حكايات| ستوديو بيلا.. «مصوراتي» التاريخ يعمل بكاميرا أثرية عمرها 100 عام

صاحب ستوديو بيلا ونجله مع الكاميرا الأثرية
صاحب ستوديو بيلا ونجله مع الكاميرا الأثرية

تفاجأ المصور أشرف برجل أمريكي يقصد الاستوديو الخاص به يريد أن يلتقط  صورة بنفس ملابس وتفاصيل وكادر صورة قديمة يحملها معه مختومة بختم "بيلا"، ورغم قدم وتهالك الصورة إلا أن أشرف استطاع أن يميزها، حيث أنه مازال يحتفظ بذلك الختم الذي تعدى عمره 130 عاما.

بدأت الحكاية عندما جاء المجري "بيلا" إلى مصر عام 1890، واختار أن يفتتح ستوديو للتصويرالفوتوغرافي بمنطقة وسط البلد ليصبح أول ستوديو في مصر والوطن العربي، جذب إليه فئات المصريين والإنجليز والإيطاليين لالتقاط الصور التذكارية من خلال صندوق خشبي مثبت على حامل بأربع عجلات، هي كاميرا "لينهوف" الألمانية التي أتى بها بيلا إلى مصر، وأصبحت شاهدة على أفراح ومناسبات ما يزيد عن قرن من الزمن.

 

اقرأ للمحرر أيضا: «سيرك» الدرب الأحمر.. اللعب على الحبل يهزم التسرب من التعليم

 

خلافات ورحيل

 

حدثت خلافات بين الإنجليز - الذين كانوا يحكمون مصر في تلك الفترة- وبين "بيلا" فاضطر العودة إلى بلاده بعد أن تنازل عن الاستوديو لرجل لبناني تقاسم حصته مع المصري فهمي باشا علاّم الذي استقر الاستوديو في ملكيته، وظل محتفظا باسم الخواجة "بيلا"، ومنذ ذلك الوقت لم يغلق الاستوديو بابه، حيث توارثته عائلة فهمي باشا إلي ان استقرت ملكيته مع الحفيد "أشرف بيلا" الذي بدأ عمله وهو طفل في الثانية عشرة بعد أن علمه والده فنون التصوير.

 

وجد أشرف صورا مطبوع عليها ذلك الختم تباع في مزادات فحرص على شرائها، لوضعها في الاستوديو الذي يحوي مئات من القصص وحكايات الصور التي جعلت منه متحفا يتجول القادم إليه ويتنقل بين لوحاته الشاهدة على عصور مختلفة، واتسعت مساحته البالغة 600 متر لتصوير عائلات من 30 أو 40 فردًا، بالإضافة إلى غرف التصوير والتحميض التي مازالت موجودة بمحتوياتها وديكورها الأثري.

 

موكب ملكي

 

يتذكر أشرف جيدا حكاية صورة قصر الملك فاروق، حيث قصّ عليه والده تفاصيل هذا اليوم الذي عايشه، فكان مشهد وصول الأحصنة والحناطير ومد البساط الأحمر بطول الشارع أمام الستوديو قبل وصول الحراس معلنين قدوم حاشية قصر الملك فاروق من قصر عابدين الذي يفصله عن الستوديو شارع واحد، لالتقاط الصور. 

 

اقرأ للمحرر أيضا: حب في أحضان «نويبع».. مشروع زواج خارج «خنقة» العاصمة

 

احتكر"بيلا" التصوير الفوتوغرافي في مصرفترات من الزمن، فقصده الشخصيات العامة والقائمين على السينما والدراما والدعايا، ويتذكر أشرف عندما كان يعلن المخرج يوسف شاهين عن حاجته لوجوه جديدة ويكتب أن عنوان اختبار الكاميرا هو ستوديو بيلا، ويقول أشرف:  «كانت الطوابير بتوصل لحد الشارع برا مستنيين دورهم».

 

تتميز الصور القديمة التي يحتفظ بها أشرف بوجود نترات الفضة واضحة عليها نتيجة أسلوب التحميض بتفاصيل واضحة وباستخدام خامات الزجاج الأولى، ومازالت كاميرته المعمرة قادرة على إخراج صور بالأبيض والأسود بجودة عالية، لكنها تحتاج فقط إلي خامات خاصة لم تعد موجودة فيقوم باستيرادها من الخارج.

 

شراء «الثروة القومية»

 

عرض الكثير من الأجانب شراء تلك الكاميرا بمبالغ ضخمة، كونها ثروة قومية بعد تخطيها مائة عام، لكن أشرف رفض لأنها تمثل تاريخ ستوديو بيلا، وتواصل معه أحد منتجي الأفلام خارج مصر لعمل فيلم عن تاريخ ومراحل تطور شكل وأزياء وتقاليد الإنسان المصري من خلال الصور، التي يراها خير وثيقة عبر الزمن، وأن ما يمتلكه أثمن مما يقرأ في الكتب.

 

ولم يخل الستوديو من صور رؤساء مصر، وأبرزهم الرئيس السادات وعائلته، ويتذكر أشرف عندما التقط صورا للفنان أحمد زكي أثناء تجسيده شخصية السادات، قائلًا: «كان موهوب ويتقمص بدقة لدرجة قولتله أنا حاسس إني بصور الرئيس السادات تاني».

عودة المُلاك الأصليين

 

تواجه أشرف الآن مشكلة أن أصحاب عمارة الاستوديو عادوا إلى مصر، ويريدون إخراجه منها، وهو ما يجده مستحيلا لإخراج مقتنيات ذلك الستوديو بالكامل، ويرى أن عملية نقله ستكون مثلما حدث مع نقل معبد أبو سمبل لإنقاذه.

 

اقرا حكاية أخرى: شبراويات «بلولة».. فن قطف الياسمين «ع الكشاف»

 

ويحترف شهاب نجل أشرف التصوير أيضا ويرى أنه يتحمل مسئولية انتمائه لعائلة من أكبر عائلات مصر، ويقول: «الاستوديو بتاعي أبا عن جد وهو ده اللي هعلمه  لولادي»، ويحرص ألا يأتي يوم تحكى فيه قصة الاستوديو كتاريخ انتهى  بل أن تظل تحكى قصة استوديو بيلا وهو ما يزال قائما.