أخر الأخبار

حوار| ممثل منظمة الفاو: التغيرات المناخية الخطر القادم

 ممثل منظمة الفاو مع محرر بوابة اخبار اليوم
ممثل منظمة الفاو مع محرر بوابة اخبار اليوم

أبن دولة السودان د.حسين جادين، ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو » بمصر، يمثل أكبر منظمة دولية معنية بالغذاء والزراعة، إلا أنك تستطيع أن تلمس في شخصيته مساحة كبيرة من التواضع، دفعته في الجلسات التي حضرها بالمؤتمر الدولي لمنتجات النخيل الثانوية وتطبيقاتها الذي استضافته مدينة أسوان المصرية خلال الفترة من 15 إلى 17 ديسمبر الجاري، إلى تفضيل الجلوس في المقاعد الخلفية، عازفا عن أضواء المقاعد الأمامية.

 

ولأن تجارب الأجداد التي سطرتها الحكم والأمثال الشعبية تتحدث عن أن التواضع سمة من سمات العلماء، قلت لنفسي إنه ليس من المقبول ترك فرصة الحوار مع هذا الرجل، الذي وافق على منحي نصف ساعة من وقته تجولت معه خلالها بين قضايا الغذاء والمياه في مصر، وإذا كانت صفة «التواضع» هي التي جذبتني في البداية للتحاور معه فقد خرجت من الحوار وأنا أكثر إعجابا به، لا لشيء إلا لأني لمست عشقه الكبير لمصر، حتى إنه قال لي بوضوح «أنا أعتبر نفسي مصريا».. وإلى نص الحوار.
 

 بداية كيف ترى قضية الأمن المائي في العالم العربي؟


- تظهر على وجهه علامات الاهتمام الشديد، ليقول بلهجة حاسمة: هذه واحدة من أكبر التحديات التى تواجه العالم العربي، فالدول العربية جميعها تعاني من زيادة مطردة في السكان، بينما مواردها المائية ثابتة بل وبدأت تتناقص بفعل التغيرات المناخية، وهذا سيؤدي إلى التوسع في استيراد الغذاء، الذي يجب أن يقابله موارد مالية متاحة لذلك.


 وماذا عن المياه الجوفية ألا يمكن أن تمثل حلا؟


- يومىء بالرفض قبل أن يقول مستنكرا: مياه جوفية ؟!.. أين هذه المياه الجوفية ؟!.. هذا المصدر إلهام الذي كنا ندخره للمستقبل تم استنزافه بشكل غير مبرر فى الري بالغمر لزراعة القمح في الصحراء، وهذا تفكير غير سليم.


 وهل ينعكس هذا التوصيف للأزمة على مصر؟


- بدون تردد يقول: نعم، فمصر للأسف دخلت مرحلة الفقر المائي، وقل نصيب الفرد من ألف متر مكعب فى السنة إلى أقل من 600 متر مكعب، وهذا خطر كبير، سيزداد يوما بعد آخر بسبب الزيادة السكانية المطردة، وهذه مشكلة كبيرة، يجب على المصريين أن يعوا لخطورتها.


 كنت أنتظر منك أن تشير إلى تداعيات التغيرات المناخية أيضا؟


- يبتسم قائلا: أردت أن أتحدث فى البداية عن تحد نملك أدوات مواجهته وهو السيطرة على الزيادة السكانية، لكن تحدى التغيرات المناخية آت لا محالة، وسيترك تداعيات سلبية على منطقة الدلتا التي ستغمرها مياه البحر، وستؤدي تلك المشكلة إلى تهجير الآلاف من السكان، ولابد أن نكون مستعدين من الآن لمواجهة هذا الخطر.


 ألا توجد تجارب عربية ناجحة يمكن الاستفادة منها أو دعنى أسألك بشكل أوضح بما أنك سوداني، ماذا تفعل السودان؟


- الزراعات في السودان لا تعتمد على مياه النيل فقط، لكن تعتمد بنسبة 50 % على الأمطار، وذلك بسبب الموقع الجغرافي، وإذا كنت تسأل عن التجارب الناجحة، فمصر بدأت تنفذ تجارب تساهم في توفير الموارد المائية، ومنها ادخال نظم ري حديثة إلى منطقة الدلتا، وتتعاون الفاو مع الحكومة المصرية في مشروع الري عبر مواسير تحت الأرض بدلا من الري بالغمر، ومشروع المليون ونصف المليون فدان، الذي يهدف إلى تخفيف الضغط على الدلتا، لأن استمرار استهلاك الزراعة لـ 85% من موارد مصر المائية يمثل خطرا كبيرا.


 ولكن إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الحلول فعالة؟


- لدى مصر عجز مائي حوالي 21 مليار متر مكعب، يتم تعويضه بتحلية المياه على نطاق ضيق، واعادة استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي على نطاق محدود، والري من الخزان الجوفي، وان كنت لا أحبذ التوسع في هذا المجال، للحفاظ على حق الأجيال القادمة.. إذا تستطيع القول إن الحكومة المصرية جادة في التعامل مع المشكلة وتلجأ للتكنولوجيات المتجددة وتقوم بتنويع مصادر المياه ،ونحن في هذا الإطار نتعاون مع وزارة الرى المصرية في ثلاثة مشروعات نقدم خلالها الدعم الفني، وهى مشروعات حسابات المياه، وزيادة انتاجية المياه، وتغيير السياسات المتعلقة بالمياه، مثل التقليل من الزراعات الشرهة لاستهلاك المياه، والاستغناء عن الري بالغمر واستبداله بالري بالتنقيط أو الرش، ونحن ننفذ بالتعاون مع وزارة الري المصرية مشروعات كثيرة لهذا النوع من الري الموفر للمياه فى مواقع كثيرة بالدلتا والصعيد.


 تعطينى إجابتك هذه انطباعا أنك مؤيد وبشدة لتوجه الحكومة المصرية نحو التقليل من زراعات الأرز؟


- يجيب على الفور وبدون تردد: هذه خطوة صحيحة إلى الأمام، فمصر لديها كما قلت لك سابقا عجز مائي 21 مليار متر مكعب، وأى خطوة يتم اتخاذها لسد هذا العجز، فهي صحيحة.. ولكن ما أحب أن أؤكد عليه في هذا الإطار أن بعض التقارير الإعلامية تتحدث عن زراعات الأرز، وكأن مصر لن تزرعه مجددا، وهنا يجب التنبيه أن هناك أراضي ملحية لن يجدى معها إلا زراعة الأرز، ولكن يمكن أن نحسن من استهلاك المحصول للمياه بأصناف مقاومة للجفاف، كالتي توصل لها باحثو مركز البحوث الزراعية بمصر، وكذلك تطوير أساليب الزراعة بالاتجاه إلى الأشكال الموفرة للمياه، ولدي محطة البحوث الزراعية بسخا تجربة رائدة فى هذا المجال باستخدام أسلوب زراعة المصاطب.



  يبدو أننا قادمون على المزيد من الترشيد فى ظل تغيرات مناخية يتحدث عنها الخبراء وكأنها واقع لا مفر منه؟


- بلهجة متحمسة يقول: درجات الحرارة ترتفع فتذيب الجليد فى القطب الشمالى والجنوبي، فأين سيذهب الجليد؟ سيذهب إلى البحر ليرتفع منسوبه وهذا واقع صرنا نعيشه ونشاهده الآن، ومن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر فى مصر بحلول ما بين 2050 إلى 2060 إلى 3 أمتار، والحكومة المصرية من جانبها بدأت من خلال صندوق المناخ الأخضر بوزارة البيئة التعامل مع المشكلة بالعمل على بناء محميات فى المناطق التى تشير الدراسات إلى أنها ستكون الأكثر تأثرا.
 وهل مثل هذه الإجراءات كافية وإلى أى مدى يمكن أن تكون فعالة فى مواجهة المشكلة؟
- سأعيد ما قلته سابقا، أن التغيرات المناخية كنا نتحدث عنها قبل عشر سنوات، ولكننا الآن نشاهدها، ويجب أن نتعامل مع الخطر القادم.
 أفهم أن هناك خطرا قادما، وسؤالى عن الاجراءات التى أشرت إليها، هل هى كافية لصد الخطر أم تأجيل حدوثه؟
- هى تعطينا وقتا لنتصرف، لأنه يجب أن تكون هناك خطة شاملة يدرس فيها مصير الأراضى التى ستغمرها المياه، والمزارعون الذين يعتمدون عليها، وماذا سنفعل مع البحيرات الشمالية حيث من المتوقع أن تغمرها المياه هى الأخرى، ويضيع مصدر رزق لكثيرين يعتمدون عليها فى بعض الأنشطة مثل تربية الأسماك.. كذلك يجب أن نعلم أن التغيرات المناخية ليست مياها فقط ستغمر الوادي، ولكن سيكون لها تأثير على انتاجية النباتات، حيث تزيد أمراضه، كما ستزيد أمراض الحيوانات ايضا. وبالمناسبة أنا أرى أن مشروع المليون ونصف المليون فدان خطوة مهمة جدا فى اتجاه مواجهة تحديات التغيرات المناخية، لأنك يجب أن توجد البدائل فى حال فقدان مساحة كبيرة من أراضى الدلتا.
< رغم ما تشير إليه من أخطار أشعر أحيانا أنه لا يوجد وعى بخطورة هذه المشكلة؟
ـ اختلف معك، عدت مؤخرا من بولندا حيث كان هناك اجتماع الأطراف الـ24 المتعلق باتفاقية تغير المناخ، والجميع يتحدث بجدية عن ضرورة مواجهة المشكلة، وأن تتحمل الدول المتقدمة مسئوليتها فى هذا الإطار، باعتبار أنها المسئولة بدرجة أكبر عن زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون.
 لا أسأل عن وعى الحكومات والدول، ولكن اسأل عن وعى المواطن البسيط؟
- المنظمات الدولية وفى مقدمتها الفاو تقوم بدور مهم فى هذا الإطار، ونعمل على توضيح الصورة للكل بدءا من قمة هرم المسئولية وحتى المزارع البسيط، الذى ينبغى أن يعى القضية، حتى يستوعب أى توجه تطلبه منه الحكومة، مثل موضوع تقليل زراعات الأرز.
 دعنى أنتقل معك إلى قضية ليست ببعيدة عن التغيرات المناخية، وهى تحلية مياه البحر، باعتبارها إحدى أدوات مواجهة العجز المائي،

هل ترى أن مصر مؤهلة للاستفادة من هذا المصدر؟


- بدون تردد يقول: تحلية مياه البحر هى المستقبل لضمان حل مشكلة المياه، ولكن مشكلة هذه التقنية أنها تحتاج إلى طاقة كبيرة، وإذا نجحت فى توفير الطاقة فالأمر ليس صعبا، ومصر بدأت تخطو خطوات مهمة فى هذا الاتجاه بالاتجاه إلى توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وافتتاح محطة الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان بمحافظة أسوان، والتى تعد أكبر تجمع لمحطات الطاقة الشمسية على مستوى المنطقة، أكبر دليل على ذلك.
 إلى أى مدى ستكون التحلية مفيدة فى سد العجز؟


- كما قلت لك سابقا، مصر لديها عجز مائى حوالى 21 مليار مترمكعب، ويجب أن تسير فى أكثر من مسار لسد هذا العجز، أحد هذه المسارات التحلية، ومسار آخر هو ما يسمى بـ «المياه الافتراضية»، أى تستورد كمية من المحاصيل المستهلكة للمياه، وبالتالى يكون استيرادك لها، وكأنك أوجدت مصدرا للمياه.
الأمن الغذائى


 أشعر من حديثك، أنك لست قلقا على مستقبل الأمن الغذائى المصري؟


- يومىء بالموافقة قبل أن يقول بلهجة يغلفها الثقة: مصر خطت خطوات مهمة لتأمين مستقبل الأمن الغذائي، عن طريق استصلاح الأراضى، وزيادة الإنتاجية رأسيا، ولكن هناك بعض المشكلات التى نعمل مع الحكومة المصرية على التغلب عليها، مثل مشكلة الفقد فى الإنتاج، التى لا تجعلك تشعر بأى زيادة حدثت فى الإنتاجية، فإنتاج مصر من الخضر والفاكهة، زاد على سبيل المثال 20 مرة عن عام 1980، ولكن هذه الزيادة كان يصاحبها نسبة كبيرة من الفاقد.


 إلى أى مدى تمثل نسبة الفاقد رقما مؤثرا؟


- ترتسم على وجهه ملامح الجدية، إشارة إلى ما سيكشفه من معلومات صادمة، قبل أن يقول: « قضية الفاقد والهدر الغذائى فى ازدياد ويجب العمل على وقفها، فيكفى أن تعلم أن الفاقد والهدر من الخضراوات والفاكهة حوالى من 45 إلى 55 % من الإنتاج السنوي، وتقدر نسبة الفقد فى محصول العنب مثلا بأكثر من 45% وتزيد لأكثر من 50٪ فى محصول الطماطم، ويحدث ذلك خلال مراحل الإنتاج وأسواق التجزئة والجملة. وهذه الأرقام غير مقبولة فى وقت تعانى فيه مصر من زيادة سكانية مطردة، تقتضى استثمار كل مورد، وليس اهداره.


 وما هى جهودكم لمساعدة الحكومة المصرية فى حل تلك المشكلة؟


- تزداد ملامحه جدية قبل أن يقول: لدينا مشروع بدأ فى أكتوبر 2015 وينتهى فى مارس من العام المقبل، ويعمل تحديدا على محصولى الطماطم والعنب لتقليل الفاقد منهما، وبدأ هذا المشروع بالتعرف على حجم المشكلة، واستطعنا تقدير حجم الفاقد والهدر فى المحصولين، ويظهر ذلك فى الأرقام التى قلتها لك سابقا، بعد ذلك عملنا على زيادة القدرات التقنية والإدارية للأطراف المعنية بالمشكلة بدءا من المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، والعمال الزراعيين مروراً بالتجار والمصنعين دون إغفال دور سيدات البيوت، من أجل الحد من الفقد أثناء الاستهلاك المنزلي.


 وهل حققتم نجاحا ملموسا فى هذا الإطار؟


-أدعوك لزيارة الموقع الإلكترونى للمنظمة لمشاهدة فيديوهات عن قصص النجاح التى تحققت، فمثلا فى محصول العنب تم تدريب حوالى ألفى مزارع، لمساعدتهم على التعرف على الأمراض ومعالجتها والحفاظ على جودة المحاصيل، قبل الحصاد وبعده، وتم تدريبهم على متى وكيف يقطفون المحصول، وانعكست نتائج هذه البرامج التدريبية على انتاج المزارعين وزادت أرباحهم.



 بما أننا نتواجد الآن فى مؤتمر عن منتجات النخيل الثانوية وتطبيقاتها، أود أن أعرف جهودكم فى الارتقاء بمحصول التمور فى مصر؟


- يلتفت إلى ملصق دعائى وضعته منظمة الفاو فى المؤتمر، ليقول: « ما يتضمنه هذا الملصق هو بعض من 16 مشروعا تعمل عليها الفاو بالتعاون مع وزارتى الزراعة واستصلاح الأراضى والتجارة والصناعة، ومنظمة اليونيدو، وجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، وممثلى المنتجين والمصنعين، لتطوير قطاع النخيل والتمور فى مصر.


 وما الهدف الأساسى لتلك المشروعات؟


- نحن نسعى لرفع تصدير التمور من 38 ألف طن حالياً إلى 120 ألف طن سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة، إلى جانب رفع متوسط سعر التصدير من 1000 دولار للطن حالياً إلى 1500 دولار خلال نفس الفترة، بما يؤدى إلى تحقيق زيادة فى الميزانية العامة للدولة من 40 مليون دولار حالياً إلى 180 مليون دولار، إضافة إلى زيادة التسويق على المستوى المحلي، ورفع الصادرات من التمور غير المصنعة، بخلاف الاستفادة من المنتجات الثانوية ومخلفات التمور والنخيل، وهى موضوع هذا المؤتمر، مع ضرورة خلق فرص عمل جديدة.


وهل بدأتم فى تلك المشروعات؟


- قمنا مؤخرا بتدشين مشروع «تطوير سلسلة القيمة لتمور النخيل فى مصر»، والذى يتم تطبيقه فى كل من واحة سيوة، والوادى الجديد، والواحات البحرية، وأسوان، حيث تستهدف الفاو، من خلاله إحداث نهضة شاملة لقطاع النخيل والتمور فى مصر تعتمد على التطوير السريع والمستدام لمنظومات إنتاج وتجميع وتعبئة وتصنيع وتصدير التمور، وذلك عبر تدريب المهندسين والمرشدين الزراعيين والمزارعين والنخالين ومصنعى ومسوقى التمور.


أخيرا: احتفلتم قبل سبعة أشهر بمرور 40 عاما على افتتاح مكتب منظمة الفاو بمصر.. ماذا كانت تعنى هذه المناسبة بالنسبة لك؟


- مصر بلد عزيزة على قلبى وأنا أعتبر نفسى مصريا اهتم بكل ما يشغل بال مواطنيها من تحديات.. والفاو خلال الأربعة عقود الماضية نفذت أكثر من 170 مشروعا بقيمة إجمالية بلغت 3 مليارات جنيه، ونحن مستمرون فى دعم كل ما يساهم فى تحقيق الأمن الغذائى المصري.