مصر وروسيا.. علاقات إستراتيجية وتاريخية تتخللهـــا محطــات ثـرية

الرئيس السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين

كل الشواهد تؤكد ان العلاقات المصرية الروسية تشهد حالة من التفاعل والزخم، وتتميز بالخصوصية النابعة من قوة علاقات الصداقة والتعاون فى مختلف المجالات.

 

وتعتبر علاقات تاريخية من الأساس منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1943. ويوافق العام الجارى مرور 75 عاماً على العلاقات بين البلدين، التى تتخللها محطات ومواقف ثرية فى تاريخ الدولتين، مثل وقوف الاتحاد السوفيتى إلى جانب مصر فى انشاء السد العالي، ومصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى ومد الخطوط الكهربائية أسوان - الإسكندرية، مرورًا بالمساهمة فى تطوير الجيش المصرى بعد نكسة 5 يونيو 1967، وصولاً إلى وقتنا الحالى حيث تشهد العلاقات طفرة كبيرة خاصة فى أعقاب ثورة 30 يونيو.

 

وجسد هذا التطور فى العلاقات بين البلدين التواصل المستمر بين قيادتى ووزراء ومسئولى البلدين، وتحركات ونشاط على مختلف المستويات، مما يشير إلى سعى مصر إلى إحداث نقلة نوعية ومختلفة فى توجهاتها الخارجية إلى جانب ان العلاقات المصرية الروسية حاليا اصبحت تمثل تحالفا استراتيجيا، فحجم التعاون الاقتصادى والسياسى والعسكرى يرتقى بالفعل لهذا المستوى، كذلك تطابق وجهات النظر حول القضايا الإقليمية المركزية يعبر عن مستوى راق من التحالف وعمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتعاون المستمر فى المجالات العسكرية والأمنية وتبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب.

 

لن ينسى الشعب المصرى مساندة روسيا السياسية لمصر فى فترة صعبة عقب ثورة 30 يونيو فى الوقت الذى واجهت فيه مصر ضغوطا خارجية شديدة من قبل عدد من الدول الغربية، واختارت روسيا الوقوف إلى جانب الإرادة الشعبية فى عزل حكم الإخوان وفى الفترة الانتقالية، ودعمت خريطة الطريق المصرية لاستعادة انتخاب المؤسسات الدستورية، وكان هذا هو المفتاح للمرحلة الجديدة من العلاقات، التى كانت جزءا من إستراتيجية مصر الجديدة لتوسيع قاعدة علاقتها الدولية وتعدد اختياراتها، وألا تكون أسيرة الاعتماد على قوة دولية واحدة.

 

وفى نوفمبر 2013 تلقى الرئيس عدلى منصور اتصالًا هاتفياً من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عبر خلاله بوتين عن دعمه ودعم روسيا الاتحادية الكامل لمصر ولإدارتها الانتقالية التى تمثل إرادة الشعب المصرى فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وقام المبعوث الخاص لروسيا بزيارة إلى الشرق الأوسط فى أبريل 2014 بزيارة القاهرة وأعلن دعم بلاده خارطة الطريق المصرية، وفى مايو من نفس العام زار الوفد الشعبى الروسى مصر يرافقه مجموعة ممن شاركوا فى بناء السد العالى وذلك فى ذكرى الاحتفال بمرور 50 عاماً على تغيير مجرى نهر النيل.

 

وفى ديسمبر 2014 أعلن وقتها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء إنشاء «وحدة روسيا» بمجلس الوزراء لمتابعة علاقات التعاون الثنائى فى مختلف المجالات، عقب لقائه نائب رئيس وزراء روسيا والوفد المرافق. وفى 15 أكتوبر 2016 عقدت مناورات مصرية روسية حملت اسم «مناورات حماة الصداقة»، حيث أرسلت قوات الإنزال الجوى الروسية مظلييها إلى مصر، من أجل تطوير الخبرات فيما يتعلق بمكافحة الجماعات الإرهابية فى ظروف الصحراء.

 

مواقف تاريخية

بالبحث فى ذاكرة التاريخ، فالموقف الروسى المساند لثورة 30يونيو، اشبه بإنذار الاتحاد السوفيتي- مع اختلاف الظروف السياسة فى القرن الحالى - المعروف باسم «إنذار بولجانين» الذى صدر فى 5 نوفمبر 1956 خلال العدوان الثلاثى على مصر، وكان تأثيره وصداه أن أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا وقف الحرب قبل انقضاء 48 ساعة على الإنذار، بينما لم تتوقف موسكو عن تهديدها وتأكيد موقفها فنشرت وكالة تاس الرسمية بيانها الشهير الذى أكد أن قيادة الاتحاد السوفيتى «تؤكد أنه فى حال عدم سحب فرنسا وبريطانيا وإسرائيل لقواتها من الأراضى المصرية فإن الهيئات السوفيتية لن تتردد فى السماح بالسفر للمتطوعين من المواطنين الروس للقتال إلى جانب الشعب المصرى ودعمه فى نضاله من أجل الاستقلال».

 

لقاءات رسمية

عززت زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسى لروسيا عقب ثورة 30 يونيو، كذا زيارة الرئيس بوتين لمصر من التقارب بين الادارة المصرية والروسية والعلاقة الإستراتيجية بين البلدين فيما زادت من التقدير المتبادل بين مصر وروسيا، حيث عكست تلك الزيارات واللقاءات حرص البلدين على تبادل الدعم السياسى على المستويين الإقليمى والدولى فى ظل ما يواجهه الطرفان من تحديات خارجية وداخلية تستهدف النيل من الاستقرار السياسى وتهديد الأمن القومى لكليهما وتشاركهما فى رؤية موحدة فى مواجهة الإرهاب، وتحقيق مصلحة مشتركة فى دعم النمو الاقتصادى فى البلدين والفرص الاقتصادية التكاملية.

 

الحوار الاستراتيجى

بدأ الحوار الاستراتيجى بين القاهرة وموسكو منذ عام 2009 على مستوى وزيرى خارجية البلدين، ومع تطور الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط انتقل الحوار الاستراتيجى إلى صيغة 2+2 لتصبح مصر الدولة السادسة التى ترتبط معها روسيا بهذا الإطار من المباحثات الاستراتيجية على مستوى وزيرى الخارجية والدفاع بعد الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، وبهذه الصيغة الجديدة وصل الحوار الاستراتيجى إلى المرحلة الرابعة، حيث كانت الجولة الأولى بالقاهرة فى نوفمبر 2013، والثانية بموسكو فى فبراير 2014، والثالثة بالقاهرة فى مايو 2017، والجولة الرابعة بموسكو فى مايو 2018، وهو ما يعكس الأهمية الاستراتيجية للحوار بين روسيا الدولة العظمى، العضو الدائم فى مجلس الامن ومصر القوة الإقليمية فى المنطقة. وهو ما يجعل العلاقات بين البلدين تمثل تحالفا استراتيجيا.

 

تحظى مصر بمكانة متقدمة فى السياسة الخارجية الروسية، والقاهرة منفتحة على موسكو فى حوار يشمل كافة المجالات فى إطار سياسة خارجية متوازنة مع كافة القوى الدولية، ومن هذا المنطلق فإن روسيا أيدت عودة مصر بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، وتدعم مشاركتها فى كافة المبادرات الإقليمية، وتقاوم أى محاولة لتهميش الدور المصري، وهو ما برز جلياً فى الأزمة السورية وأزمة غزة والذى وصل للمطالبة بضم مصر للرباعية الدولية لتفعيل دور مصر.

 

وعلى مستوى وزراء خارجية البلدين، كانت هناك زيارات متبادلة للوزيرين، حيث قام سامح شكرى وزير الخارجية فى 2016 بزيارة لروسيا، التقى خلالها بكل من رئيس مجلس الدوما (البرلمان الروسى) ووزير خارجية روسيا «سيرجى لافروف» ووزير الصناعة والتجارة رئيس الجانب الروسى فى اللجنة المصرية الروسية المشتركة، ونائب رئيس وزراء روسيا، وبحث مع المسئولين الروس ملف السياحة الروسية وجهود استعادتها إلى مصر كسابق عهدها، كما قام شكرى بزيارة لموسكو فى اغسطس 2017، التقى خلالها مع نظيره الروسى سيرجى لافروف وتركزت المباحثات على قضية أمن الرحلات الجوية بين روسيا ومصر.

 

وفى سبتمبر الماضى التقى شكرى مع نظيره الروسى سيرجى لافروف خلال زيارته للقاهرة، وبحث الجانبان سبل تطوير العلاقات الثنائية فى كافة المجالات، فضلًا عن العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، حيث اعرب وزير الخارجية عن تطلع مصر للزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى روسيا، واكد ان الزيارة ستساهم فى فتح آفاق جديدة لعلاقات التعاون بين الدولتين فى كافة المجالات، كما أكد الوزير الروسى دعم روسيا للجهود المصرية فى ليبيا، وأهمية توحيد الجيش الليبي، وعدم إمكانية التعويل على الميليشيات لحفظ الاستقرار هناك.

 

لا شك أن قرار الكرملين حظر الطيران بين البلدين وتحذير المواطنين من السفر إلى مصر، بعد حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء فى أكتوبر 2015، والذى راح ضحيته 224 شخصاً، قد أدى إلى تراجع الزخم الذى صاحب لقاءات المسئولين فى البلدين نسبياً على مدار المرحلة السابقة، ورغم تفهم الإدارة المصرية لآليات اتخاذ القرار فى روسيا، فإن المجتمع المصرى بات يطرح الكثير من التساؤلات حول استمرار حظر الطيران رغم الإجراءات الأمنية التى تمت فى كافة المطارات والتى شهدت توافد عدد كبير من لجان المتابعة والتفتيش من روسيا ودول أخرى، ومن المؤكد ان زيارة الرئيس السيسى لموسكو الأيام القادمة سوف تجيب عن هذه التساؤلات، وان كانت كل المؤشرات تميل إلى اقتراب حل الازمة قريباً. فكما لمصر حاجة فى التعاون والتنسيق مع روسيا، فإن موسكو تدرك حجم وثقل القاهرة فى منطقة الشرق الأوسط.