‎محمد البهنساوي ‎يكتب من نيويورك| في الأمم المتحدة.. مصر لا تتحدث عن نفسها

من داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة
من داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة

◄| من على منبرها| السيسي يواجه المنظمة الدولية بعجزها ويكشف بهدوء ألاعيب القوي العظمي 
◄| ‎المصارحة والثوابت المصرية .. وهكذا تعود القوة الإقليمية العظمي  
◄| كيف فضح الرئيس أكذوبة حقوق الإنسان؟؟ .. وقدم الرؤية المصرية العملية لتحقيقها بالدماء الذكية
◄| ثوابتنا في القضية الفلسطينية تواجه القرارات الأمريكية وتفضح التعنت الإسرائيلي 

كلمات صريحة ومباشرة وقوية ومركزة.. هكذا يمكن أن نصف كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي جاءت امتداداً للقاءات العديدة التي عقدها ولازال الرئيس السيسي بالمقر الأممي علي هامش مشاركته .. والكلمة واللقاءات حملت نفس المعاني والرؤى .. مصارحة مصرية رصينة بالواقع الدولي دون تجاوز أو تهويل أو تهوين .. وكشفت عن بداية ميلاد جديد لمصر كقوة إقليمية عظمي .. مهمومة ليس فقط بتحدياتها الداخلية التي كانت محورًا رئيسيا بالطبع للزيارة .. إنما أيضا بمشاكل محيطها العربي والإفريقي .. باعتبارها دولة ذات ريادة وقيادة تدفعها للذود عن حقوق الشعوب الشقيقة .. وتفضح بهدوء التمييز والعجز والتخاذل الدولي تجاه تلك الشعوب ... مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته لإنهاء تلك المعاناة إذا كان يسعي وبحق لحقوق الإنسان والعدالة الإنسانية.
فقد نبه الرئيس في كلمته الجميع بأن دور الأمم المتحدة الترسيخ لنظام دولي عادل وفاعل، يقوم على توازن المصالح والمسئوليات، واحترام السيادة، ونشر ثقافة السلام، والارتقاء فوق النزعات العنصرية والتطرف والعنف، وتحقيق التنمية المستدامة .. ولأن مصر تؤمن بهذا الدور فقد أصبحت احد أهم الدول مساهمة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة  لتصبح سابع أكبر دولة مساهمة في تلك العمليات .. لكن ورغم هذا التأكيد والتنبيه.. فإن الرئيس السيسي صارح الجميع وبلا مواربة بالخلل الكبير في عمل الأمم المتحدة، وألمح إلي فقدان مصداقية المنظمة الدولية بالمنطقة العربية والإفريقية لعجزها عن مواجهة موجة الإرهاب والصراعات الطائفية والمذهبية التي تستنزف مقدرات تلك الشعوب .. أو تخفيف وطأة الفقر وتوقف النمو والتطور لأفريقيا بسبب النظام الاقتصادي العالمي.
وبالطبع لم تغب القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى عن خطاب الرئيس الذي تحدث بصراحة وقوة عن العجز والتخاذل الدولي تجاه حقوق الفلسطينيين.. شارحاً وبوضوح الثوابت المصرية فيما يخص القضية الفلسطينية وهي؛ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولم يعبأ بالتأكيدات الأمريكية المستمرة وآخرها في كلمة «ترامب» في اليوم نفسه عن حق إسرائيل في القدس عاصمة موحدة لها، وتلك قوة تحسب لمصر ورئيسها الذي عرّى في نفس اللحظة التعنت الإسرائيلي والتخاذل الأمريكي عندما أكد أن يد العرب لا تزال ممدودة بالسلام.

باسم الشعوب 
وفي الشأن الدولي أيضاً؛ وبنفس الصراحة والقوة تحدث الرئيس السيسي باسم شعوب العالم الثالث مؤكدًا وبشكل مباشر أن الدول النامية لا تحتمل العيش في منظومة دولية لا يحكمها القانون والمبادئ السامية التي تأسست عليها الأمم المتحدة، وتكون عرضة للاستقطاب ومحاولات البعض الهيمنة على النظام الدولي وفرض توجهاتهم على أعضاء المجتمع الدولي.. بل وواجه الرئيس الجميع بحقيقة التواطؤ الدولي في محاولات تفكيك الدول خاصة بالمنطقة العربية.. لكنه ألقى بالكرة في وجه القوى العظمى مصرحاً بأن تفكك الدول يهددهم أيضاً حيث أن هذا التفكك هو المسئول عن أخطر الظواهر الدولية، بداية من انتشار النزاعات المسلحة وتفشى الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة في السلاح والمخدرات، وهذه تهديدات للعالم بأسره، مؤكدًا أنه لا حل  لتلك المشاكل وتجنب هذه المخاطر إلا بدعم والحفاظ على الدولة الوطنية وقوامها خاصة بمنطقتنا.
وشرح الرئيس المخاطر التي تواجه دول المنطقة خاصة؛ سوريا واليمن وليبيا، كاشفاً عورات تخاذل المجتمع الدولي تجاه تلك الدول شارحاً الدور المصري المهم لمساندتها حتى لا تصبح منطقتنا - كما هي الآن- بيئة خصبة للإرهاب، وهنا ذكاء الخطاب الذي يدرك ويفضح بهدوء أمام العالم  ألاعيب القوى الدولية والإقليمية في منطقتنا، لتحقيق مصالحها المشتركة علي حساب دمار الدول العربية ووأد تطلعات شعوبها  وهو ما تقاومه مصر وبشدة.
كما أن الرئيس حمّل الأمم المتحدة مسئوليتها باعتبار أن السبب والمبرر الأساسي لتأسيسها ووجودها هو إيجاد حلول سلمية مستدامة للنزاعات الدولية، بجانب دورها أيضا في حشد الموارد لمساعدة الدول الخارجة من نزاعات لإعادة تأهيل مؤسساتها وبهذا فقد تستعيد الأمم المتحدة مصداقيتها أمام العالم.

حقوق الإنسان الحقيقية
ومن النقاط الذكية والقوية في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمم المتحدة، التناول السريع .. الذكي.. المركز في الوقت نفسه لمسألة حقوق الإنسان، عندما طالب المجتمع الدولي بالتفاعل العادل مع قضايا حقوق الإنسان فبذكاء شديد، أكد الرئيس أن حماية حقوق الإنسان لن تتحقق بالتشهير الإعلامي وتسييس آليات حقوق الإنسان، وتجاهل التعامل المنصف مع كافة مجالات حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. فلا مجال لاستعادة مصداقية الأمم المتحدة طالما استمر الملايين يعانون من فقر مدقع، أو يعيشون تحت احتلال أجنبي، أو يقعون ضحايا للإرهاب والصراعات المسلحة.
والذكاء هنا في الكشف الهادئ عن زيف إدعاءات حماية حقوق الإنسان بالتشهير الذي يضر الإنسان لا ينفعه ويزيد معاناته لا يخففها .. حتى أصبحت حقوق الإنسان ستاراً خبيثاً لتدمير الإنسان ..ناهيك عن أن دعاة حقوق الإنسان هم أنفسهم أدوات التدمير من خلال الزج بتلك الشعوب في صراعات وإرهاب وفقر، تضيع تحت وطأته أبسط حقوق هذه الشعوب .. وبنفس الهدوء فضح السيسي في كلمته شبكة الدعم الدولي والإقليمي لجماعات الإرهاب في مصر ومدها بالدعم اللوجستي والمادي والخططي تربصا بالمصريين ووقف نمو وتطور بلدهم.


قضايا الداخل 
ومن نقطة حقوق الإنسان .. انتقل الرئيس السيسي في كلمته من الشأن الدولي والإقليمي إلى الداخل المصري .. شارحاً الفهم المصري لحقوق الإنسان الذي تمتلك  مصر أساسا دستوريا راسخا لحماية حقوق الإنسان بأشمل معانيه، وحقوق الإنسان تحققها مصر من خلال قفزات نوعية خاصة في مجال تمكين المرأة من المناصب الوزارية، ومقاعد البرلمان ومختلف المناصب القيادية في الدولة وهناك المزيد والمزيد في تمكين المرأة والشباب وتمكينهم سياسيا واقتصاديا وعلميا .. بجانب الاهتمام الكبير الذي يوليه الجيش والشرطة لأهم حق للإنسان وهو حق العيش بأمان من خلال حرب ضروس يخوضونها بدماء وأرواح أبنائهم الأبطال دفاعا عن حقوق ليس الإنسان في مصر إنما في العالم بأسره.
استحق في رأيي هذا الخطاب الرائع القوي أن نهتف نحن في نهايته .. وليس الرئيس «تحيا مصر...تحيا مصر...تحيا مصر».