محمد البهنساوي يكتب: عمومية العالم.. وميلاد مصر كقوة إقليمية عظمى

الكاتب الصحفي محمد البهنساوي - رئيس تحرير بوابة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي محمد البهنساوي - رئيس تحرير بوابة أخبار اليوم

رؤية هادئة فى رحلة الملفات الساخنة


أهمية الزيارة بين «فترة رئاسية» لزرع بذور الدولة الفتية و«فترة ثانية» بدأت لجنى الثمار


لهذا السبب.. السيسى واجه الأمم المتحدة بعجزها وعرض رؤية عملية لاستعادة دورها


العلاقات المصرية الأمريكية بين الإرث الثأرى و«الكيمياء الخاصة»


تخطيط متقن وإعداد متميز بفريق عمل رفيع متناغم لتحقيق رؤية وأهداف الرئيس


مائدة الأمم المتحدة ووقفات المؤيدين واختفاء قوى الشر.. يؤكدون انطلاق مصر الجديدة


إذا كان مجلس الأمن يمكن أن نطلق عليه مجلس إدارة العالم.. فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة هى جمعيته العمومية.. فيها تحرص كل دولة على المشاركة والحضور بتمثيل يتماشى أولا مع مكانتها فى المجتمع الدولى وثانيا حاجتها من تلك المشاركة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

 

ورغم أن مصر من أوائل الدول الخمسين الذين تشكلت منهم الأمم المتحدة.. إلا أن مشاركتها فى فعاليات المنظمة الدولية لم تكن أبدا متناسبة مع مكانة مصر الإقليمية والدولية أو حاجتها من هذا التجمع الدولى المهم.

 

وظلت هكذا لسنوات وعقود مكتفية بالتمثيل بمندوبها الدائم بالأمم المتحدة أو وزير خارجيتها فى أفضل الظروف.. حتى حول الرئيس عبد الفتاح السيسى هذه الاجتماعات إلى حدث سنوى مهم للغاية.. سواء لعرض التطورات الحقيقية للتجربة المصرية بعد ثورة 30 يونيو بعيدا عن حملات التشويه والتشكيك المغرضة.. أو لترسيخ دعائم الميلاد الجديد لدولة قوية رائدة وقائدة فى محيطها الإقليمى وذات فاعلية وتأثير على المستوى الدولى.

 

وفى كل مرة كانت تؤتى المشاركة المصرية فى هذا المحفل الدولى أُكلها بعد فعاليات ولقاءات مكثفة ومخططة ومبنية على أساس عملى وعلمى يراعى أهداف ومحددات أمنها القومى واستراتيجيتها الدولية.

 

مشاركة هذا العام فى اجتماعات المنظمة الدولية اكتسبت أهمية خاصة لمصر.. فهى تأتى بعد فترة رئاسية أولى للرئيس السيسى سعت لتثبيت دعائم الدولة الوطنية ووضع خارطة طريق محددة المعالم فى كل المجالات.. وزرع بذور التنمية والنمو.. وانتصار واضح على إرهاب غاشم ممول من دول وأنظمة تتربص بمصر لكن خطره مازال قائما.

 

ومع بدايات فترة رئاسية ثانية تضع فى أولوياتها بناء الإنسان المصرى وجنى ثمار ما تم زرعه من بذور التنمية.. واستكمال الإنتصار على قوى الشر والإرهاب فى حرب خاضتها مصر ومازالت نيابة عن العالم أجمع ودفعت ثمن هذا النصر من دماء أطهر أبنائها من رجال القوات المسلحة والشرطة.

 

وترسيخا للدولة الفتية القائدة وتوسيع مجال علاقاتها إقليميا ودوليا.. وإدراكا بأهمية مشاركة هذا العام تم وكالمعتاد فى المشاركات السابقة الإعداد الجيد والمتميز لها من خلال فريق عمل على أعلى مستوى يتسم بالتفاهم والقدرة على تحويل رؤى وأهداف الرئيس السيسى إلى خطط عملية وواقع ملموس.. وكانت النتيجة مشاركة وتواجدا مصريا قويا وفاعلا يعبر عن آمال وطموحات ومطالب مصر من العالم وقبولها أيضا لمطالبه فى جمعيته العمومية بما يتماشى أولا وأخيرا مع المصالح الاستراتيجية العليا لمصر الحاضر القوى والمستقبل الذى يتمناه الجميع مشرقا.

 

وخلال أيام معدودة.. فقد عقد الرئيس 19 لقاء قمة ثنائية وجماعية مع أبرز القادة والمسئولين الدوليين، واستمع العالم للرئيس فى 4 قمم عالمية خلال 4 أيام هى الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمة نيلسون مانديلا للسلام، وقمة مواجهة تغيرات المناخ، وقمة مجموعة دول الـ 77 والصين.

 

ملفات مهمة

 

ومن خلال معايشتنا ومتابعتنا عن قرب للمشاركة المصرية.. نستطيع أن نرصد ملفات محددة كانت هدفا للمشاركة المصرية هذا العام ونرصد أهم ما تم فى تلك الملفات.

 

ولأن مصر التى كانت تحاول المرات السابقة فى اجتماعات الأمم المتحدة مواجهة الإدعاءات الباطلة حولها وترسيخ الصورة الصحيحة عما يحدث بها.. لكن هذه المرة تأتى لتعلن للعالم أجمع قيادتها وريادتها للمنطقة.. لذلك كان ملف الصراعات والنزاعات الإقليمية على أولوية مصر القوى الإقليمية العظمى.

 

وكان الهدف الرئيسى فى هذا الملف فضح حقيقة الصراعات الدولية على الأراضى العربية على حساب حاضر ومستقبل شعوبها.. لذك كان الرئيس عبد الفتاح السيسى واضحا وصريحا بكافة لقاءاته فى فضح هذا الدور الدولى المشبوه.. وعجز المنظمة الدولية والقوى المختلفة أمام حماية شعوب المنطقة.

 

وتجلى هذا بوضوح شديد فى كلمة الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. فقد أكد بوضوح أن هناك قصورا وتقصيرا كبيرين من الأمم المتحدة والقوى المختلفة فى مواجهة تفكك الدولة الوطنية ومواجهة المنطقة العربية مخاطر التفكك وانهيار الدولة الوطنية لصالح موجة إرهابية وصراعات طائفية ومذهبية.

 

وتحدث الرئيس وبوضوح شديد عما يواجه الأشقاء فى سوريا واليمن وليبيا فى ظل عجز دولى مبين.. وبالطبع كانت القضية الفلسطينية أولوية قصوى للرئيس الذى شرح وبوضوح شديد الثوابت المصرية التى قد تغضب قوى عظمى وهى ضرورة الإسراع بحل الدولتين.. وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان أمن وأمان الفلسطينيين وحصولهم على حقوقهم المشروعة.

 

وكانت تلك القضايا محورا رئيسيا فى لقاءات الرئيس السيسى مع قادة العالم بدءا بدونالد ترامب مرورا بنتنياهو وقادة أوربا.. وحمل الرئيس أيضا هموم الشعوب الإفريقية بل وشعوب العالم الثالث والدور الغائب عن تلبية متطلبات التنمية والعيشة الكريمة لتلك الشعوب.

 

ولن تكون مصر الدولة الإقليمية القائدة فى محيطها إلا بتواجد ودور دولى قوى أيضا يعزز الدور الإقليمى.. وتجلت القوة الدولية لمصر ليس فقط فى لقاءات الرئيس السيسى المتعددة والمتنوعة.. ولا فى عدد كبير من القادة حول العالم طلبوا لقاء الرئيس لكن جدول الزيارة ووقتها لم يسمح ببعضها.

 

إنما تجلت بوضوح شديد فى كلمة الرئيس أيضا أمام الجمعية العامة.. التى اتبع فيها الرئيس الدبلوماسية القوية والهادئة فى نفس الوقت من خلال مصارحة الأمم المتحدة بعجزها عن القيام بدورها على أكمل وجه.. وحماية شعوب المنطقة من تفكك الدولة الوطنية.. وعجزها عن دورها الذى أنشئت من أجله على حد تعبير الرئيس وهو الحل السلمى للصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية عارضا رؤية مصرية شاملة وواضحة لكيفية استعادة المنظمة الدولية دورها وأساس عملها.. لا يمكن لرئيس أن يتحدث بتلك الصراحة والقوة إلا إذا كان يستند إلى دولة قوية فتية مستقرة مستقلة فى قرارها.

 

 العلاقات الأمريكية وكيميا ترامب

 

وفى الشأن الدولى نصل إلى محطة مهمة وملف رئيسى ومحورى.. وهو العلاقات المصرية مع أقوى وأهم دولة فى العالم وهى أمريكا.. وبالفعل أكدت زيارة هذا العام أن هناك تحولا استراتيجيا مهما فى تلك العلاقة.. حيث تم تثبيت الندية فى العلاقات بين البلدين وليس التبعية كما كان لعقود.

 

فمصر بعد ثورة 30 يونيو ترسخ كما قلنا دعائم الدولة القوية مستقلة القرار متعددة العلاقات الدولية بناء على متطلبات أمنها القومى ومصلحتها العليا.. لذلك تعددت علاقاتها شرقا وغربا.. وفى الحالة الأمريكية والتى حفلت بإرث ثأرى أيام حكم باراك أوباما ضد مصر 30 يونيو والرئيس عبد الفتاح السيسى حيث هدمت الثورة مخطط أمريكا للمنطقة أيام حكم المرشد وعشيرته بطمس هوية المنطقة كلها وتحويل مصر عمود خيمتها إلى مجرد محطة فى نظام جديد للمنطقة يقوده أهم حلفاء أمريكا وعلى رأسهم تركيا وإسرائيل.

 

وسعت أمريكا جاهدة لهدم مصر 30 يونيو وتشتيتها من خلال حملات مضلة وحصار سياسى واقتصادى.. وعندما فشل مخططها اعترى الفتور العلاقات بين البلدين مع احتفاظ إدارة أوباما بإرثها الثأرى الذى كان مرشحا للاستمرار لو فازت هيلارى كلينتون.. لكن فوز دونالد ترامب أحدث بعض التغيير فى الموقف الأمريكى أو على الأقل لم يحمل الإرث الثأرى تجاه مصر ورئيسها.. وبدأت بعض التغييرات الإيجابية فى الموقف الأمريكى تجاه مصر.

 

وهنا لابد أن نشير إلى نقطة مهمة.. فالكثيرون يرجعون هذه التطورات إلى ما أسموه « كيميا خاصة « بين الرئيسين السيسى وترامب وهو التعبير الذى استخدمه ترامب نفسه فى حديثه عن تقديره للرئيس السيسى.

 

لكن فى رأيى أن الحديث عن الكيميا الخاصة وعلاقتها بالتغيير فى الموقف الأمريكى فيه إجحاف كبير لمصر بعد ثورة 30 يونيو وللرئيس السيسى نفسه.. فالإدارة الأمريكية برجماتية بحتة تحكمها فقط لغة المصالح وليس العواطف.

 

ولأن ترامب يهمه أساسا تحقيق مصالح أمريكا وتحقيق نجاح يثبت فشل إدارة أوباما.. جاء التحول فى الموقف الأمريكى.. دعم هذا التحول بالطبع طبيعة شخصية الرئيس السيسى كزعيم قوى وهادئ يهمه فى المقام الأول والأخير مصلحة بلاده ومكانتها وليس مصلحة أو مكانة شخصية.

 

والملمح المهم فى العلاقات بين البلدين أن إدارة ترامب ورغم التقارب مع مصر لكنها حاولت إعادة سياسة التبعية أو إملاء شروط على مصر مقابل بعض ما رأته مكاسب منها إعادة 330 مليون دولار تم اقتطاعها من المساعدات الأمريكية لمصر لعامى 2016 و2017.. لكن ثبات مصر على رفض التبعية والإملاءات وإبدالها بالعلاقات الندية دفع إدارة ترامب على إعادة تلك المبالغ دون شروط أو تنازلات مصرية قبل وصول الرئيس نيويورك بأسابيع قليلة.

 

وجاء طلب ترامب لقاء الرئيس الذى تم فى مقر إقامة الرئيس السيسى بنيويورك.. ولعل أكبر دليل على نجاح اللقاء والتغيير فى الموقف الأمريكى تغريدة الرئيس ترامب فور انتهاء اللقاء بسعادته بلقاء شخصية عظيمة مثل الرئيس السيسى وهو ما رد عليه بالمثل الرئيس عبد الفتاح السيسى تأكيدا لسياسة جديدة بين البلدين أساسها الإحترام والندية.

 

 فزاعة حقوق الإنسان

 

ولعل ملف حقوق الإنسان كان حاضرا فى الزيارة.. هذا الملف الذى كان ومازال يستخدم كفزاعة ضد مصر ومحاولة تشويهها.. لكن الرئيس عبد الفتاح السيسى وبذكاء شديد ألقى الكرة فى ملعب مستخدمى تلك الفزاعة وعلى ملأ من العالم كله فى كلمته أمام الجمعية العامة مشددا على القصور الكبير فى تعامل المجتمع الدولى مع قضايا حقوق الإنسان وأن حماية حقوق الإنسان لن تتحقق بالتشهير الإعلامى وتسييس الموضوع وتجاهل التعامل المنصف مع كافة مجالات حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

 كاشفا أن مصر لديها أساس دستورى لحماية حقوق الإنسان بأشمل معانيها من تفعيل وتمكين قطاعات عديدة فى مقدمتها المرأة والشباب.. والحرب الضروس على الإرهاب لتوفير حق الإنسان ليس المصرى فقط إنما فى العالم كله فى الأمن والأمان.

 

والملف المهم أيضا والرئيسى الذى يحمله الرئيس دائما فى زياراته الخارجية وهو الملف الاقتصادى.. فرغم أن السياسة كانت غالبة على زيارة الرئيس بالطبع إلى نيويورك.. لكن حتى السياسة تخدم أيضا الاقتصاد بشكل كبير.. وكان التعاون الاقتصادى حاضرا فى مباحثات الرئيس مع جميع القادة الذين التقاهم فى نيويورك.

 

ناهيك عن لقاءات اقتصادية بحتة على رأسها لقاء الرئيس السيسى مع مديرة صندوق النقد الدولى ورئيس البنك الدولى ورئيس شركة بوينج وأعضاء غرفة التجارة الأمريكية وكبار المستثمرين.. وما شهدته من إشادات بالتطورات الاقتصادية بمصر والإتفاق على تعاون يعود بالنفع على اقتصادنا القومى.

 

 قوى الشر ومائدة الزعماء

 

وفى الختام نجد أن هناك مؤشرات عديدة على النجاح الكبير للمشاركة لزيارة الرئيس السيسى لنيويورك والمشاركة المصرية فى الجمعية العمومية للعالم.. وهنا نشير إلى نقطتين مهمتين تؤكدان نجاح زيارة الرئيس وتغير النظرة الدولية وحتى المحلية لدور مصر.

 

ومن منطلق هذا الدور حرصت الأمم المتحدة ومن خلال المراسم التقليدية أن يكون الرئيس جالسا على المائدة الرئيسية فى حفل الغداء الذى أقامه أنطونيو جوتيارس سكرتير عام الأمم المتحدة تكريما لرؤساء الدول والحكام والملوك المشاركين فى افتتاح دورة الجمعية العامة.. وجلوس الرئيس السيسى على المائدة الرئيسية إلى جانب السكرتير العام والرئيس ترامب تأكيد على ميلاد مصر كقوة إقليمية عظمى.

 

والنقطة الثانية ما كانت تقوم به قوى الشر وأتباعها فى أمريكا من تنظيم وقفات وترديد هتافات تنال من مصر فى إطار محاولات تشويهها وإحراجها دوليا.. لكن هذا العام شهد ترجاعا كبيرا لتلك الوقفات التى كانت شبه غائبة.. وهذا فى رأيى تأكيد لنجاح مصر على كافة الأصعدة وترسيخ قوتها بحيث لا تنال منها مجرد وقفات مخادعة وهتافات مغرضة.. وثانيا يأَّسَ قوى الشر هذا النجاح الذى أصاب قوى الشر بالإحباط من محاولاتهم اليائسة لتشويه مصر الجديدة.

 

فى المقابل تزايدت وقفات المؤيدين لمصر ورئيسها طوال أيام الزيارة وتحت المطر مؤكدين ثقتهم فى بلادهم.. مرددين ونحن نردد معهم «تحيا مصر».