حكايات| حارة المستوقد.. رحلة وداع فول العجمية «أبو نار هادية»

حارة المستوقد - تصوير محمود عبد العزيز
حارة المستوقد - تصوير محمود عبد العزيز

شارع ضيق لا تظهر من ملامحه إلا اسم الحارة، والتي اتخذت من خلف البيوت القديمة بشارع المعز في الجمالية، موقعًا لها لطهي الفول على نار «هادئة».. هنا مستوقد الفول بالمرجوشي «كان زمان وجبر». 

 

لعشرات السنوات ظلت النار الهادئة قاسمًا مشتركًا يجمع بين مستوقد المرجوشي والحمام الأثري فعليها تستقر أكثر من «قِدرة» فول وبها يتم تسخين مياه الحمام؛ لكن انتهى العصر الذهبي للمستوقد وبقي الحمام في موقعه محتفظًا بتاريخه.

 

اقرأ حكاية أخرى|  أبو «دقة» جنان.. «الكشري» أكلة ليست مصرية

 

جراج عربات الفول

 

بعد عبور شارع ضيق مُظلم مزدحم بعربات الفول، وبعض الأغنام والماعز، التي  بدت وكأنها حرس شرف على المستوقد، بدت القمامة العنصر الأبرز والأكثر انتشارًا في الموقع، والتي يتم استخدامها في إشعال نار المستوقد، ومنها تغلي ماء حمام المرجوشي في خزانات ضخمة ليستخدمها زبائن الحمام التراثي.

هنا كان أصحاب عربات الفول والمطاعم الشهيرة وبعض الفنادق التي تحمل أسماء كبيرة؛ على مر الزمان يأتون لتسوية «قدرة الفول» الخاصة بهم، نظير مبالغ زهيدة حتى ارتفعت إلى 15 جنيهًا، ثم وصلت حاليًا إلى 30 جنيهًا؛ حيث كانوا يتركون «القدرة» نهارا، وكل واحدة تحمل اسم صاحبها، ليتم تسويتها طوال اليوم ويتسلمها صاحبها مع طلوع الفجر.

 

«وش» القدرة

 

على مر السنين، اشتهر فول المستوقد بمذاقه الخاص، وعُرف بـ«فول العجمية»، كما كان الزبون سعيد الحظ هو من ينول طبق فول من «وش القدرة»، لكن حاليًا لم يعتاده إلا القليل من أصحاب عربات الفول من تربطهم علاقة صداقة وثيقة مع صاحب المستوقد ويُدعى «محمد الحاج».

 

«3 قِدر فول» فقط يتم تسويتها على نار البوتاجاز، بعدما منعت وزارتي البيئة والصحة أصحاب المستوقد من حرق القمامة الملوثة للبيئة، لتدخل على الصنعة «بابور الجاز» وأخيرًا البوتاجاز ومواد تُشترى من العطارين لسرعة تسوية الفول.

 

اقرأ حكاية أخرى|  «فياجرا الدمايطة».. قصص المُتعة مع الشبار الأخضر

سر الصنعة

 

محمد الحاج، صاحب المستوقد، يمتلك من الفصاحة ما يمكنه من وصف الحال الذي وصل إلى المستوقد.. «للأسف انتهى العصر الذهبي للمستوقد، وبعدما كان يسع 40 قدرة، باتت زبائنه يُعدون على أصابع اليد، وأصبح كل صاحب عربة فول يسوي قدرته في المنزل مستخدما مادة يتم شراؤها من العطارين، ولا يستغرق معها الفول نصف ساعة ليتم تسويته».

 

أما سر الصنعة فيتحدث محمد الحاج عن أن الفول ذو المذاق الجيد يتم تسويته على نار هادئة ويوازن بين الماء والنار، ويضاف له كمية صغيرة من العدس وماء البليلة حتى يصبح «فول مسبك» أو كما يسمونه «فول العجمية»، وتوضع له مادة – غير ضارة – لتضيف عليه اللون الأحمر.  

 

«لا أرغب في ترك مهنة أجدادي، أنا ورثتها واشتهرت بها في حي الجمالية، ورغم أن المستوقد لا يأتي بهمه إلا أنني محتفظ به حتى الآن بجانب تجارة الماشية وحرف أخرى لتغطية نفقات البيت».

 

اقرأ حكاية أخرى| «الذواقة».. التكافل الاجتماعي على طريقة سيدات «بدو مطروح»

 

بين الجورة والبوكشة

 

ذكريات «الحاج» مع المستوقد لا تزال محفورة في ذاكرته، خاصة عندما كانت تأتي عربات الكارو محملة بالقمامة، التي يسمونها النشارة ويتم إنزالها بالمستوقد، حتى حرقها في حفرة تُسمى «الجورة» التي توضع بها قدر الفول، وتطلق عليها «البوكشة» لتشتعل عليها النار طوال الليل، ومع طلوع الفجر يأتي أصحابها لاستلامها، أو تسلمها عربة كارو تابعة للمستوقد لأصحاب عربات الفول. 

 

ورغم الإقبال الضعيف على المستوقد إلا أن «محمد الحاج» يتوسم خيرا في شهر رمضان الذي يزيد معه الإقبال؛ حيث يقبل المصريون على الفول بشكل خاص في السحور، ويتغير معه طقوس عمله؛ إذ يعمل على تسوية الفول طوال النهار ليتسلمه أصحاب العربات والمطاعم قبل المغرب ليباع للزبون بداية من أول الليل.

 

يتحسر أصحاب المستوقد، وأولهم والد «محمد الحاج» الرجل الطاعن في السن الذي لا يستطيع مفارقة غرفته، على أيام العز وزبائن المستوقد الكثيرين، ولعل حسرته على طعم الفول الذي تغير – بحسب وصف – ولم يعد مثل فول زمان الذي كان يلقبه بفول العجمية أو كما يلقبه الزبائن بفول المستوقد ذو الطعم الممتاز.