صاحبة دراسة الدلالات الجينية لمرضى «فيروس سى»..

حوار| د.ولاء علام: «السوفالدى» بريء من السرطان.. والاستعداد الجيني كلمة السر

د.ولاء علام
د.ولاء علام

- تأخرنا كثيراً فى مشروع «الجينوم المصرى» ووجوده أصبح ضرورة

- أقول لمرضى الكبد: لا تتوقفوا عن المتابعة بعد الشفاء من الفيروس

- نحتاج تمويلاً لدراسة جينات مرضى الكبد لتعظيم الاستفادة من الدواء


حالة من الذعر تثيرها من حين لآخر تقارير غير دقيقة تتحدث عن إصابات بالسرطان بين مرضى الكبد الذين تم علاجهم بدواء «السوفالدى»، فى محاولة للربط بين العلاج الأشهر للكبد والإصابة بالمرض.. ورغم أن د.ولاء علام، طالبة الدكتوراة بمركز الجينوم بمدينة زويل، لم يكن نفى أو تأكيد هذه العلاقة ضمن مخططها فى البحث الذى نشرته مؤخرا فى دورية «The Lancet» الشهيرة، إلا أن نتائج بحثها خرجت بما يؤكد نفى تلك العلاقة.. وفى حوارها مع «الأخبار» تحدثت الباحثة عن تفاصيل البحث، والذى يعد الأول بالعالم حول الدلالات الجينية لمرضى فيروسى سي، وتوصلت خلاله إلى نتيجة أن المرضى الذىن أصيبوا بالسرطان كانوا سيصابون بالمرض سواء تناولوا السوفالدى أو لم يتناولوه، بسبب عدم الاستقرار الجينى الذى سببه الفيروس لدى البعض، وهو ما جعلها تخلص فى النهاية، إلى ضرورة المتابعة المناعية للمرضى بعد الشفاء من الفيروس.. وإلى نص الحوار.

 

> بداية ما الدافع الذى جعلكم تفكرون فى هذا البحث تحديدا؟
- من خلال التعاون بين د.جعفر رجب الأستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة ود.شريف الخميسي، مدير مركز الجينوم بمدينة زويل، تولدت فكرة هذا البحث الذى قمت به تحت إشرافهما ويتعلق بآليات اصلاح الحمض النووى فى المرضى المصابين بفيروس سي.


والمميز فى هذا البحث، والذى يجعله متفردا، ولم يجر فى أى مكان بالعالم قبل ذلك، هو أننا اجريناه على مرضى يعانون من مضاعفات مناعية نتيجة الإصابة بفيروس سي.


مضاعفات مناعية
> إذن نقطة الانطلاق فى هذا البحث أنه يدرس حالة مرضى مصابين بالفيروس ولديهم مضاعفات مناعية يعانون منها قبل بداية العلاج؟

- بالضبط، فمن المعروف وفق دراسات قليلة جدا أجريت على الفيروس أنه يسبب ضررا للحمض النووى للخلية يجعلها غير مستقرة، ولا تنقسم بشكل طبيعي، ومن خلال الدراسة حاولنا معرفة هل يكون ذلك سببا فى مضاعفات مناعية يعانى منها المرضى، وهل يؤثر ذلك على استجابتهم للعلاج، وهل تلعب انزيمات إصلاح الحمض النووى دورا فى حدوث تلك المضاعفات، وهل تثبيط تلك الإنزيمات يساعد فى العلاج، كل هذه الأسئلة حاولنا الإجابة عليها.


> ما فهمته من البحث أنه أجرى على مجموعتين من المرضى، إحداها أخذت دواء السوفالدى والأخرى لم تأخذ؟
- ما حدث أننا تابعنا المرضى قبل حصولهم على الدواء، وتابعناهم عندما انتهوا من العلاج، ثم تابعناهم بعد فترة من انتهاء الكورس العلاجي، وتابعناهم بعد فترة أخرى، واستغرقت كل هذه المتابعات حوالى عام كامل.


> وماذا وجدتم خلال هذا الفحص ؟
- كانت المفاجأة أن الاستجابة المناعية للمرضى تحسنت بشكل ملحوظ أثناء تناول العلاج، لكن خلال المتابعة الأولى بعد ست شهور من العلاج لاحظنا انتكاسة مناعية على الرغم من اختفاء المسبب وهو الفيروس بسبب العلاج، وكان مصاحبا لذلك ظهور أعراض جينية، مثل زيادة نسبة تلف الحمض النووي، وظهور نشاط مرتفع لبروتينات اصلاح الحمض النووي، وهذا يعطى مؤشرا على عدم استقرار جينوم الخلية، وأن بها تكسيرا وتلفا، كما أن العوامل التى تساعد على تنشيط الخلايا المناعية التى تتأثر بالفيروس «الخلايا البائية»، ظلت نشطة حتى بعد انتهاء العلاج.


علاج فعال
> إذا أردنا أن نستفيد من نتائج بحثكم فى حسم الجدل الذى أثير حول السوفالدي، وربط البعض بين العلاج به والإصابة بالسرطان، فماذا نقول؟

- الدراسة تقول إن السوفالدى علاج فعال جدا بنسبة 100 %، وخلال السنة التى تابعنا فيها المرضى، لم يحدث لهم أى انتكاسة فيروسية، ولكن من المفترض ضرورة متابعة المرضى بعد العلاج، لاسيما الذين كانوا يعانون من مضاعفات مناعية، لأن هذه المضاعفات لا تنتهى بالقضاء على الفيروس.


> وما تفسيرك إذن للربط بين السوفالدى والإصابة بالسرطان؟
- هى علاقة تم التوصل لها من خلال دراسات احصائية أجريت فى 2016، ولكن لم تجر أى دراسة آلية تثبت تأثير مباشر للسوفالدى فى حدوث السرطان، يعنى لم تجر دراسة تقول لنا إنه يؤدى مثلا لزيادة فى بروتينات معينة تكون مؤشرا على حدوث الإصابة.. وبالمناسبة أجريت دراسات فى 2017 خرجت بنتيجة عكسية، وهو أنه لا يوجد علاقة.


وليس من الصحيح الاعتماد على هذه النتيجة أو تلك، لأن هناك عوامل أخرى يجب دراستها وليس عامل السوفالدى وحده، مثل هل المريض مدخن، هل يتعاطى كحول، ما الأدوية التى كان يتناولها قبل السوفالدي؟


متغيرات جينية
> كيف نستفيد من نتائج بحثكم لجعل السوفالدى أكثر فاعلية وأمانا؟

- من الأمور المثيرة فى البحث أن الاستجابة الفيروسية للمرضى كانت واحدة، وهى أن كلهم تخلصوا من الفيروس، ولكن الاستجابة المناعية كانت مختلفة، فهناك ثلاث حالات من أصل 30 أصيبوا بسرطان الغدد الليمفاوية، وهناك حالات أصيبت بمضاعفات مناعية تباينت شدتها من حالة لأخرى مثل التهاب فى المفاصل والأعصاب، وهناك حالات كانت استجابتها المناعية أفضل بعض الشيء، وهذا يرجع لتباين الخريطة الجينية للمرضى.


> أفهم من ذلك أن متغيرات جينية تقف خلف إصابة الثلاث حالات بالسرطان؟
- بالضبط، لأن لدينا حالات أصيبت وحالات لم تصب، وحالات كانت استجابتها المناعية ضعيفة، وحالات كانت استجابتها المناعية أفضل، فما الذى يجعل هناك تباين، الأمر يرجع إذن إلى متغير جيني.


> ولماذا تم الربط إذن بين الانتكاسات المناعية والسوفالدي؟
- بالسوفالدى أو بدونه كانت ستحدث الانتكاسات المناعية بدرجات متباينة، وهذا يرجع لتباين الخريطة الجينية كما قلت لك سابقا، لذلك من الضرورى اجراء دراسة نستطيع من خلالها معرفة المتغيرات الجينية التى تجعل استجابة المرضى المناعية أفضل بعد تناول السوفالدي.


تجربة الإنترفيرون
> ولماذا لم تجر هذه الدراسة قبل نزول الدواء للأسواق؟

- الدواء كما قلت سابقا يقضى على الفيروس بنسبة 100 %، وليس عيبا بعد فترة من نزوله إلى الأسواق أن تكتشف أن متغيرا جينيا ما يجعل الاستجابة المناعية أفضل، وقد حدث ذلك مع دواء الإنترفيرون قبل السوفالدي، حيث تم الاكتشاف بعد فترة طويلة من ظهوره بالأسواق أن وجود جين»انترلوكين-28 بي»، يجعل الاستجابة أفضل للعلاج، ولذلك كان الأطباء يطلبون من المرضى اجراء تحليل جينى لمعرفة هل يستجيبون للعلاج أم لا؟


> وما المطلوب لنفعل ذلك مع السوفالدي؟
- سنعمل على دراسة الخريطة الجينية للمرضى الـ 30 الذين كانوا موضوعا لدراستنا الأولى، وبناء على نتيجة الدراسة سنقول إنه يرجح أن مريضا ما يحتاج مع السوفالدى لدواء كذا، وأن مريضا آخر قد يحتاج إلى جرعة مختلفة من الدواء، بحيث لا يكون هناك بروتوكول واحد لكل المرضى.


نصيحة للمرضى
> وحتى يحدث ذلك.. ما النصيحة التى يمكن تقديمها للمريض؟

- النصيحة التى نقدمها هى المتابعة الدائمة وألا يكتفى المريض بتحليل الفيروسات الذى يجريه للتأكد من خلوه من الفيروس، بل يجب اجراء اختبارات دلالات مناعية، لعلاج أى مشكلة مناعية.


> وما الذى تحتاجونه فى مدينة زويل للبدء فى دراسة الخريطة الجينية؟
- الموضوع يحتاج لتمويل ضخم، فدراسة الخريطة الجينية لمريض واحد تكلف حوالى 25 ألف جنيه.


> وما عدد المرضى الذين يجب دراستهم للخروج بنتيجة معبرة؟
- نحتاج مبدئيا لدراسة 100 مريض.


> إذن أنتم تحتاجون إلى مبلغ حوالى 2 مليون ونصف المليون، ولا أظنه مبلغا ضخما فى مقابل الفائدة التى يمكن أن نتحصل عليها؟
- أقصى تمويل فى مصر يتم منحه للبحث العلمى حوالى 3 ملايين جنيه من صندوق تنمية العلوم والتكنولوجيا، والحصول على هذا المبلغ ليس بالأمر السهل.


الخريطة الجينية
> ولكن بما أن الدولة مهتمة بالموضوع أظن أن أمر الحصول على هذا المبلغ ليس صعبا؟

- نتمنى ذلك، والأمنية الأكبر هو أن نولى اهتماما بأن يكون لدينا الجينوم المصرى (الخريطة الجينية للمصريين)، فنحن تأخرنا كثيرا فى انجاز مثل هذا المشروع، وافتقادنا لوجوده يجعلنا عند مقارنة التكوين الجينى لمريض بشخص سليم، نلجأ للمقارنة مع المكون الجينى لشعوب أخرى وهذا غير دقيق، لأن التركيبة الجينية لكل مجتمع من السكان تختلف.


> معنى ذلك أن وجود خريطة جينية للمصريين كان سيساعدكم فى اجراء بحثكم الثاني؟
- بالطبع عند مقارنة المرضى بأشخاص غير مرضى.


> وإلى أى مدى يمكن أن تكون الخريطة الجينية للمصريين مفيدة فى مجال الصحة بشكل عام؟
- تفيد فى تصميم الدواء، فمثلا دواء الإنترفيرون كان فعالا بشكل كامل مع المريض الأمريكي، ولكن مع المريض المصرى مثلا كانت نسبة الفعالية من 40 إلى 60 %، وتزيد فى حالة كانت نتيجة التحليل الجينى تشير إلى وجود جين «انترلوكين-28 بي»، كذلك فإن فيروس غرب النيل، لا يؤثر فى المواطن المصري، لكنه يؤثر بشكل كبير فى المريض الأمريكي.


العلاج الشخصى
> إذن يمكن اعتبار بحثكم الثانى خطوة على طريقة نشر ثقافة العلاج الشخصي؟

- بالضبط، فنحن نسعى لنشر ثقافة أن اختلاف التركيبة الجينية من شخص لآخر يؤثرعلى العلاج الذى يجب أن يأخذه، بحيث لا يكون هناك علاج واحد لكل الأشخاص.


> ولكن هذا الأسلوب من العلاج وما يتطلبه من تحليلات جينية سيزيد العبء على المريض؟
- طبعا مع عدم تغطية هذه التحليلات فى التأمين الصحى سيكون الأمر مكلفا، ولكن يجب على الحكومات الاستثمار فى ذلك، لأن على المدى الطويل سيوفر ذلك فى تكاليف العلاج.


> كيف سيوفر فى تكاليف العلاج؟
- ستستطيع هيئات التأمين الصحى توجيه العلاج المناسب للمريض، وبالتالى التوقف عن دعم المريض بدواء لن يستفيد منه.


> ولكن مثل هذا التوجه يحتاج إلى طبيب بمواصفات مختلفة؟
- نعمل مع كثير من الأطباء فى أماكن مختلفة وهذه الثقافة أصبحت موجودة لديهم.


> أقصد ما مدى إلمام طبيب الباطنة الذى يعمل بوحدة صحية فى قرية مصرية نائية بهذه الثقافة؟
- مثلما أصبح التحليل الجينى الخاص بدواء الإنترفيرون ثقافة شائعة، سيكون الأمر أيضا بالنسبة للأدوية المختلفة ومنها السوفالدي.


> ولكن الإنترفيرون كما قلتِ سابقا تختلف قدرته العلاجية من مريض لآخر، وهذا لم يثبت مع السوفالدي؟
- الاستجابة الفيروسية واحدة لكل المرضى الذين أخذوا السوفالدى ولكن الاستجابة المناعية مختلفة، وهذا الأمر يمكن ضبطه بالتحليلات الجينية، كما أن الاستجابة الفيروسية للأنترفيرون أمكن ضبطها بتلك التحليلات أيضا.


> ومتى يمكن أن يكون لدينا بروتوكول علاج بالسوفالدى يختلف من شخص لآخر وفق جيناته؟
- بعد الدراسة التى سنجريها على المائة مريض إذا توافر التمويل، سنستطع أن نخرج بترجيحات، ولكن حتى نؤكدها سنحتاج إلى دراسة أشمل وأوسع تشمل مئات المرضى والأصحاء.


السوفالدى الأمريكى
> وما تجارب الدول الأخرى فى علاج فيروسى سى.. يعنى المريض الأمريكى مثلا ما العلاج الذى يحصل عليه؟

- يأخذ السوفالدى وبسعر مرتفع جدا، ولكن الحكومة المصرية توفره للمرضى بأسعار مخفضة.


> لكن من المؤكد أن الثقافة الجينية تجعل الاستجابات المناعية أفضل؟
- بالطبع الثقافة مختلفة، ولكن يجب الإشارة هنا إلى أن السوفالدى فى أمريكا يستهدف نوعا من أنواع فيروس سى غير النوع الموجود فى مصر، ففيروس سى له حوالى 6 أنواع وأثناء العمل على هذا الدواء لم يكن من المخطط أن يكون هناك ما يستهدف النوع الموجود بمصر، لكن باحثا من أصول مصرية كان ضمن فريق البحث ووجههم لذلك.