 3 سنوات، كانت رحلة علاج المصابين بفيروس سي تستغرق عدة سنوات دون شفائهم، من ذلك الوباء الذي يهاجم الملايين من أكباد المصريين، فأدي إلي وفاة آلاف لعدم توافر العلاج، فكان المصابون يعيشون مع آلام المرض سنوات.

 

علي عكس الواقع الحالي بعد أن أصبحت رحلة علاج المريض بالفيروس تستغرق10 أيام ربما تزيد علي 15 يومًا حسب حالته للكشف وإجراء التحاليل اللازمة واستلام العلاج، وثلاثة أشهر للشفاء نهائيا من الفيروس.

 

في أكبر مسح طبي أطلقته مصر ضمن مبادرة الرئيس للقضاء علي فيروس سي والكشف عن الأمراض غير السارية يستهدف 75 مليون مواطن، بنهاية أبريل المقبل.

 

تتكفل الدولة بإجراء الفحص مجانًا، وإجراء التحاليل الطبية وتقديم العلاج للمصابين بفيروس سي أو المتعايشين مع مرضي السكر والضغط مجانًا دون أي تكلفة تقع علي المريض، في الوقت الذي تعد الدولة حملة صحتنا في أسلوب حياتنا للقضاء علي أمراض السمنة، المصاب بها 75% ممن تم فحصهم منذ بدء المبادرة وهم 26.3 مليون مواطن.

 

تعيش «الأخبار»‬ في هذا الملف رحلة علاج المصابين بفيروس سي والأمراض غير السارية.

 

مبادرة الرئيس تنقذ رمضان من مصير والده


يمر بـ5 مراحل للشفاء في 10 أيام فقط.. ويتخلص من الفيروس في 3أشهر..ويشكر الرئيس

 

عقب 5 سنوات من انتهاء رحلة علاج والده المصاب بفيروس سي بالوفاة، بدأ رمضان علي رحلة جديدة بعد أن اكتشف اصابته بالفيروس بعد إجراء الفحص في مبادرة 100 مليون صحة، لكن شتان ما بين الرحلتين.


الرحلة الأولي عاشها الأب بعد إصابته بتليف الكبد كأحد مضاعفات الفيروس الذي لم يكتشفه مبكرًا، فبدأ رحلة العلاج متأخرًا لكن الموت كان الأقرب إليه، أما الرحلة الثانية التي كانت »‬الأخبار» شاهدًا عليها، بطلها الابن الذي كشفت مبادرة الرئيس للقضاء علي فيروس سي إصابته ليبدأ رحلة علاج تستمر 3 أشهر، بإجراء التحاليل والأشعة واستلام أولي جرعات الدواء من معهد ناصر للبحوث والدواء.


منذ أسبوعين جمع رمضان أفراد أسرته المكونة من 6 أفراد هم والدته وشقيقه وأخواته الأربعة وتوجه إلي إحدي وحدات المسح القريبة من منزله بمنطقة الزاوية الحمراء، فأجروا المسح الطبي، وكانت المفاجأة بإصابته بفيروس سي، ليسترجع مع أسرته مأساة والده قبل 5 سنوات، لكن طمأنة الأطباء للشاب العشريني خففت من وقع الصدمة عليه بعض الشئ.


خيم الصمت علي الحاضرين دقائق معدودة، كل منهم شارد فيما حدث سابقًا، كسر حدة الصمت الابن المصاب قائلًا »‬ لم نكن نعلم بإصابة والدي وقتها، حيث لم تظهر عليه أية أعراض للفيروس، لكن في أيامه الأخيرة بدأت بطنه تنتفخ وعاني آلاما شديدة نتيجة تليف الكبد، فتوجه للبدء في العلاج علي نفقة التأمين الصحي لكن توفاه الله بعد أيام قليلة لسوء حالته».


بداية الرحلة


أرق وتوتر عاشه الشاب الذي يعمل «‬صنايعي دوكو» سيارات طوال ليلته ليتوجه صباح اليوم التالي إلي معهد ناصر، لبدء رحلة العلاج، فور وصوله وقف العشريني أمام شباك الاستعلامات لتتلقي منه الموظفة الكارت الصحي وبطاقة الرقم القومي وبدأت في إدخال بياناته علي »‬السيستم» الإلكتروني، وأعطته رقما للدخول إلي العيادة 1.


طوال نصف ساعة انتظرها أمام العيادة بدت علي ملامح الشاب التوتر والحزن، ليقطع توتره مناداة الممرضة علي رقمه، لاحظ د. صلاح جاد مدير وحدة الفيروسات الكبدية بالمعهد علامات التوتر علي وجه المريض، فطمأنه «‬ان اصابته بالفيروس مثل دور البرد، وسيتعالج منه خلال 3 اشهر دون اثار جانبية»، وسلمه 3 جوابات تحويل مختومة من المعهد الأول لإجراء تحليل الـP»‬ک في معمل المعهد بالدور الثاني، والاخر لإجراء 13 تحليلًا هي (صورة دم كاملة، وظائف كبد، وظائف كلي، دلالات اورام الكبد، كرياتين، دلالات فيروس بي، سكر، رسم قلب) بأحد المعامل الخارجية المتعاقد معه المعهد دون أن يدفع شيئًا، والثالث لإجراء أشعة صوتية علي البطن بأحد المراكز الخارجية علي نفقة الدولة.


صعد رمضان علي إلي الطابق الثاني، وأجري التحليل الـP»‬ک في معمل المعهد، وغادر المعهد متجهًا إلي منزله، فأجري الـ13 تحليلا والاشعة المطلوبة منه في أحد المعامل وهو في طريقه إلي منطقة الزاوية.


بعد 10 أيام حضر المريض إلي المعهد يحمل نتائج التحاليل والأشعة التي أجراها في الخارج، صعد مثقل الخطوات إلي الطابق الثاني، تسلم نتيجة تحليل الـP»‬کالتي جاءت إيجابية، ثم نزل درجات السلم إلي وحدة الفيروسات الكبدية بالمعهد، في الثالثة والنصف مساءً، وقف أمام شباك الاستعلامات سلم الموظفة نتائج التحاليل، أدخلتها علي »‬السيستم» بعد مراجعتها، أعطته رقما للدخول به إلي عيادة 2، ثم جلس ينتظر دوره علي المقاعد.


صمت الشاب لأكثر من 20 دقيقة ينتظر دوره، يفكر في إصابته بالفيروس، في الوقت الذي يمر رئيس وحدة الفيروسات لإزالة أي عقبات تقابل المرضي، سألنا: هل سيكون مصيري مثل والدي، أم هناك فرصة للشفاء؟ فطمأناه بأن 97% من المصابين بالفيروس يتماثلون للشفاء في غضون 3 أشهر، ثم عاد لوجومه ثانية، إلي أن حان وقت دخول المريض إلي العيادة 2 الخاصة بالتقييم.


سلم رمضان علي، نتائج التحاليل والكارت الصحي إلي الموظفة التي تجلس بجوار الطبيبة في عيادة 2، وجلس علي المقعد أمامها، تفحصت د.عزة حمدي نتائج التحاليل والأشعة وبدأت في فتح ملف طبي للمريض يتضمن تاريخه المرضي وأبلغته أنه مصاب بفيروس سي وحالته طبيعية وليست متقدمة ونتائج باقي التحاليل جيدة.


ممنوع الحمل


وجهت الطبيبة عدة أسئلة للمريض فبادرته بهل مصاب بأحد الأمراض المزمنة مثل السكر أو الضغط فأجاب بالنفي، فسألته هل اجري عمليات زرع قبل ذلك أو غسيل كلوي أو تناول أدوية لعلاج أي فيروسات وحدثت له انتكاسة، فأجاب بـلا.لاحظت حزن المريض فطمأنته بأن المصاب بالفيروس يشفي بعد 3 أشهر من تناول العلاج، ولم يعد الأمر مستحيلًا كما كان سابقًا.


ونصحت المريض بفصل أدواته الشخصية عن باقي أفراد الأسرة واستخدام أدواته الخاصة، وعدم الاكثار من تناول الدهون، والالتزام بمواعيد الدواء يوميًا، واذا كانت زوجته مصابة بالفيروس عليها ألا تحمل طوال فترة تناول العلاج، وبعد 6 أشهر من الانتهاء من »‬كورس» العلاج.


انهت الطبيبة شكوك المريض بانتقال الفيروس عن طريق الوراثة قائلة إن فيروس سي لا ينتقل بالوراثة بل ينتقل للمريض عن طريق نقل الدم وادوية الوريد والأدوات الملوثة داخل عيادات الأسنان واستخدام الأدوات الخاصة بالغير مثل فرش الأسنان، والأدوات بمحلات »‬الحلاقين»، وسط حرص منه علي الاستماع إلي هذه النصائح.


كتبت الطبيبة للمريض روشتة العلاج بها دواءان هما سوفوسبوفير وداكلاتا سفير، يتسلمهما من صيدلية المعهد بالمجان، تكفي المريض لمدة شهر، وموعد للحضور بعد هذا الشهر، ومعه نتائج تحليل جديد لوظائف كبد وصورة دم، لاستلام جرعة العلاج الثانية، وبعدها بشهر يتسلم الجرعة الثالثة لينهي رحلة علاجه.


صرف العلاج


خرج مسرعًا من العيادة، بدت علي وجهه علامات الطمأنينة، توجه إلي الصيدلية لاستلام العلاج، تسلمت منه د. مني فتحي طبيبة صيدلانية الروشتة، صرفت له عبوتي دواء، سألته هل يتناول أدوية فقال لا، ووجهته بتناولها في السادسة والثامنة من مساء كل يوم دون الارتباط بالوجبات، والابتعاد عن تناول الدهون والمسبكات وتناول الفواكه والخضراوات..ووقع المريض علي تسلم العلاج بعد إجراء كل التحاليل والأشعة وتسلم العلاج مجانًا والتي تتكلف في الخارج حوالي 2200 جنيه.


غادر رمضان علي المعهد راجيًا الشفاء، موجهًا الشكر للرئيس السيسي لتبني المبادرة للقضاء علي الفيروس دون أن يتحمل المواطن أي أعباء، قائلًا: بالفعل رحلتي تختلف عن رحلة أبي ولو المبادرة لما كنت اكتشفت الفيروس، ولعشت رحلة أبي مع الفيروس التي انتهت بالموت.

 

تكدس في عيادات «السكري والضغط»


عبدالغني: مبادرة لم تحدث من قبل وتخدم الفقراء

 

لا يصدق محمد عبدالغني، 65 عامًا، صاحب محل أدوات كهربائية، ما يحدث في وحدات المسح وتحويل المواطن إلي عيادات بالمستشفيات لتلقي علاج الضغط والسكري مجانًا، ووصف ذلك بأنه لم يحدث من قبل.


وقف ممسكا بالكارت الصحي أمام عيادات الأمراض غير السارية بمعهد ناصر التي شهدت تكدسًا من المواطنين يتذكر انه ذهب إلي إحدي وحدات المسح وفور اكتشاف إصابته بارتفاع ضغط الدم والسكر تم تحويله لمعهد ناصر لتلقي العلاج.


بعد تسجيل بياناته في شباك الاستعلام، حصل علي رقم، وظل ينتظر دوره للدخول إلي العيادة، وفور دخوله برفقة د. ماري فيكتور نائب مدير معهد ناصر ومدير المبادرة بمعهد ناصر، جلس أمام الطبيبة، وتم تدوين بياناته وفتح ملف طبي له.


وشرحت «‬فيكتور» مراحل الكشف قائلة إنه فور دخول المريض إلي العيادة التي تشهد تكدسًا من المواطنين، يتم قياس الضغط له مرة ثانية، واذا وجد أن ضغط المريض مرتفعا يتم صرف الدواء له شهريًا علي مدار 6 أشهر، وبعدها يتم استخراج قرار العلاج علي نفقة الدولة له لمدة 6 أشهر ثم يعاد التقييم ثانية.


جلس المريض أمام طبيب العيادة، واتضح أن ضغطه مرتفع، وقام بإجراء تحليل سكري له تراكمي وعشوائي وسجل الموظف بيانات المريض علي «‬السيستم» ونتائج التحاليل الطبية.


وجهت الطبيبة إلي المريض عددا من النصائح تتعلق بتنظيم التغذية والأكل المسموح به طبقا لأوقات معينة، من أجل القضاء علي السمنة التي يعاني منها، وضبط نسبة السكر.


انتهت من نصائحها وكتبت الدواء للمريض، وانصرف متوجها للصيدلية في الجهة المقابلة، وصرف علاج الضغط والسكر. 

 

وأكدت «‬فيكتور» أن جميع الأدوية متوافرة ويتم صرف العلاج للمريض أولا، ثم استخراج قرار العلاج لاحقًا، المهم عدم تعطيل المريض.
وبوجه تعتليه الفرحة قال: المبادرة خدمت ناس كتير جدًا وخاصة الفقراء، والمرة الأولي التي أعرف ان ضغطي عالي، والحمد لله اطمنت علي صحتي. ثم غادر العيادة.

 

معهد ناصر: فحص 50 ألف مواطن خلال شهر

 

أكد د. هاني راشد مدير معهد ناصر للبحوث والعلاج إجراء المعهد المسح الطبي والعلاج لـ50 ألف مواطن خلال شهر منذ بدء مبادرة 100 مليون صحة في محافظة القاهرة أول ديسمبر الماضي.


وأوضح أنه بناء علي توجيهات وزيرة الصحة د. هالة زايد تم الإعداد لبدء الحملة، وتم تشكيل 24 فرقة صباحية ومسائية تبدأ عملها من 9 ص إلي 9 مساء وتتكون كل فرقة من طبيب وممرضة ومدخل بيانات لإجراء المسح للمترددين علي المعهد.


وأضاف أن المعهد يرسل فرقا خارجية لإجراء المسح في المؤسسات المختلفة والفنادق ودور المسنين والمراكب النيلية، ومراكز الشباب من أجل الوصول إلي المواطنين في أماكنهم لإجراء المسح.


وأشار إلي أن المعهد يستقبل الحالات المحالة من الخارج ومن الداخل عن طريق الفرق لاستكمال العلاج حيث توجد عيادات لعلاج الأمراض غير السارية وفيروس سي بدءا من إجراء التحاليل حتي صرف العلاج.


وقال إن بعد صرف العلاج يتابع المريض شهريًا مع المعهد ويجري الفحوصات كل شهر لتقييم حالته المرضية، وبعد انتهاء المبادرة ستستمر وحدات العلاج في عملها لمتابعة المرضي، لتغير طرق العلاج للأمراض غير السارية بخفض أو زيادة جرعات العلاج.


وأكد أهمية المتابعة من قبل المرضي مع المعهد، وخطة علاج فيروس سي ثلاثة أشهر، ويقوم المريض بعمل التحاليل بالمجان بالكارت الصحي.
وأوضح «‬راشد» أن المعهد يستقبل من 350 إلي 500 مواطن يوميًا في وحدات التقييم والعلاج.


ووجه شكره إلي فريق العمل سواء القائم علي الوحدات الداخلية أو الفرق الخارجية لانتقالهم إلي المواطنين لإجراء المسح الطبي لهم. وأكد د. أحمد حسن مدير مركز الأورام بمعهد ناصر أن نتائج تحليل الـP»‬ک لفيروس سي تأتي 5% منها سلبية، و90 إلي 95% إيجابية أي مصابين بالفيروس، و5% من المصابين لديهم تليف كبدي.

 

فرحة هند بالعلاج تغلب حزن الإصابة بالفيروس

 

كانت تسير هند فرج عبدالحميد ٣٨ عاما في أحد شوارع القاهرة عندما استوقفتها سيارة حملة ١٠٠ مليون صحة التي وجدتها بالصدفة فتوجهت إليها بعد أن قررت إجراء الفحص للاطمئنان علي صحتها، ليبغلها الأطباء بالحملة أن الفحص أظهر وجود أجسام مضادة لفيروس سي، وقاموا بتحويلها إلي مستشفي معهد ناصر لعمل التحليل المبدئي والتأكد من وجود المرض من عدمه.


كانت هند تتابع مراحل الكشف في معهد ناصر والابتسامة لا تفارق وجهها، فلفتت روحها المرحة أثناء تعاملها مع الأطباء انتباه الموجودين، فربما كانت تخفي حزنها وراء تلك الابتسامة، فقالت هند «‬ أنا عيطت أول ما عرفت مش هكدب لأنها حاجة جديدة في جسمي» .

 

وتستكمل حديثها بضحكة «‬أنا حاسة إنها حاجة جديدة علي مصر كلها مش عليا أنا بس».

 

أبلغ الأطباء هند أن نسبة إصابتها بالفيروس ليست كبيرة، وأن مدة العلاج ستستمر شهرًا ثم تعيد بعدها التحاليل مرة أخري، تستمر علي إثرها علي الدواء ثلاثة شهور أخري، ينتهي بعدها المرض بعد القضاء علي الفيروس.

 

وأضافت هند أنها أصبحت تشعر بسهولة العلاج وعدم الخوف بعد طمأنة الأطباء لها وذلك رغم خوف زوجها وابنتها الوحيدة ذات العشر سنوات، والتي تقوم بطمأنتهما دائما.. وكغيرها من المصابين بالفيروس يتركون أثرا حزينا في عائلاتهم، لم يتوقف والد هند ووالدتها عن البكاء فور علمهم، فأوضحت هند «‬رغم إني كنت خايفة بس بحاول أطمن نفسي عشان خاطر أهلي وبنتي». 

 

تتذكر هند أثناء حديثها سبب إصابتها بأنها أجرت عملية ولادة قيصرية تتوقع أن تكون هي السبب في إصابتها بالفيروس، وبعد الحصول علي إرشادات وتعليمات الوقاية، أوضحت هند أن الفيروس لا ينتقل عن طريق الأطباق والأكواب والأشياء المستخدمة في يومها العادي لكنه ينتقل عن طريق الأدوات الشخصية مثل المقصات وقصافات الأظافر وفرش الأسنان وهو ما تحرص علي اتباعه في منزلها حتي لاتنقل العدوي لأفراد أسرتها.