حروف ثائرة

محمد البهنساوي يكتب: الأمل.. من خطاب الطيب لتغريدات ساويرس

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

«لا صوت يعلو على صوت تجديد الخطاب الديني».. هكذا يجب أن تكون الحالة في مصر.. فمعركة تجديد الخطاب الديني أهم المعارك الحالية التي يجب أن نخوضها دفاعا عن دين هو أعظم الأديان السماوية.. لكن وبكل أسف أساء له الكثيرون من أبنائه أكثر من أعدائه.. حتى ترسخ لدى العالم صورة مغلوطة ومسيئة للمسلم بأنه شخص دموي يعشق الدمار.. وأن الإسلام دين رجعي لا يصلح للحاضر ولا يحتمل تبعات التطور.. أعلم أن كلامي قاس.. لكن لا يختلف عليه كل مسلم معتدل ومنصف.. ولكي نمحو تلك الصور المغلوطة عن ديننا الحنيف ورسول الإنسانية.. فهى معركة ليست سهلة لنظهر ديننا وحقيقة وسطيته وسماحته.

 

وأخشى أن تتحول معركة تجديد الخطاب الديني إلى ضجيج بلا طحين.. وهنا أشير إلى حدثين توقفت أمامهما كثيرا الأسبوع الماضي أحدهما إيجابي والثاني لا أستطيع وصفه لكن يجب تداركه.. الموقف الأول تلك التغريدات التي طالعنا بها رجل الأعمال الأشهر نجيب ساويرس واعتبرتها «بوابة أخبار اليوم» في تقرير لها أنها اقتحاما لملفات مسكوت عنها.. وأعتقد أنها تدشن عهدا جديدا لحوار الأديان.. ومن تلك التغريدات :- «لو خُيرت بين مصلحة طائفتي أو مصلحة بلدي هختار مصلحة بلدي».. «أنا مسيحي ومؤمن بديني وبتضحية السيد المسيح وبالله الواحد علشان محدش يتحير».. «عرفت وقرأت عن الأديان الأخرى ومازلت متمسك بديني ومقتنع بيه» ليختتمها بعد حوارات ساخنة « أنا سعيد بديني كما أنت سعيد بدينك.. فى النهاية محدش اختار دينه والله واحد للكل ولو شاء ربك لوحد الأديان».

 

وسعادتي هنا لسببين أولهما أن ساويرس المعروف بجرأته في اقتحام القضايا الخلافية لم تشفع له جرأته ليقتحم هذا الملف الحساس بتلك القوة.. أي أنه استشعر أن هناك تطورا يحتمل ويتقبل فتح تلك الملفات التي يجب ألا تكون حساسة.. والسبب الثاني الذي أسعدني أكثر الردود على شخص أطلق على نفسه «أحب الصالحين ولست منهم» والذي قال: «ساويرس أدعوك للدخول في الإسلام.. تكون بكدا كسبت الدنيا وكسبت الآخرة وكسبت المسيح ومحمدا عليهما الصلاة والسلام، أما لو فضلت كافر بمحمد صلى الله عليه وسلم هتكون كسبت المليارات في الدنيا لكن خسرت الآخرة».. والمتابع لسيل التعليقات وأغلبها من المسلمين يدرك تطورا في قبول الآخر ورفض «الإكراه في الدين» أو الدعوة للإسلام بغير حكمة أو موعظة حسنة كما أمرنا ديننا الحنيف.. فقد شن المغردون المسلمون هجوما كاسحا على من وصف نفسه بأنه ليس من الصالحين وأنا معه في هذه التسمية.. وشرحوا له أن كل شخص حر في دينه.. وأن أمثاله هم من يسيئون للإسلام.. وكلمات وجمل رائعة تؤكد أن المجتمع أصبح وبحق مستعدا لحوار حقيقي داخلي بين المصريين الأقباط والمسلمين ولخصت سيدة رائعة تلك الحالة في تعليقها قائلة «الإسلام نعمة لن يزيد باعتناق أحدهم له عزا، ولن ينقصه إدبار أحدهم، دعوا الخلق للخالق... لكم دينكم ولى دين، ديننا أخبرنا أن المسيحيين أقربهم لنا مودة وهذا الأهم».

 

أما الموقف الثاني والذي جاء متواكبا مع تغريدات ساويرس كلمة فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب في الاحتفال بالمولد النبوي.. حول حتمية السنة النبوية وحاكميتها وما تبعها من هجوم كاسح على الإمام الأكبر وهجوم مضاد دفاعا عنه.. لقد دافعت كثيرا عن الإمام الأكبر عندما تعرض لهجوم غير مبرر.. فهو رمز للإسلام والمسلمين يجب الحفاظ على مكانته وتدعيمها.. وأرى في الهجوم الحالي عليه مكايدة لا مكان أو زمان لها الآن.. والأفضل أن نوفر الوقت والجهد في محاولات الإساءة للإمام وهدم مكانة الأزهر لحوار إيجابي نحتاجه لتجديد الخطاب الديني.

 

لكن في نفس الوقت وبصراحة شديدة.. ولأن كلام الإمام الأكبر حول حجية السنة النبوية وضرورة إقامتها هو كلام مستقر وثابت ولم يكن بحاجة لإقرار خاصة أن الأصوات التي تنادي بهذا لا تستدعي وقت وجهد الإمام الأكبر الذي يجب أن يرسخ لتجديد الخطاب الديني وتنقية كتب الأزهر من الشوائب التي تسيء له ولنا.. لقد تمنيت وانتظرت كثيرا أن يخرج علينا الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف بتصور واضح ومحكم لترسيخ الصورة الصحيحة للإسلام في أذهان أبنائه أولا حتى يكون مقنعا لغير المسلمين.. لكن لا يخفى على أحد الخلاف بين الأزهر والأوقاف.. وبين علماء الأزهر أنفسهم.. ونزوغ شخصيات من كل الأطراف عن جادة طريق الحوار لتزوينا في أنفاق خلاف واختلاف يفيد فقط أعداء الدين.

 

الأمر جلل.. والوقت يداهمنا.. والمتربصون بديننا يحصدون ثمار خلافنا.. فمتى نفيق ؟!!