«الفاطميون» أول من احتفلوا في المولد بالحلوى.. و«العثمانيون» بالإنشاد

المسلمون يحتفلون بذكرى المولد النبوى الشريف
المسلمون يحتفلون بذكرى المولد النبوى الشريف

يعد الاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اليوم الثلاثاء من أفضل الأعمال وأعظم القربات لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبي ثراء القلوب.


 ومحبته أصل من أصول الإيمان، والاحتفاء بمحبته ركن من أركان الإيمان، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، ومحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصول الإيمان وهي مقرونة بمحبة الله عز وجل .


والاحتفال بمولد خير الأنام هو احتفال للاعتبار لا للابتداع، وهو أمر مقطوع بمشروعيته لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، وقد ورد في السنة النبوية الشريفة ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بمولده الشريف وإقراره لذلك وإذنه به، وقد درج سلفنا الصالح منذ القرنين الرابع والخامس الهجريين على الاحتفال بمولد خير الورى بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من تلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح، ونص جمهور العلماء سلفا وخلفا على مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة العطرة واستحباب ذلك، وبينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.


والمراد من الاحتفال بهذه المناسبة الدينية هو تجمع الناس على الذكر والإنشاد فى مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله والصيام والقيام إعلانا لمحبه قدوة الأزمان وحصن الحياة، وإعلانا للفرح بيوم مولده الذى أذن الله أن يكون موعدا لميلاد نوره فى دنيا الورى، فكان ميلاده ميلادا للحياة.
وكرم الله تعالى اليوم الذى ولد فيه رسول السلام فقال سبحانه وتعالى فى كتابه الحكيم ﴿وسلام عليه يوم ولد﴾ ، ويوم ميلاده نعمة الإيجاد وهى سبب كل نعمة فى الدنيا والآخرة، وبدأ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في عام 300 هجرية باقتراح من الأمير "أبو السعود مظفر الدين" كنوع من تذكير المسلمين بمولد سيد الخلق، وكان الاحتفال وقتها عبارة عن مناضد هائلة في الشارع الأعظم من الخشب ذات طبقات كثيرة بعضها فوق بعض تبلغ الأربع أو الخمس طبقات، ويجلس عليها المعنيون وكان الناس يحتفلون عن طريق السير أمام تلك المناضد ويستمتعون بما يسمعون.


أما في حقبة "الخلفاء العباسيون" فقد كان الاحتفال شعبيا وفى ذات الوقت يستقبل الحاكم كبار رجال الدولة في القصر، ويبدأ الاحتفال بتلاوة القرآن والتطرق للسيرة النبوية وقصة الإسراء والمعراج، أما الاحتفال في عهد الفاطميين فقد بلغ ذروته لحرصهم على إظهار هيبتهم الدينية عن طريق التوسع البالغ في هذا الاحتفال، وكان الخليفة يخرج وقتها في موكب كبير يحف به فرق الجيش وكبار رجال الدولة من الوزراء وقاضي القضاء والأمراء إلى جامع الأزهر، حيث يستمعون إلى السيرة النبوية وقراءة القرآن.


ويسعد المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها للاحتفال بتلك الذكرى العطرة وتنتشر المظاهر الاحتفالية بالشوارع والميادين فينتشر بائعو الحلوى في العديد من الأماكن وترفع لافتات الحفلات الدينية والإنشادية على المساجد وفي الطرقات، وارتبطت حلوى المولد بمفهوم الاحتفال بهذا اليوم عند المصريين وترسخت على مر العصور لتصبح عادة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، وتعود صناعة الحلوى التى تعد أبرز مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى مصر إلى العصر الفاطمي، حيث يعتبر الفاطميون أول من أدخلوا هذا اللون على الاحتفال، ليتطور بتعاقب الزمن وتظهر صناعة العروسة والحصان من الحلوى .


واختلفت الروايات فى شأن السبب الذى أدى إلى صناعة عروس المولد، وأبرزها ما قيل فى هذا أن الخليفة كان يشجع جنوده المنتصرين على أعدائه بتزويجهم بعروس جميلة، لتصبح عادة مع الوقت وأثناء احتفالات النصر يقوم ديوان الحلوى التابع للخليفة بصناعة عرائس من الحلوى لتقديمها كهدايا للجنود والأطفال، وقيل أيضا إن بداية عروس المولد كانت فى عصر الخليفة الحاكم بأمر الله، حيث كانت زوجته تخرج معه في يوم المولد النبوي بثوب أبيض وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صناع الحلوى برسم الأميرة والحاكم في قالب الحلوى على هيئة عروس جميلة والحاكم تم صنعه كفارس على جواده.


وهنا أمر الحاكم بأمر الله أن تتزامن كل حفلات الزواج مع مولد النبي وهو ما يفسر سر العروس التى تصنع في مناسبة المولد بشكلها الرائع وألوانها الجميلة، وعلى مدار الزمان تفنن المصريون في صناعة حلوى المولد بمختلف أنواعها وأحجامها وأصبحت سلعة يتنافس فيها العديد من الصناع والتجار ومصدرا للكسب السنوي لحرص الغني والفقير على شرائها والإسعاد بها، واعتاد المصريون أيضا على إقامة حفلات المدح والإنشاد النبوي تزامنا مع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وينشد فيها المداحون القصائد الدينية والابتهالات في حب النبي وآل البيت، وتنظم الطرق الصوفية سنويا العديد من الرحلات والمسيرات لأضرحة آل البيت، يشارك بها الآلاف من مريديها، بجانب محبي آل البيت، تتضمن حلقات للذكر ووصلات المديح النبوي لمنشديها.


ويعتبر العثمانيون أول من اهتموا بحفلات الإنشاد مع ذكرى المولد فى جميع الدول التي حكموها وكانوا يحتفلون به بأحد المساجد الكبرى التي يختارها الخليفة وترفع الأعلام الدينية ويبدأون الاحتفال بقراءة القرآن الكريم وذكر قصة مولد النبي محمد، بعدها ينتظم المشايخ في حلقات الذكر وينشدون المدائح وترتفع الأصوات وتدوى بالصلاة على النبي.


مولد الرسول الكريم هو إطلالة للرحمة الإلهية فى التاريخ الإنسانى، عبر عنه القرآن الكريم بأنه رحمة للعالمين، وهذه الرحمة لم تكن محدودة فهي تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان بل تمتد على امتداد التاريخ، فقد أوجب الله على المسلمين إتاء الرسول حقه بحفظ سنته واتباعها وإحيائها والاقتضاء بها، وذلك وفاء لحق النبى على عباد أمته أن يؤمنوا بما أرسل به ويتبعوا سنته .