فيلم افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي

«الكتاب الأخضر» يكشف عنصرية المجتمع الأمريكي

فيلم الكتاب الأخضر
فيلم الكتاب الأخضر

ما هو "الكتاب الأخضر"؟ هو ذلك الكتيب الذي يحمل إرشادات في النصف الثاني من القرن الماضي حول المناطق الآمنة للسود الأفارقة في الولايات المتحدة الأمريكية، والمسموح لهم بالتواجد فيها في الخمسينيات من القرن الماضي دون التعرض للاضطهاد و المعاناة.
وهو نفس العنوان الذي اتخذه كل من بريان هايز كوري، ونيك فاليلونجا ، وبيتر فاريلي في سيناريو وحوار هذا العمل الفني الذي يعري مدى التعصب و العنصرية التي يعيشها المجتمع الأمريكي في مرحلة ماضية، ويمكن مستمرة إلى الآن لولا القوانين التي تحكم هذا المجتمع القائم على تعدد الأجناس و الهجرة .
الفيلم من الوهلة الأولى يعرفنا على أسرة توني ليب (فيجو مورتينسون) الحارس، الإيطالي الأصل، ومدى تعصبهم  لكل ما هو من غير جنسهم، ورفضهم للسود، عدى الزوجة ليندا كارديليني «دولوريس» المرأة الحنون التي لا ترفض الآخر وتتعامل مع الغرباء بأريحية شديدة، وفي لقطة شديدة الوضوح تغني عن ألف حوار أكد المخرج والمؤلف  بيتر فاريلي على هذا المعني، عندما تقدم دولوريس أكواب الماء للعمال السود في بيتها، ويقوم توني الزوج بإلقاء الأكواب في القمامة رافضاً استخدامها مرة ثانية، في الوقت الذي تتعجب فيه الزوجة من هذا التصرف وتعيدهما إلى مطبخها. ونسمع في الجلسة العائلية سخرية الطليان من السود ونعتهم بالباذنجان.
كل تلك المؤشرات تؤكد على أننا أمام فيلم يعالج قضية العنصرية ضد السود، وهذا غير صحيح ، لأننا نرى ضابط شرطة ينعت توني ويوبخه بوصفه من أصول إيطالية. فالمجتمع كله إذن يتحول إلى تحزبات وفئات دون أن يدرى.
ويبرع صناع العمل من الدقائق الأولى أن يشيروا إلى السمات الشخصية للبطل توني ليب، فهو حارس في ناد ليلي عصبي المزاج عنيف التصرفات لا يتحكم في أعصابه وينفعل سريعًا، ولهذا يفقد عمله في الملهى، ويبحث عن عمل سريعًا ليسدد نفقات الحياة  في مجتمع رأس مالى طاحن، ويتقدم إلى وظيفة سائق تم الإعلان عنها، ثم تتوالى علينا المواقف الكوميدية الصارخة، فرب العمل د. دون شيرلي «ماهر شالا علي»؛ موسيقي راق في أسلوبه وعلى درجة عالية من التعليم، والمفارقة الكبيرة انه دارس لعلم النفس ومتحكم في سلوكياته ولكن ضغوط المجتمع تخلق لديه عقد كثيرة من سوء المعاملة، رغم كونه لا يختلف عن أى إنسان "أبيض" في الرقي والتعليم بل يتفوق عليهم فى كونه موسيقي بارع فى عمله و يتهافت عليه أثرياء المجتمع فى دعوته ليعزف لديهم فى حفلاتهم وبيوتهم، ولكن للعنصرية شأن آخر، فهو مدعو لديهم ومرحب بفنه ونبوغه، ولكن ممنوع عليه استخدام  "المرحاض" الذي يدخولونه أو يأكل فى أماكنهم، وفى مفارقه شديدة الحساسية يرفض دكتور شيرلي استخدام المرحاض الخاص بالخدم، ويوقف الحفل لحين العودة من الفندق بعد أن يقضي حاجته. 
لمسات دقيقة وإنسانية حرص كتاب الفيلم على إبرازها واحدة تلو الأخرى ليعري أصحاب الفكر العنصري أمام أنفسهم لمراجعه سلوكياتهم. وفي تصاعد درامي محكم نشاهد المواقف التي بين بطلي الفيلم توني وشيرلي ورحلتهما في العربة والجولة الفنية التى اقتنصها الإيطالي "بذكائه وفهلويته " كما يتصور هو، في حين أن الحقيقة كما يعلمها الموسيقي أنه في حاجة لمواصفات هذا الرجل لإتمام رحلته الفنية عبر ولايات المختلفة.  
وفي الرحلة نعيش العديد من الأحداث تبدأ بالتذمر من جانب توني  والصبر من جانب شيرلي فالأول بوهيمي يعيش بالفطرة، و الآخر يطبق العلوم كما أنزلت في الكتب، ومن هذا الاختلاف نتابع كوميديا راقية و لحظات إنسانية عميقة، ويعجب توني بموهبة شيرلى، ويثق شيرلى في قدره توني ويأنس له بعد أن كان وحيدا، وتنشأ بينهما صداقة قوية بعدما اقتربا من بعضهما البعض، ويشعر كل منهما أنه مسئول عن الأخر وأن لون البشرة ليس لها حيلة أمام المشاعر الإنسانية الحقيقية.
هذه الدراما الاجتماعية الكوميدية نجحت أن تعالج قضية هامة بدأت تظهر مؤخرا فى المجتمع الأمريكي، وتكشف ملاباستها و تضع لها حلا رغم أنه ليس من شأن الفن أن يعالج ولكن صناع الفيلم طرحوا الحلول بحرفيه شديدة.
وتأتي قوة الفيلم الأولي في القضية التي  يطرحها إلى جانب روعة السيناريو والحوار الذى عمل عليه ثلاث مؤلفين من بينهما المخرج، كما أن اختيار" فيجو مورتينسون" و "ماهر شالا علي"؛ أضفيا على الفيلم صدق كبير.

ولعل عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي فى دورته الـ40 حقق للضيوف و المشاهدين متعة لا يعادلها شىء آخر.