حوار| مستشار مفتي الجمهورية: نواجه عشوائية الفتاوى بدورات لـ«صناعة المفتى»

مستشار المفتي خلال الحوار
مستشار المفتي خلال الحوار

- منتديات الشباب تسهم فى تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام

- «اللجنة القومية لإيجابيات التواصل» خطوة قوية لمكافحة الأكاذيب

- تجديد الخطاب الدينى ضرورة لبناء الشخصية السوية والتمسك بالهوية الوطنية

 

تنسِلُ الجماعاتُ المتطرفة والإرهابية دومًا فى جُحور الفتاوى الشاذة ، فمنها تتلمس طريقها إلى القتل والتدمير ، وببركتها تظن ، وكل ظنها إثم ، أنها ستدخل الجنة وتعبث مع الحور العين؛ ولذلك كانت الضرورة مِلحاحًا لإغلاق باب فتاوى السداح مداح بالضبة والمفتاح أمام تُجار فتاوى الموت والتشدد ممن لا يملكون سوى «اللحية» و»الجلباب» مؤهلًا لتصريف بضاعتهم المُزجاة.

 حاضر الإفتاء ومستقبله أصبح عمودًا من أعمدة الأمن القومى المصري ، حقًّا وحقيقةً ، واقعًا ودراسةً.. ومن هنا تأتى أهمية مؤتمر الإفتاء الأخير كخطوة فى طريق تجفيف نهر الفتاوى الآثمة والمحرضة على الوطن من ذوى المآرب الشيطانية.. ومن هنا أيضًا تأتى أهمية الحوار مع الدكتور مجدى عاشور ، مستشار مفتى الجمهورية ، وأحد أعمدة دار الإفتاء العتيدة ، ممن أسهموا صادقين فى تقطير العلوم الفقهية فى جرعاتٍ مخففةٍ لتصلح إلى عقول البسطاء أمنًا وسلامًا.. فإلى نصّ الحوار:


فى مؤتمر الشباب الأخير وجه الرئيس بتشكيل لجنة قومية لبحث إيجابيات التواصل الاجتماعي.. كيف تؤثر تلك الوسائل على عملية التضليل الفكرى للشباب؟
- لا بد أن نشيد فى البداية بتوجيه الرئيس السيسى الأخير ضمن فعاليات منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ بضرورة «تشكيل لجنة قومية لمناقشة إيجابيات التواصل الاجتماعى وزيادتها والعمل على تقليل سلبياتها».. لأنه لا يخفى أن هذه الأدوات محل استغلال كبير فى عملية التضليل ونشر الشائعات والأكاذيب خاصة التى تلهب المشاعر والعاطفة.. وتعد مبادرة الرئيس خطوة مهمة وقوية وإيجابية فى سبيل الاستفادة الصحيحة من هذه الوسائل المهمة وتوحيد الجهود المبذولة فى هذا الشأن.


- هذه الرؤية والرسالة حتى تكون واقعا لا بد أن تنطلق من رؤية وخطة استراتيجية متكاملة تشمل المحاور والجوانب الفكرية والثقافية والقانونية والأمنية والدبلوماسية مما يتطلب مشاركة كل المعنيين فى بلورتها وصياغتها.. ولعل أولى الخطوات فى ذلك توفير المعلومات والإجابات الصحيحة على الأسئلة العامة والخاصة فى مختلف المجالات.. كذلك ينبغى التفكير فى ابتكار قوالب مناسبة ينشر من خلالها القيم الدينية والأخلاقية بين مستخدمى هذه المواقع وعدم وقوعهم فى سلبياتها كالكذب أثناء التواصل مع الآخرين ، وظهور بعض الأنماط الدخيلة على المجتمعات ، وإهمال صلة الأرحام والعلاقات الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء من أجل إقامة روابط وعلاقات أكثر تحررًا من المعايير القيمية والاجتماعية.

إنسانية الإسلام
 إذن هل ترى أن منتديات شباب العالم بشرم الشيخ تسهم فى تأكيد فكرة إنسانية الإسلام؟

- بالطبع ، تسهم مثل هذه المبادرات العمليَّة وبشكل مباشر على تأكيد جملة من حقائق الإسلام الحنيف ، ومنها: أن الإنسان هو محور الكون كله ، و»لولا الإنسانُ ما كانتِ الأديانُ»؛ كما أنها تؤكد على أن الإنسان لا يميل إلا إلى أخيه الإنسان ، دون النظر إلى الدوائر الأخرى المشتركة بينهما ، كالوطن ، والدين ، واللغة ، والمعتقد ، وغير ذلك ، وإن كانت هذه العوامل مما تزيد الروابط وتُقوِّى الاندماج ، ولكن يظل الأصل والقاسم المشترك شهود «الإنسانيَّة» التى خاطب الله تعالى بها خلقه جميعًا فى القرآن الكريم ، فكم من آيات بدأت بقوله:{يَا بَنِى آدَمَ} ، وأخرى افتُتِحَتْ بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ}. وبذلك تحقق مثل هذه المنتديات والمؤتمرات العالمية فرصة كبيرة لخلق حوار بنَّاء بين الحضارات والثقافات والأديان المختلفة ، وكذلك تساهم فى تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام وبلادنا ، وذلك لكونها معايشة حقيقية بين المشاركين ، خاصة أنهم من الشباب بما يمثلون من طموحات وآمال المستقبل.

بيئة الفتوى
 مسألة الإحاطة بالواقع وتوافق الفتوى مع البيئة ضرورة لاستنباط الأحكام.. ما الذى تقوم به دار الإفتاء فى هذا الشأن؟

- من المقررات الإفتائية أن «عدم الإحاطة بالواقعة لا يتصور معه استنباط حكم شرعى صحيح لها» ، فالمفتى ابن بيئته ، وليس له أن يُفتى بمعزل عن مؤثرات الواقع خاصة فى المسائل الاجتهادية ، التى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص ، لذا نلاحظ حرص الفقهاء والمفتين عبر العصور على ضبط منهجية الإفتاء ومراحل إعدادها وفق ترتيب منطقى يحول ذلك إلى أمور إجرائية ومنها: مراعاة الواقع وعوالمه الخمسة ، وهى عالم الأشخاص ، وعالم الأشياء ، وعالم الأفكار ، وعالم الأحداث ، وعالم النُظُم ، وجهات تغيره الأربع ، بحيث إنه قد توجد فتوى فى كتب التراث مناسبة لواقع زمانها؛ ولكن الحال تغير بعد ذلك فاقتضى الأمر عدم الأخذ بها ، ومن ثم الاجتهاد فى موضوعها من جديد دون تسفيه لما قام به سلفنا من العلماء فى تلك الفتوى.

 ولكن ألا تعتقد أن ذلك يحتاج إلى تدريب عملى وليس إلى دروس نظرية فقط؟
- بالضبط ، ولذلك تولى دار الإفتاء أهمية خاصة فى سبيل الاطلاع على الواقع الصحيح من خلال المتخصصين فى المجالات المختلفة ، وتعقد فى سبيل ذلك بروتوكولات التعاون مع كافة المؤسسات والأكاديميات العلمية للاستفادة من خبراتها ومنتجاتها العلمية ، كما توفر دار الإفتاء لعلمائها وباحثيها دورات تدريبية بصورة دورية يتم فيها التعريف بالواقع من جميع جهاته ، لإدراكه والإحاطة به.. وهذا إيمانًا من دار الإفتاء المصرية بركنية إدراك الواقع وتصويره على وفق ما هو متحقق ، فضلا عن كون كثير من المستجدات والقضايا المعاصرة تتسم بالتعقيد واشتراك أكثر من عنصر فى تكوينها ، فمنها ما هو نتاج تطور تكنولوجى أو طبى وهكذا.

 كيف نستفيد عمليا من مؤتمر الفتوى الأخير بحيث تكون هناك ضوابط ملزمة تمنع الإفتاء من غير المتخصصين؟
- أثمر مؤتمر الأمانة الرابع عن عدة برامج ومشروعات ومبادرات من شأنها ضبط وتنظيم عملية الإفتاء ، وهى مبادرات جادة تحتاج من مختلف المؤسسات التكاتف فى ترجمة ذلك إلى واقع عملى ملموس سواء بالقوانين والتشريعات أو بمؤسسات التدريب أو تضمين ذلك فى المناهج والمواد الدراسية خاصة فى الكليات والمعاهد ذات الصلة ، وقد أسفر المؤتمر عن أول ميثاق عالمى للإفتاء ، والذى تضمن تحديد أخلاقيات الإفتاء ووضع بنود لثقافة الإفتاء الرشيد ، وهذا سيثمر وبصورة مباشرة فى الخروج من أزمة فوضى الفتاوى وشذوذها ، كما أطلق أول مؤشر عالمى لرصد وتحليل حالة الفتوى فى العالم وهو بادرة علمية منضبطة بعدة معايير موضوعة من قبل المتخصصين فى مجالات متنوعة من أجل القيام بتحليل وتقويم الخطاب الإفتائى وملاحظة اتجاهاته ، مما يثمر فى وجود رؤية كاشفة تساعد أصحاب القرار والمؤسسات المعنية ، وكذلك تم وضع إطار لمنهج دراسى لتأهيل طلاب الفتوى والمتصدرين لها مع مراعاة التجارب السابقة له.

فوارق دقيقة
هل هناك فارق بين الفتوى العامة التى تخص المجتمع كله وبين الفتوى الخاصة.. وهل يجوز لأئمة المساجد الفتوى بالأمور الشخصية؟

- نعم هناك فوارق دقيقة بين الفتوى العامة وبين الفتوى الشخصية ، فالعامة هى التى تمس أمور الأمة وعامة المجتمعات ، وهذا النوع ينبغى أن يرجع أمر الفتوى فيه إلى المجامع والمؤسسات الرسمية لخطورته وحساسية موضوعاته وتعقيد واقعه؛ أما الفتوى الشخصية فهى على صورتين: الأولى أن تكون من المسائل المبحوثة من قبل أهل العلم أو المؤسسات ومدون فيها الأحكام الشرعيَّة فهذه يجوز لكل من درس الفقه وعلومه وتأهل للفتوى أن يفتى فيها بما عليه المؤسسات المتخصصة بالفتوى كدار الإفتاء المصرية مثلا؛ خروجًا من العهدة والتبعة الفردية ، وأما الصورة الثانية من الفتوى الشخصية فتكون من المستجدات على الساحة لكنها متعلقة بشخص أو واقعة بعينها ولم يتم بحثها من قبل ، فهذه أيضًا ينبغى أن يتهيب الأفراد فى التصدر لها بل يرجع فيها لأخذ رأى المجامع والهيئات والمؤسسات العلمية بشأنها ، من أجل حماية السائل من الوقوع فى الخطأ وحماية المجتمع من إثارة البلبلة.

 هناك من يقول بأن وقف الفتوى على أشخاص بأعينهم نوع من الكهانة الجديدة.. كيف تواجه هذا الزعم؟
- لا يخفى أن وقف الفتوى على أشخاص بأعينهم من أهل التخصص هو بمثابة الأمور الإجرائية التى توضح مصادر الفتوى والأحكام التى يواجهها من يخالف ذلك ، من أجل ضبط وتنظيم الفتوى والقضاء على مظاهر الفوضى والشذوذ والتطرف التى شاعت فى هذا المجال فى الآونة الأخيرة ، مما هدد النسيج المجتمعى وشكل خطرا حقيقيًّا على الأمن القومى للبلاد.. ومثل هذه الإجراءات ليست من الكهانة فى شيء؛ لأننا لم نجد أحدًا ممن تضمنت النشرات الرسمية أسماءهم ادَّعى أنه مختار من الله تعالى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، أو ادَّعى أنه لا يجوز الاعتراض على أقواله واجتهاداته ، كما أن هذا التنظيم لأمر الإفتاء مما لا يحد من حرية الرأى والتعبير بقدر ما يُعَظِّم الاستفادة من هذا المجال الحيوى وعدم استخدامه فى الهدم والتجريح وإحداث الفوضى والاضطراب فى المجتمع.

هل تعتقد أن وسائل الإعلام مقصرة فى توصيل رسالتكم الفقهية إلى الناس؟
- العديد من وسائل الإعلام تحرص على تقديم الإسلام وشرح حقائقه بصورة معتدلة ، لكن لا تزال المساحة الإعلامية المتاحة للبرامج الدينية غير كافية لتوعية الجمهور ، الذى يتطلب اتساع هذه المساحة بصورة ملائمة ومناسبة لنشر الوعى الدينى والثقافى شريطة أن يراعى فى تحديد الموضوعات: ترسيخ القدوة بين أفراد المجتمع خاصة الشباب ، وثقافة الحوار وتصحيح المفاهيم ، لا سيما مع التحديات الكبيرة التى يواجهها المجتمع من أصحاب الفكر المتطرف.


صناعة المفتي!
رأينا كيف كان الإرهابيون والمتشددون يستغلون المساجد للترويج لأفكارهم.. هل توجد توافقات بين دار الإفتاء والأوقاف لنشر الفكر الوسطى ومواجهة عشوائية الفتاوى؟

- هناك تعاون وثيق بين دار الإفتاء ووزارة الأوقاف لنشر المنهج الوسطى بين الأمة ، خاصة فى مجال الفتوى والرد على أسئلة واستفسارات رواد المساجد ، وبالفعل يتم عقد المجالس الإفتائية لكبار علماء دار الإفتاء فى عدة مساجد كبرى بالقاهرة والجيزة والقليوبية وأسيوط والإسكندرية.. كما أن هناك تنسيقا مع وزارة الأوقاف فى مجال التدريب على الفتوى ، فعقدت دار الإفتاء عدة دورات متخصصة أولت فيها اهتمامًا كبيرًا بـ»صناعة المفتي» ، من خلال تلقى الأئمة المتميزين تدريبًا مكثفًا يشمل دراسة 11 مادة علمية تشمل العلوم الشرعية وعلوم الواقع؛ للوصول إلى تأهيل الإمام وتسليحه بالخبرات العلمية والإفتائية حتى نساهم فى القضاء على عشوائية الفتاوى.

 يقولون إن تجديد الخطاب الدينى يبدأ من الفتاوى المنضبطة.. ما مدى صحة ذلك؟
- هذا القول صحيح من جهة أن الفتوى تتضمن الاستفتاءات الرسمية والشعبية والتى تبرز صورة صادقة لواقع الناس والعصر ، وبقدر ما تكون هذه الأحكام الشرعيَّة التى تشتمل عليها الفتوى محققة لمقاصد الشرع وملائمة لواقع كل مسألة بقدر ما نأخذ بأيدى الناس نحو التحلى بالأخلاق والقيم الفاضلة بما يسهم بشكل إيجابى فى مشاركة فاعلة للأمة فى مسيرة الإنسانية نحو التقدم والحضارة.

 ما آخر الآليات التى تتخذها دار الإفتاء المصرية للتجديد فى القضايا الفقهية؟
- من حيث المناهج بلورت عدة قواعد لضبط عملية إصدار الأحكام الشرعية كعدم الجمود على رأى واحد ، والأخذ بالاختيار الفقهى من بين أقوال المذاهب الأربعة وعلمائها ، بل نصت على التوسع إلى أقوال مجتهدى الإسلام والمذاهب الأخرى المتبعة لدى الأمة ، وتطرق دار الإفتاء باب الاجتهاد المباشر من الأدلة الشرعيَّة.. وتبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أعلى درجات التواصل والتعاون مع الأمة بتنوع طبقاتها ومستوياتها من خلال القنوات والوسائل المتنوعة ، سواء الوسائل المعهودة كالإذاعة والتلفزيون ، أو عبر ما يُسمى بـ «الإعلام الجديد» ، وكذلك أطلقت تطبيقات للفتوى على أنظمة «أندرويد» ، و«آى أو إس» لأجهزة الهواتف الذكية ، إيمانًا من دار الإفتاء بضرورة مواكبة التكنولوجيا الحديثة فى وسائل الاتصال ، لضمان الوصول لأكبر شريحة ممكنة من المسلمين حول العالم.. كما تعمل المؤسسة على تطوير ذاتها فنيا وإداريًّا بصورة دورية حيث أنشأت فى السنوات الأخيرة ، إدارتين هما: «الفروع الفقهية» ، و«نبض الشارع» ، لاستكمال الشجرة الفقهية.

تجديد الخطاب
«الخطاب» الدينى أصبح القضية الأبرز الآن ماذا تُقدم أفكار «التجديد» لمسيرة تقدم الأمة؟

- قضية التجديد لها أهمية كبرى فى منظومة العمل ومسيرة التقدم بكل جوانبها ، لأنه قد أصبح من أبجديات تحقيق نجاح أى عمل فردى أو جماعى فى مجالات الحياة أن نهتم بتكوين عقل الإنسان وبناء شخصيته وتنميتها بصورة صحيحة تتناسب مع عصره ولا يفقده هويته ، وهذا الدور لا يؤديه إلا التجديد فى سائر العلوم وشئون الإنسان ، كما يلحق التجديد فى الثوابت أيضًا وينحصر فى كيفية توصيلها لأهل كل عصر بما يتفق معهم والأدوات النافعة والمقنعة لمقتضيات ذلك العصر ، وإزالة كل شبهة قد تعترى الناظر فيها أو حتى المتحقق بها ، أو يكون التجديد المتعلق بالثوابت هو بالرجوع إليها لمن جحدها أو شكك فى ثبوتها ، أو اختلفت الأنظار والرؤى فى المتغيرات حوله فأصابه الشتات والحيرة من كثرتها وعدم الوقوف على أمثلها طريقة أو أقواها صحة أو أصحها منهجا ، فنرجع إليها لنحتمى بها ونحتكم إليها ، كل ذلك لتظل تلك الثوابت كما هي ، وإلا كان الخلل فى المتعاطى لها والمدافع عنها.. وعلى ذلك فتظهر أهمية التجديد فى دعم العمل المتقن ومسيرة التنمية من خلال تصحيح المفاهيم وترسيخ الأمل واستشراف المستقبل ومن ثَمَّ يتبع ذلك العمل ، ويقاس تقدم المجتمعات بمدى اهتمام أفرادها بالعمل وجديتهم فى أدائه بأمانة وإتقان.

قضايا التعايش
 كثيرا ما يتم استغلال قضايا الأسرة وعلاقة المسلم بأصحاب الديانات الأخرى فى إثارة البلبلة.. كيف تتم معالجة هذه الأمور؟

- لا شك أن الأمة تعرضت فى العقود الأخيرة لعدة تحديات أفرزت عدة تحولات كبرى عالميا ومحليا وأنتجت مشكلات صعبة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديًّا ، وتحتل قضايا التعايش والأسرة أولى هذه التحديات لما يثار حولها من لغط وتشويه ، مما يُشكل تحديًّا كبيرًا ومباشرًا على كيان المجتمع الإنسانى وهويته ، فضلا عما يتحقق جراء ذلك من الإضرار بأمن وسلامة الوطن والدولة ، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير يستلزم تكاتف جهود المؤسسات والمجتمع حتى نجنب هذه الأجيال بل الأوطان الأسباب الداعية لذلك فى السلوك وفى الأخلاق وفى الأفكار.. أما بالنسبة لعلاقة المسلم بأصحاب الديانات الأخرى ، فهى ترتكز على أسس واضحة ، فالأمور العقدية لا تُباع ولا تُشترى.

 ولكن البعض لا يفرق بين مفهوم التعايش مع الآخر والذوبان فيه.. كيف توضح ذلك؟
- بالطبع إن إشاعة ثقافة الحوار وإرساء مبادئ التعايش بين أتباع الأديان لا يعنى ذوبان أحد الأطراف فى الآخر ، لكنه يعنى الإقرار بوجوده؛ فالتعايش إنما يكون بين ذاتين أو أكثر بينهما تمايز ، وحتى يبقى ذلك التعايش قائمًا ، فإنه يفترض احترام التمايز والفروق والحياة الخاصة والتطلعات المشروعة لكلا الطرفين تجاه بعضهما البعض ، ولذا لا بد من إرساء الحوار بين الأديان على عدة أسس رصينة ، والتى من بينها: احترام الإرادة الحرة لدى الأطراف كافة ، والبر والقسط خاصة مع الآخر المسالم ، والتفاهم والالتفاف حول الأهداف والغايات والقيم المشتركة والعمل على تحقيقها ، وصيانة هذا التعايش والحوار بسياج من الاحترام والثقة المتبادلة بين الأطراف.. كما أطالب بإطلاق المبادرات العلمية للحوار بين المتخصصين فى علوم الأديان وتنظيمها لجمع الكلمة بين أتباع الأديان فى مواجهة فكرية مع الإلحاد والاتجاهات الفكرية المعادية للأديان مع نشر هذه الجهود فى دوريات علمية وعبر الوسائل الحديثة المختلفة.

تنظيم الأسرة
 فى ظل تحديات تزايد السكان وارتفاع مستوى المعيشة ، ما زال هناك لغط بين البسطاء حول مشروعية تنظيم الأسرة.. ما رأيك؟

- المقصود بتنظيم الأسرة أن يتفق الزوجان على تباعد فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان لتقليل عدد أفراد الأسرة بصورة تجعل الأبوين يستطيعان القيام برعاية أبنائهما رعاية متكاملة بدون عسر أو حرج أو احتياج غير كريم.. وهو أمر جائز شرعًا ، بل تشتد الدعوة إليه أخيرًا بعد ملاحظة تزايد السكان وعدم كفاية الإنتاج لسدِّ مطالبهم ، والله تعالى لا يرضى أن يضار والد ولا والدة بسبب ولدها ، قال الله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}(البقرة: 233) ، وهذا وإن كان خبرا فى الظاهر لكن المراد منه النهي ، عن المضارة بالأولاد ، خاصة أن الشريعة تدعو إلى الأخذ بأسباب القوة والعلم والإنتاج ، وهذا لا يتأتى غالبًا إلا بالعناية والاهتمام الكبير بالأبناء .

 وهل تتضمن فكرة تنظيم النسل الاعتراض على قدر الله تعالى وقضائه كما يُروج المتشددون؟
- لا يعتبر تنظيم النسل اعتراضًا على قضاء الله تعالى ولا تدخلا غير جائز فى القدر أو هروبا منه؛ لأنه من باب الأخذ بالأسباب العادية التى إن شاء الله تعالى خلق عندها الأثر أو لم يخلقه كما هى عقيدة أهل السنة فى ارتباط الأسباب بالمسببات بطريق جريان العادة ، وأن كل أثر وقع فى الكون فهو مخلوق ، وأنه لا خالق سوى الله عز وجل.