رد الإفتاء على سؤال حول كيفية الإيمان بالغيبيات

صورة موضوعية
صورة موضوعية

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤالا حول كيفية الإيمان بالغيبيات، دون رؤيتها والتي منها الملائكة والجن والجنة والنار، والفرق بين العلم والإيمان.

وأجابت أمانة الفتوى، بأن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة للعالمين، وهو العهد الأخير الذي عهد به الله إلى خلقه، ولذلك فهو يصلح لكل الأسقف المعرفية، ويتناغم مع جميع الحقائق العلمية.

وأضافت: «المسلمون يعتقدون أن الوحي هو كتاب الله المسطور، وأن الكون هو كتابه المنظور، وكلاهما صدر من عند الله؛ الوحي من عالم الأمر، والكون من عالم الخلق، وما كان من عند الله تعالى لا يختلف ولا يتناقض»؛ ولذلك قال الله تعالى: «لا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين» [الأعراف: 54]، ومن هنا كان للمعرفة في الإسلام مصدران هما: الوحي، والوجود، وليس الوحي فقط.

ولفتت إلى أن الإسلام يقرر أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة؛ حيث يقول تعالى: «وفوق كل ذي علم عليم» [يوسف: 76]، ويقرر أن المؤمن بهذا الدين ينبغي أن يكون في بحث دائم عن الحقائق، وإذا وجدها فهو أحق الناس بها؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه واله وسلم: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها» "سنن الترمذي".

واستكملت ردها بأن «الإسلام دين علمي يشتمل على قواعد الفهم وأسس الاستنباط ومناهج التطبيق، كما أنه يتسق مع المفاهيم العقلية؛ لأن العقل من خلق الله تعالى، فهو يؤمن بكل وسائل العلم المختلفة ما دام أنها توصل إلى اليقين، فإذا حصل اليقين فهو مقدم على النتائج الظنية، ولكنه في نفس الأمر لا يقصر العلم على التجريبيات فقط، بل يتعداها إلى كل ما من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة صحيحة حتى لو لم تكن حسية، ويعتقد المسلمون أن الإيمان بالغيب لا يخالف العقل؛ لأنه جاء بما يفوق العقل، ولم يأت بما يستحيل في العقل».

وأوضحت ذلك بأن هناك فارقا بين المستحيل العقلي وهو الجمع بين النقيضين، وبين الأمر الخارق للعادة وهو معجزات الرسل مثلا، فلا يمكنني أن أومن بأن واحدا مع واحد يساوي ثلاثة مثلا، بينما لا يوجد في العقل ما يمنع من وجود مخلوقات أخرى لا أراها، أو أن الماء نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه واله وسلم، أو أن الله يخبره بما يخبئه الناس في بيوتهم أو صدورهم.

وتابعت: «الإسلام يشكل منظومة متكاملة بين العلم والإيمان، تبدأ من دلالة هذا الكون على وجود الله تعالى، وأنه لم يخلقهم عبثا، بل أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الوحي الذي يطبقون به مراده من الخلق، ثم ختم هؤلاء الرسل بمحمد صلى الله عليه واله وسلم، وجعل لرسله من المعجزات والخوارق شديدة الوضوح ومن النصر والتأييد ما يقيم به الحجة والدليل على أنهم من عند الله».

وانتهت من ذلك بأن العلم والإيمان وجهان لعملة واحدة، وكل منهما يكمل الاخر، فكلما ازداد الإنسان سعة في فروع العلم التجريبي المختلفة أحس بمدى الإحكام والإتقان والإبداع الذي أقام الله عليه الخلق وأيقن أن الكون مليء بالحقائق والأسرار التي لم يعرف منها البشر إلا قليلا، فيزداد بذلك إيمانه بالله تعالى وحبه لهذا الخالق العظيم؛ ولذلك فإن كل ما يوصل إلى الله تعالى في هذا المجال يعد إيمانا، وفي المقابل فإن الإيمان بالغيب سيجعله في اتساق ورحمة ومحبة ونبل مع هذا الكون الذي يسبح الله تعالى ويسجد له، كما سيعلمه أيضا سعة الأفق، وأن عليه أن لا يسارع إلى إنكار الحقائق قبل البحث والتأني والنظر والدراسة، كما يقول تعالى واصفا المكذبين: «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله» [يونس: 39].