حكايات| «حسي رع».. أقدم معلم مصري و«نجار» العلوم الملكية

حسي رع
حسي رع

على ظهر عملة الـ200 جنيه، تظهر صورة لتمثال رجل فرعوني جالس، تسيطر عليه  ملامح الوقار؛ لكن كثيرين لا يعرفون أن هذا الرجل رمز للمعلم المصري القديم، حين كانت مهنة الكاتب المعلم من أرقى المهن.


لسنوات طويلة في عهد قدماء المصريين، كان الحكيم ينصح ابنه ويقول له كن كاتبًا؛ لأن مهنة الكاتب المعلم تسمح لأصحابها بالوصول لأرقى المناصب في الدولة، وكان يُعفى من التجنيد والضرائب الزراعية، ومهنة غير مجهدة للجسم.


«سباو» وتعني النجم كان اللقب الأشهر للمعلم المصري القديم، وإن كانت هناك ألقاب أخرى كالهادي أو المرشد أو المعلم، في حين أن التلميذ أو الطالب للعلم لقب بألقاب منها «نزز» أو «غرد» كان المدرسون يستحثون تلاميذهم على الإقبال على التعليم بكتابة المقالات البليغة يشرحون فيها مزاياه.

ولعل أشهر ما رصد تلك المكانة، ما جاء في إحدى البرديات: «ليس ثمة وظيفة إلا لها من يسيطر عليها؛ لكن العالم وحده هو الذي يحكم نفسه».

الورق للفرق الراقية

وكان يسمح للطالب في الفرق الراقية أن يستعمل الورق، وهو من أهم السلع في التجارة المصرية ومن أعظم النعم الخالدة التي أنعم بها المصريون على العالم.

أما مكتبات المدارس فدون فيها العديد من فروع المعروفة كل حسب اختصاصه على أوراق البردي لتكون كتب ومراجع للدارسين، ويطلع عليها من يحتاجها يطلق عليها «بر ن سشو» أي بيت المخطوطات أو دار الكتب يقوم على إدارتها العديد من الإداريين والأمناء وحملة الأختام.


وكان هناك معبودات للعلم فالمعبود «تحوت» بهيئة طائر الأبيس و«حجوتي» بهيئة القرد كان من معبودات العلم والكتابة، وكان الكاتب يجلس وأمامه حجوتى في هيئة القرد تيمنًا به أما  الربة سشات الحامية للمكتبات.

العظيم.. حسي رع

أما المعلم فمارس دوره التعليمي في مدارس ملحقة بالمعابد يلتحق بها الأولاد والبنات دون تفرقة لتعلم الكتابة والحساب والرسم، وفي مرحلة متقدمة يلتحق بجامعات كبرى تسمى «برعنخ» أو بيت الحياة، وكان هناك معلمون في قصر الفرعون وقصور النبلاء لتعليم أبنائهم.

ومن أقدم المعلمين كان العالم الجليل «حسي رع»؛ حيث كان أحد كبار رجال الدولة في عصر الملك زوسر من الأسرة الثالثة دولة قديمة، وحمل «حسي– رع»، العديد من الألقاب منها: «كبير أطباء الأسنان، والمشرف على الديوان الملكي، والمقرب من الملك».


وفي سقارة، عُثر على مقبرة «حسي رع» بسقارة؛ حيث كانت تحوي 11 لوحًا خشبيًا نقش عليها نقشًا بارزًا، وعرفت هذه الألواح باسم ألواح «حسي – رع»، ويعرض منها ثلاثة بالمتحف المصري.

حمل «حسي – رع» أيضًا لقب آخر من أغرب الألقاب التي يمكن أن يحملها كاهن، وهو لقب «نجار العلوم الملكية»، وهو من أغرب الألقاب التي تم اكتشافها في الحضارة المصرية، وله مغزى عميق جدًا، ويدل على المكانة الرفيعة التي وصل إليها هذا الرجل الحكيم.
 

وكان «حسي – رع» بمثابة العقل الذي يلعب دور الوسيط بين عقل الملك الذي يحوي علوما كونية مجردة والعالم المادي الذي يعيشه أبناء شعبه، فوظيفة نجار العلوم الملكية هي أن يقوم بإعادة صياغة العلوم الكونية والوصول إلى كيفية تطبيق هذه العلوم في العالم، فيقوم بتطبيق نفس القانون الكوني على الأرض.