المنسيون في الأرض.. مجهولو النسب «لقطاء» اجتماعيًا «أيتام دينيًا»

المنسيون في الأرض.. مجهولو النسب «لقطاء» اجتماعيًا «أيتام دينيًا» - صورة مجمعة
المنسيون في الأرض.. مجهولو النسب «لقطاء» اجتماعيًا «أيتام دينيًا» - صورة مجمعة

- «التضامن»: أكثر من 12 ألف طفل بدور الإيواء.. وهذه شروط الكفالة ومراحل يمرون بها

- القانون سمح لهم بالاسم الرباعي «الجزافي» وحق استخراج الأوراق الرسمية

- د. «اللبان»: كفالتهم «فرض كفاية» ولهم حكم اليتيم.. والإلتزام بالدين وتشديد العقوبة «واجب»

- د. «إيمان»: نظرتهم لأنفسهم متدنية والمجتمع يخلق منهم مجرمين.. وهذه طرق دمجهم

- د. «خضري»: مدافع في وجه الدولة للإرهاب والعصابات.. وعند بلوغهم بالأسر البديلة لهم حكم «الأجنبي»

  

لم يرثوا اسما ولقبا ولا حسبا ونسبا، بل ورثوا وصمة اجتماعية تلاحقهم مدى الحياة، وألقت بهم الأقدار ليلا على باب مسجد أو مستشفى أو صندوق قمامة ليصارعوا الظلام والبرد، وإما أن يتلقفهم «فاعلو الخير» أو تنهش أجسادهم الكلاب الضالة، هؤلاء هم الأطفال مجهولو النسب الذين يصفهم مجتمعنا الشرقي – الذي يهتم بالحسب والنسب - بـ«اللقطاء» ونتاج علاقة غير مشروعة في «لحظة شيطان».

 

الأطفال مجهولو النسب تتزايد أعداهم بشكل مقلق، ولا توجد إحصائية رسمية دقيقة لهم، وبحسب تصريحات مسئولو وزارة التضامن الاجتماعي تقدر أعدادهم بمراكز الإيواء التابعة لها ولدى الأسر البديلة بـ12.336 ألف طفل، فيما بلغ عدد قضايا إثبات النسب المنظورة في المحاكم 15 ألف قضية، علاوة على ذلك أطفال مجهولو النسب ضمن أطفال الشوارع وغير مثبتون لدى الدولة ليقدرهم المركز القومي للأمومة والطفولة جميعا بـ2 مليون طفل.

 

كشفت هذه الأرقام الصادمة عن مشكلة ضخمة ينطوي عليها مجتمعنا، تتناولها «بوابة أخبار اليوم» في سياق السطور التالية من جوانبها القانونية والدينية والنفسية والاجتماعية، لنحاول ايجاد حلولا تحفظ المجتمع المصري من تفسخ ديني وقيمي واجتماعي ولاسيما تزايد معدلات الجريمة في المستقبل.

 

تعديل تشريعي ينتصر لهم

أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، قرارا جمهوريا يقضي بمعاملة الطفل مجهول النسب، كالطفل اليتيم، وتضمن القرار رقم 15 لسنة 2015، لتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي 137 لسنة 2010، استبدال الفقرة "ج" من المادة الثانية، الخاصة بتعريف اليتيم، ليكون "كل من توفى والداه أو توفى أبوه ولو تزوجت أمه، أو مجهول الأب أو الأبوين".

 

القرار جاء ليحل أزمة كبرى عانى منها مجهولو النسب، وهي استخراج أوراق رسمية كشهادة الميلاد وبطاقة الرقم القومي، ووفقا للقرار أصبح بمقدورهم استخراج أوراق يحصلون بمقتضاها على ضمان اجتماعي وتأمين صحي وشهادة ميلاد.

 

كما أصدر الرئيس السيسي، قرارا بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، والخاص بتسليم الطفل مجهول النسب لأسرة بديلة، إذ كان القانون ينص على أن يُسلم الطفل في عمر سنتين، وجاء التعديل لتقل المدة إلى 3 أشهر.

 

القضاء ينصف مجهولي النسب

 

أصدرت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، حكما أنصفت فيه اللقطاء ومجهولي النسب، بعد أن ألزمت وزارة الداخلية، ممثلة فى مصلحة الأحوال المدنية، بإصدار بطاقة الرقم القومى لهم.

 

ووفقا لهذا الحكم ستلتزم الداخلية باعتماد الأسماء الجزافية الموجودة بشهادة الميلاد في بطاقة الرقم القومي حرصا على إنسانيتهم وحفاظا على آدميتهم من التشرد والضياع.

 

مراحل يمر بها مجهول النسب

 

بحسب القانون المصري، ووفق ما أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي، يمر الطفل مجهول النسب بمجرد العثور عليه بعدة مراحل تبدأ بتسليمه لأقرب قسم شرطة لكتابة محضر بالحالة، ويشترك المُبلغ وقسم الشرطة فى اختيار اسم الأب له، بعدها يتم تسليمه إلى إحدى دور الإيواء التابعة للوزارة.

 

أما إذا كانت حالته الصحية غير مستقرة فيتم نقله لأقرب مستشفى عبر سيارة إسعاف مُجهزة، وفور شفائه وانتهاء الرعاية الطبية يتم نقله إلى إحدى دور الإيواء، ويتسلمه أخصائى اجتماعى وممرضة متواجدان بها على مدار الساعة، وفور تسلمه يتم اختيار الاسم الثلاثى للطفل ولوالدته.

 

ولا يكتب بالشهادة ما يشير إلى كونه مجهول النسب، وتكتب المنطقة التى عثر فيها على الطفل كمحل للميلاد.

 

ويشترط ألا يتم اختيار اسم مكرر أو متواجد بالفعل أو عالق فى ذهن أى من حضور الواقعة، بحيث يشارك جميع الأطراف فى اختيار اسمه الذى يحيى عليه، ومن ثم لا يصبح من السهل ادعاء معرفته.

 

وبمجرد وصول الطفل لدار الإيواء، يتم وضعه على سرير مخصص له لمدة عامين، وتعلق ورقة أعلى السرير مكتوب عليها بياناته، وتشمل: الاسم، وتاريخ الميلاد، وتاريخ التسليم للمركز، والمنطقة التى عثر عليه فيها.

 

وإذا جاء الطفل إلى دار الإيواء عقب ولادته بفترة طويلة، يتم «تسنينه» ووضع تاريخ ميلاد تقريبى، حتى يحصل على جميع التطعيمات فى موعدها.

 

حكم الشرع في كفالتهم

 

في البداية تساءل الدكتور محمد نصر اللبان، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات ببورسعيد، عن الأسباب التي أدت هذه الظاهرة والأعداد الضخمة للأطفال مجهولي النسب، وأين مكارم الأخلاق والآداب الإنسانية والشرعية، ومن يقبل بذلك! وعندما جاء الإسلام كانت النساء بالدولة الفارسية للجميع، وأحد الملوك تزوج امرأته على مرأى ومسمع من الجميع، وأبطل الإسلام كل هذا وطهر المجتمع من الفساد الأخلاقي.

 

وأضاف د. «اللبان» في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» أن هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم، وكونهم جاءوا للحياة وأصبح وجودهم أمر واقع فهم لا يحاسبون على ذنب غيرهم، ونفس بشرية خلقها الله يجب أن تُكرم ولها حقها في الحياة والمأكل والملبس والتأديب والتربية والتعليم،  ويجب أن يقوم المجتمع بكفالة هؤلاء، وإلا أثم الجميع، فكفالتهم فرض كفاية على المجتمع إذا قام به بعض الناس سقط عن الجميع، وإذا قصر الجميع أثم الجميع، مضيفا أن المجتمع مسئول عن جميع الأفراد.

 

وأوضح أن سيدنا عمر بن الخطاب قال: «لو تعثرت دابة في العراق لسُئل عنها عمر» مما يدل على أن حتى الدواب نحن مسئولون عن تأمين الحياة والطرق لهم فما بالك بالإنسان الذي كرمهم الله عز وجل.

 

وأشار عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات ببورسعيد، إلى أن كفالة مجهولي النسب يأتي من باب التكافل والتضامن الاجتماعي، وإذا كان اليتيم الذي فقد والده قبل البلوغ معلوم النسب وقال عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم - «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذين» أي المسافة بين كافل اليتيم والنبي في الجنة كالمسافة بين إصبعي السبابة والوسطى، وكلا من اليتيم ومجهول النسب فقدا العائل، فكفالة مجهول النسب تأخذ حكم كفالة اليتيم، ومن لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم.

 

وتابع أن المجتمع كالسفينة لابد أن يقوم كل فرد بدوره فيها، والحديث الشريف: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم اقترعوا على سفينة، فكان لأحدهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أن خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذي من فوقنا، فلو ترك من في الأعلى من الأسفل يخرق السفينة هلكوا جميعا، ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا».

 

وذكر أن «السلطان ولي من لا ولي له» فهو من يملك القرار وبالتالي كفالتهم واجبة على الدولة ومؤسساتها والمسئولية عليها أكبر، وإذا نظرنا للدولة بمفهومها العام فتعني المجتمع كله.   

 

وأكد د. «اللبان»، أن الالتزام بالقرآن والسنة النبوية والأصول التي يسير عليها الناس والعقل السليم يساعد في التخلص من الظواهر السلبية بالمجتمع، مشددا على أنه إذا لم يكن هناك وازع من الضمير والدين والأخلاق فالوازع من السلطان، و«إن الله ليزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن»، ومن الممكن أن فردا لا يردعه الدين إنما لو تم الحكم عليه بالسجن يكون رادع له.

 

وأضاف أن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة جدا في هذا الصدد، لافتا إلى الدور الحيوي للإعلام في هذه القضية لتبصير الناس بالأسباب والعلاج، موضحا أن الطفل حال كفالته يجب تعليمه الصلاة على سبع واضربوهم على عشر وفرقوا بينهم في المضاجع فإذا وصل المكفول سن البلوغ والحُلم يفرق بينهم في المضاجع وعدم الخلوة بأجنبية وقال النبي: «لا يخلون رجل بامرأة ولو كان يعلمها القرآن».

 

ألم نفسي ووصمة اجتماعية

 

أما الدكتورة إيمان عبدالله، خبيرة الصحة النفسية والإرشاد الآسري، فترى أن عدد الأطفال مجهولي النسب كبير بحسب ما هو مُعلن عنه، وفي تزايد مستمر، والخطورة النفسية على هؤلاء الأطفال أنهم ينظرون لأنفسهم على أنهم أقل من الآخرين وليس لديهم أسرة وحتى إذا قام البعض بزيارتهم وأعطاهم هدايا يتساءلوا لماذا لم يبيتوا معنا! ولماذا لا نملك أسرة كغيرنا! وبالتالي نظرتهم لأنفسهم متدنية، مضيفة أن دور الإيواء لا توفر الجزء النفسي لهم فدورها توفير المأكل والملبس لهم ويغفلوا الجانب النفسي، كما أن نظرة المجتمع لهم سلبية.

 

وأضافت في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن هؤلاء الأطفال يعانون من اضرابات نفسية كالسرقة والعنف مع أصدقائهم والكذب والتهرب من الواجبات والتبول اللاإرادي، لافتة إلى أنهم يحتاجون نظرة اهتمام ورحمة من المجتمع فهم ضحية ولا ذنب لهم.

 

وتابعت د. «إيمان»، أن الاضطرابات النفسية التي يعاني من الأطفال مجهولي النسب تفريغ نفسي لحرمانه من شيء ما كعطف وحنان الأب والأم، مطالبة بتغيير نظرة المجتمع السلبية لهم لأن بعضم قد يكون يتيم أو نجى من حادث سير عندما كان برفقة والديه أو ظروفه المادية صعبة ولا يستطيع أهله النفقة عليه أو فقده أهله أو تم خطفه أو كان يتسول لصالح شخص والشرطة سلمته لدار إيواء وليس كما يعتقد البعض «من شبه أباه فما ظلم.. أو البنت تشبه أمها».

 

وأوضحت أن هؤلاء الأطفال عندما يكبروا يواجهون مشكلات كثيرة عند الالتحاق بالجامعة والاقبال على الزواج من عائلات آخرى في ظل مجتمع شرقي يهتم بالحسب والنسب، مشددة على ضرورة ألا يجني عليهم المجتمع ويخلق منهم مجرمين بالايحاء النفسي لهم بأنهم سيشبهوا أبويهم كالطفل الذي يوصمه المجتمع بأن أبيه لص ويرددوا ذلك علي مسامعه حتى يصبح لصا بالفعل مثل فيلم «جعلوني مجرما»، ويجب إنقاذهم من وصمة العار الاجتماعية ودمجهم في المجتمع.

 

ولفتت خبيرة الصحة النفسية والإرشاد الآسري، إلى ضرورة دمجهم في الرحلات والمعسكرات والمكتبات والجامعة، وخلق فرد فعال من هذا الطفل بالمسابقات العلمية والرياضية ويتم تكريمهم أمام المجتمع وإبراز نجاحهم في مناحي الحياة كالقرآن والموسيقى مثلا، ويحظوا بنفس الرعاية التي يحظى بها ذوي الاحتياجات الخاصة من جانب الدولة.

 

وثمنت سماح الدولة لهم بالحق في اسم رباعي حتى يخلق انتماء لبلده ولا يندفع للإجرام والتطرف والإرهاب، مطالبة بحفظ الأموال التي يتم التبرع بها لهم حتى يكبروا وتسليمها لهم لفتح مشروعات خاصة بهم أو الزواج بها ويكون لهم مستقبل، ونهتم بتعليمهم ورعايتهم الصحية.

 

تلتقطهم العصابات والجماعات الإرهابية

 

وقال الدكتور نصر الدين خضري، عميد كلية العلوم الأزهرية بجنوب سيناء، إن هذا العدد الضخم بالمجتمع من الأطفال مجهولي النسب يدل على نقص في القيم والأخلاق وعدم وجود توعية دينية كافية، بالإضافة إلى حالات غير مثبتة يتم التستر عليها أو يتم القضاء عليها.

 

وأوضح أن الأزهر بدأ مشروع فعال وجيد بنزول الدعاة إلى الشارع وفي محطات المترو والمقاهي، ولكن للأسف البعض تناول الموضوع بالسخرية، لكن هذا هو الحل الأفضل لأن تجديد الخطاب الديني يكون بالذهاب للناس، فمن لديه نقص توعية دينية لا يدخل المسجد فيجب الذهاب إليه في أماكن تواجده، وآباء وأمهات هؤلاء الأطفال من هذه الفئات، وهذا المشروع يحتاج لدعم أكبر من الدولة وتيسير السبل لهم.   

 

وأكد د. «خضري»، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن الأولى برعاية هؤلاء هي الدولة ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي والجمعيات التابعة لها، فهؤلاء إن لم يجدوا الرعاية الكاملة لهم سيلتقطهم اللصوص والعصابات ويستغلونهم في السرقات والجنس والإرهاب ونفاجأ بهم مدافع في وجه الدولة.

 

وتابع أنه يمكن فتح الباب لرجال الأعمال وتبرعاتهم لمساندة الدولة في هذا الجانب، مشيرا إلى أن عملية التبني في الإسلام أي حق الرعاية والعناية وليس حق الابن الشرعي ولا يحمل اسم الأب والأم ولا تترتب عليه نفس حقوق الأبناء الشرعيين، ولكن إن أراد أن يترك له جزء من التركة حسبما يشاء.

 

وذكر عميد كلية العلوم الأزهرية بجنوب سيناء، أن هذا المكفول يعتبر شخص أجنبي فلا يسمح بالاختلاء معه ويجب أن يفرق بينهم بعد البلوغ، ولذلك أشجع فكرة كفالتهم من جانب الدولة أو مؤسسات المجتمع المدني تحت رعاية الدولة حتى يجنبنا مشكلات أخرى لكفالة الأسرة بعد بلوغ الطفل لأنه ابن غير شرعي.

 

شروط كفالة الطفل

 

أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي، عن شروط كفالة الأطفال من خلال نظام الأسر البديلة، منها التأكد من صلاحية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية هؤلاء الأطفال دون استغلال أو لمصالح ذاتية وأن تكون أسرة مصرية مكونة من زوج وزوجة وولدين على الأكثر، ويكون أفراد الأسرة البديلة حاصلين على قدر من التعليم، وقدرة الأسرة البديلة على تلبية احتياجات الطفل.

 

وألا يقل سن الزوجين عن خمس وعشرين عاما وألا يزيد عن الستين، ويجوز للأرامل والمطلقات ومن لم يسبق لهم الزواج وبلغت من العمر ما لا يقل عن ثلاثين سنة كفالة الأطفال.