حكايات| درب المهابيل.. «خمارة» من العصور الوسطى وجامع من «العظام»

درب المهابيل
درب المهابيل

وكر لا يعرفه إلا رواده يقبع في «بدروم» بمنطقة درب المهابيل في منطقة باب الخلق، إذ يدخل المستيقظ فيخرج سكران، في ظاهرة كانت منتشرة منذ العصور الوسطى وحافظ عليها بعض المهابيل في دربهم.

 

درب المهابيل أو السكارى، اكتسب اسمه بسبب انتشار «البواظات» التي كان يقبل عليها عاشقو «النسيان» فيرمون همومهم في هذا المشروب البلدي المخمر، مما كان يجعلهم سكارى معظم الوقت.

 

الآن تغير كل شيء حول تلك البواظات ولم يتبق سوى الجدران القديمة والمعالم المحفورة بذاكرة التاريخ.

 

اقرأ حكاية أخرى: قصر أليكسان يعود للحياة.. تحفة أثرية منحت صاحبها لقب «باشا»

 

تجاه الدرب

 

توجهت كاميرا «بوابة أخبار اليوم» إلى الدرب الذي تدخله من ميدان العتبة عبر شارع عبد العزيز التجاري الشهير، وبسؤال أي من الباعة الجائلين سيدلك بسهولة للطريق الذي يسلكه «المهابيل».

 

وصف البائع طريقيّن أحدهما من العتبة عبر شارع عبد العزيز أو من شارع محمد على ومنه إلى درب المناصرة ثم تجد نفسك في درب المهابيل.

 

ضوضاء لا تنقطع تُحدثها أعمال ورش الخشب المنتشرة على جانبي الدرب، ينافسها في الإزعاج أصوات أصحاب محال الأجهزة الكهربائية مع صبيانهم، فالحياة تبدو تجارية هنا  دون اعتبار لوجود سكان في المنطقة.

 

اقرأ حكاية أخرى: المكتبة الإسلامية بدير الدومنيكان.. خدمة «كاثوليكية» لطلاب الأزهر

 

في المقدمة تستقر عربة مكرونة يتزاحم حولها العمال لتناول وجبة الغداء، بينما تتلخص التفاصيل الأخرى في منازل قديمة بعضها آيل للسقوط والبعض الآخر أُعيد بناؤه ليحوي سكان جدد.

 

ورش على جانبي الدرب

 

«لم تختلف الحياة في فيلم درب المهابيل عن حقيقتها قديما»، بادئا الحاج ربيع حديثه عن الدرب الذي يعيش فيه منذ ٧٥ عاما، وتابع قائلا إن جميع ورش الأخشاب لم تكن موجودة قديما كان أغلب الدرب بقالين ومحلات بوظة، وكانت هناك ورشة للأسّرة النحاس.

ويقول الحاج سعد، إن الدرب لا يزال محتفظا بأسماء ٦ حارات التي يتألف منها وهي الطاحونة، وزوة الوقف، وطاحونة الوقف، والزاوية، إلى جانب العرقسوسية وسليقة واللتين تعبران عن أشهر عائلات الدرب كما كانت لمدخل الدرب بوابة حديدية لم تعد موجودة الآن .

 

فيما يوضح الحاج راضي إن «البيوت كلها بقت مخازن أو محلات كهربائية وأهل الدرب مش موجود منهم غير ناس قليلة»، ويدخل في الحديث صديقه الحاج سمير  الذي يشاركه الجلوس كل يوم قائلا: «كنا بنشتري اللحمة بالرطل من عربية درب الخواجة وكانت المنطقة شهيرة بالخمارات ومحلات البوظة التي أغلقت مع تطور الزمان، ولم يتبق سوى محل بوظة وحيد وده آخر درب المهابيل مع حسن الأكبر واسمها بوظة (بلبل) ولكن الإقبال عليها يكاد يكون مات لأن المنطقة تغيّرت من منطقة سكنية إلى منطقة تجارية فتجد أنها أصبحت ورش نجارة ومطابع ثم تحولت إلى أجهزة كهربائية إلى أن دخل المحمول السوق فتبدل الحال إلى حال، وكل السكان اتجهت إلى البيع والتجارة فلم تعد درب المهابيل كما كانت».


اقرأ حكاية أخرى: خريطة الموالد القبطية.. ترانيم منثورة على أرض المحروسة

 

هنا «البواظة»

 

بيت قديم موجود آخر شارع درب المهابيل، تدخله لترى العالم القديم وسط مجموعة من السكارى الذي يحتسون البوظة في أكواز بينما يوجد كوز مشترك بين الجميع للفول والعنب.

 

ترى وجوه متعرقة وجلباب مرفوع نصفه، على «دكة» خشب التي توحي أنك في زمن الفتوات لا في عصر السموات المفتوحة، حملك للكاميرا أو الهاتف هو إشارة منك بأنك خطر على المكان، لذا كان التصوير خلسة الحل الوحيد.

 

ضحكات وهمسات بين رواد المكان يقطعها دخول صاحب المكان الذي يسأل: «تطلبوا إيه؟»، لم نجد إجابة إلا رد السؤال بسؤال: «هو لازم بوظة؟».. فيرد وقد تبدلت ملامحه: « هنا مكان لشرب البوظة حضرتك مين اللى قال لك على المكان».. فأجبنا سريعا: «إحنا من المغربلين ونريد تجربة الكيف على قديمه».

 

 

المقادير والوصفة

 

صَمَت صاحب البواظة ثم توالى تبادل الكلمات.. البوظة تصنع من القمح والخميرة والخبز الناشف، ويضاف لها ملح الليمون، يتم ضربهم جميعا ثم يترك الخليط ليخمر مدة يومين، وبعد ذلك يتم بيعها.

 

أخذنا الزجاجة، وكان سعرها ٢٠ جنيها ولا نعرف ماذا نفعل بعد شراء مشروب يعود إلى زمن ما قبل الراديو.

 
جامع تاريخي
 

رغم وجود هذه «الحانة»، إلا أن أشهر معالم درب المهابيل هو جامع «العظام»، ويروى عن الجامع أن أرض الدرب كانت مقابر ، وحين يحفر السكان تحت الأرض للبناء يجدون عظاما ورفات بشرية، فيجمعوها وينقلوها إلى الجامع، لذا حمل هذا الاسم بعد أن كان جامع الشيخ إبراهيم الذي لم يتبق سواه في الدرب ليذكرنا برائحة زمان.