حصاد 2018| «كبار العلماء».. عين على التجديد والأخرى تحمي الثوابت

صورة موضوعية
صورة موضوعية

عكست طبيعة الملفات والقضايا التي تصدت لها هيئة كبار العلماء في عام 2018، طبيعة الدور المحوري والهام الذي تضطلع به الهيئة، باعتبارها أعلى مرجعية فقهية في الأزهر الشريف، والمنوطة بإبداء الرأي فيما يتعلق بالأمور الشرعية والنوازل الفقهية المستجدة.

وكان لافتا، حرص الهيئة على الجمع ما بين تعميق مسارات التجديد في الفكر والعلوم الإسلامية، وذلك من خلال الدعوة لمؤتمر عالمي يناقش هذا الملف الهام في أبريل المقبل، مع الحرص في الوقت نفسه على الدفاع عن الثوابت الشرعية وتفنيد أي محاولة للمساس أو العبث بها.

 

مؤتمر عالمي للتجديد
 

وتجلى ذلك في إعلان الهيئة عن تنظيم مؤتمر عالمي عن «التجديد في الفكر والعلوم الإسلامية»، من المقرر عقده في أبريل 2019، بمشاركة عدد كبير من المجامع الفقهية والمؤسسات الدينية، ونخبة من كبار العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي؛ وذلك بهدف صياغة استراتيجية علمية شاملة، تعالج مختلف الأبعاد والملفات المتعلقة بقضية التجديد؛ بما يسهم في نهوض الأمة ورقيها، ويحفظ لها هويتها ويستنهض قيمها وقواها الحضارية الراسخة.
 

ويستكمل المؤتمر ما انتهت إليه الندوة التحضيرية التي عقدها الأزهر الشريف حول التجديد، في أبريل 2015، برئاسة الإمام الأكبر، وبحضور نخبة من كبار العلماء والمفكرين والمتخصصين، وتضمنت عدة حلقات نقاشية حول: علاقة النقل بالعقل، والتراث بين التجديد والتبديد، والخطاب الديني بين الواقع والمأمول، وتحديد المفاهيم ودورها في تجديد الخطاب الديني، كما يستند المؤتمر على ما أرسته «وثائق الأزهر»، التي توالى صدورها منذ عام 2011، من دعائم راسخة لجهود التجديد.

 

ويستهدف المؤتمر البناء على الجهود والمبادرات التي أطلقها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، سواء في مجال تطوير منظومة التعليم في الأزهر، وربطها بأحدث الاليات والمناهج التعليمية، أو التعامل الإلكتروني في رصد ومواجهة الأفكار المغلوطة التي تنشرها الجماعات المتطرفة من خلال «مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية»، أو من خلال ما شهدته جولات شيخ الأزهر الخارجية من تأكيد على قيم الإسلام الوسطية، ورفض إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، ودعوته للمسلمين في الدول غير المسلمة للاندماج الإيجابي والانخراط بقوة في مجتمعاتهم، فضلا عن مبادرات فضيلته المتعددة لفتح قنوات للحوار والتعاون مع مختلف المؤسسات الدينية في العالم، وتأكيده على ضرورة أن يشكل قادة الأديان نموذجا عمليا للحوار والأخوة والتعاون فيما بينهم.

 

قضية الميراث

 

ومع عودة قضية ميراث المرأة إلى الواجهة مرة أخرى، ومحاولة البعض العبث أو المساس بثوابت شرعية قاطعة، فقد تصدت هيئة كبار العلماء لتلك القضية، محذرة من «تجاوز بعض المضللين بغير علم في ثوابت قطعية معلومة من الدين بالضرورة، ومن تقسيم القرآن الكريم المحكم للمواريث، خصوصا فيما يتعلق بنصيب المرأة فيه، والذي ورد في آيتين محكمتين من كتاب الله المجيد في سورة النساء، وهو أمر تجاوزت فيه حملة التشنيع الجائرة على الشريعة كل حدود العقل والإنصاف»، موضحة أن «الأزهر الشريف بما يحمله من واجب بيان دين الله تعالى وحراسة شريعته وأحكامه؛ فإنه لا يتوانى عن أداء دوره، ولا يتأخر عن واجب إظهار حكم الله -تعالى- للمسلمين في شتى بقاع العالم، والتعريف به في النوازل والوقائع التي تمس حياتهم الأسرية والاجتماعية».

 

وشددت الهيئة على أن أحكام الميراث هي من «الأحكام التي لا يقبل الخوض فيه بخيالات جامحة وأطروحات تصادم القواعد والمحكمات، ولا تستند إلى علم صحيح، فهذا الخوض بالباطل من شأنه أن يستفز الجماهير المسلمة المتمسكة بدينها، ويفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى، ولا نتمناه لأحد أبدا».

وأكدت الهيئة أن «الأزهر الشريف يحذر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذه الفتنة ومن دعاتها، ويرفض رفضا قاطعا أية محاولة للمساس – من قريب أو بعيد - بعقائد المسلمين وأحكام شريعتهم، أو العبث بها».

 

قانون الأزهر للأحوال الشخصية

 

انشغال الهيئة بالدفاع عن الثوابت الشرعية، لم يشغلها عن معالجة قضايا ومشكلات الواقع المعاش، حيث بدأت الهيئة في نهاية نوفمبر 2018 عقد سلسلة اجتماعات أسبوعية لمراجعة وإقرار مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي أعدته لجنة من كبار الفقهاء والقانونيين والمختصين، قام بتشكيلها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في أكتوبر 2017، وعقدت أكثر من 30 اجتماعًا، استهدفت إعادة صياغة وجمع مواد الأحوال الشخصية والأسرة الموزعة على عدة قوانين، في إطار نسق قانوني واحد، يتسم بالشمولية والتجانس، مع الالتزام بما شدد عليه شيخ الأزهر خلال ترأسه للاجتماع الأول للجنة من ضرروة أن يتضمن مشروع القانون الية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في حالة الانفصال؛ بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، ووضع نصوص محكمة للالتزام بضوابط الحضانة، ومعالجة المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق.

 

ملتقى هيئة كبار العلماء

 

وفي ذات السياق، بدأت هيئة كبار العلماء خلال عام 2018، عقد سلسلة ندوات علمية تفاعلية تحت عنوان: "ملتقى هيئة كبار العلماء"؛ لمناقشة أهم القضايا الفكرية المعاصرة، في حوار تفاعلي بين الحضور والمحاضرين من كبار العلماء، للإجابة عن أسئلة الشباب وما يدور بأذهانهم، وبيان الوجه الصحيح للإسلام، وتوضيح أحكام الشريعة السمحة، وإخراج الناس -وبخاصة الشباب- من الحيرة، التي توقعهم فيها الفتاوى غير المنضبطة، التي يصدرها غير المتخصصين.

 

وناقشت الندوة الأولى للمتلقى قضية: «الأحكام الشرعية بين الثابت والمتغير»، وشارك فيه الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي الجمهورية السابق، والدكتور نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي الجمهورية الأسبق، والدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والدكتور عبد الهادي زارع، عميد كلية الشريعة والقانون بدمنهور سابقا.

وشدد المشاركون على أن عقيدة الإسلام وشريعته صالحة لكل زمان ومكان، وأن الإسلام جاء ليحقق الأمن والسلام لجميع البشر، وأنه من الثوابت في الإسلام حفظ النفس البشرية، وحرية العقيدة، والحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية وعدم تفرقتها، محذرين شباب العلماء من الانسياق وراء دعوات الخروج عن الجماعة العلمية لما يحدثه ذلك من نشر للفتن بالمجتمع، كما يؤدي إلى الاضطراب في الفتوى ويجعل من التجديد للدين تبديدا له.

 

إبداء الرأي الشرعي

 

بالتوازي مع ذلك، ناقشت الهيئة عددًا من مشاريع القوانين أو التعديلات المقترحة، المحالة إليها من مجلس النواب لإبداء الرأي الشرعي فيها، حيث اعتمدت الهيئة الرأي الذي انتهى إليه مجلس مجمع البعوث الإسلامية بشأن مدى مشروعية المقترح الوارد للأزهر من اللجنة الدينية بمجلس النواب، لبيان الرأي الشرعي في النص التالي: «يجوز لرئيس مجلس الوزراء – وذلك في الوقف الخيري- تغيير شروط الواقف إلى ما هو أصلح، وذلك تحقيقا لمصلحة عامة تقتضيها ظروف المجتمع». 

وكان مجمع البحوث الإسلامية، قد انتهى إلى أنه «لا يجوز شرعا تغيير شرط الواقف، فشرط الواقف كنص الشارع، وعلى ذلك اتفقت كلمة الفقهاء قديما وحديثا، ومن ثم لا يجوز بأي ذريعة مخالفة شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه».

 

وأصدرت هيئة كبار العلماء، تقريرا يوضح رأيها في مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة، بعدما أثار جدلا واسعا عند عرضه أمام اللجنة الدينية بمجلس النواب، خاصة فيما يتعلق بمن له حق الفتوى عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

وحرصت الهيئة على التفريق ما بين الإفتاء عبر وسائل الإعلام من جهة، والوعظ والإرشاد الديني من جهة أخرى، مشددة على أنه يمكن للائمة والوعاظ ومدرسي العلوم الشرعية والعربية بالأزهر الشريف وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم من خريجي الكليات الشرعية والعربية جامعة الأزهر، أداء مهام الإرشاد الديني بما يبين للمسلمين أمور دينهم، ولا يعد ذلك تعرضا للفتوى، مؤكدة أن التعرض للفتوى الشرعية عبر وسائل الإعلام يجب أن يقتصر من يرخص لهم من قبل الجهات المخولة بذلك.

 

فيما شهد عام 2018 انتقال هيئة كبار العلماء إلى مقرها الجديد، بمشيخة الأزهر القديمة، وذلك بعد الانتهاء من ترميمه بشكل كامل، وتزويده بكل ما يساعد الهيئة على أداء رسالتها على أفضل وجه.

 

رحيل 3 من أعضاء الهيئة

 

وشهد عام 2018 رحيل 3 علماء أجلاء، من أعضاء هيئة كبار العلماء، وهم العالم الجليل الدكتور طه أبو كريشة، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر، وفضيلة أ. د عبد الشافي محمد عبداللطيف، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، وفضيلة أ. د إسماعيل عبد الخالق الدفتار، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، وخطيب الجامع الأزهر لأكثر من 18 عاما.

 

ونعى الأزهر الشريف إلى العالم الإسلامي وإلى أبنائه وطلابه هؤلاء العلماء الأجلاء، مشيدًا بما قدموه، من عطاء مشهود وعلم وافر، كانوا خلاله مثالا للعالم الأزهري؛ بعلمهم وفكرهم الوسطي المعتدل، وبما أثروا به المكتبة الإسلامية والعربية من كتب وبحوث ومؤلفات.