ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب من نيويورك.. ماذا وراء قمة الليلة مع ترامب ولقاء الأربعاء مع نتنياهو

الكاتب الصحفي ياسر رزق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي ياسر رزق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم

هذه هى الزيارة الخامسة للرئيس السيسى إلى نيويورك، للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.


يحرص الرئيس على هذه الزيارة السنوية، للإطلال على العالم عبر منصة المنظمة الدولية وعرض رؤى مصر ومواقفها أمام المجتمع الدولى.


شتان بين الزيارة الأولى فى سبتمبر عام 2014 وهذه الزيارة.


فى المرة الأولى، كان منتهى أمل مصر. أن تنجح فى كسر طوق عزلة دولية، فرضت عليها فى أعقاب ثورة 30 يونيو، إما لسوء فهم حقيقة ما جرى على أرض مصر، أو لسوء الغرض فى تفسير أسباب ما جرى.


هذه السنة، لم يعد مجرد الحضور هو الهدف الرئيسى، ولا المشاركة فى حد ذاتها فى فعاليات الاجتماعات، بل الهدف صار المشاركة الفعالة فى رسم سياسات وبرامج المجتمع الدولى فى القضايا ذات الاهتمام العالمى.


كان رد الفعل هو الأساس فى الموقف المصرى إزاء عزلة تحاصره، وصار الموقف الآن يستند إلى الفعل والمبادرة ويستظل بسياسة خارجية عاقلة متزنة، تحرص على المصالح المصرية بقدر حرصها على الصالح الإقليمى والعالمى فى الأمن والاستقرار والسلام والتنمية للجميع.


تطل مصر على مجتمعها الدولى هذا العام، وهى تتولى رئاسة أكبر تجمع اقتصادى للدول النامية وهو مجموعة الـ77+الصين، وتعرض مصر رؤاها بعد أن أتمت عاميها بعضوية مجلس الأمن فى مطلع هذا العام، وتقدم تصوراتها لمجابهة المخاطر الدولية كالإرهاب، والتعامل مع التحديات العالمية والأزمات الإقليمية، وهى تتأهب لرئاسة الاتحاد الإفريقى فى يناير المقبل، بعدما كانت منذ 5 سنوات خارج عضوية هذا التجمع الإقليمى الكبير الذى كانت على رأس مؤسسيه منذ أكثر من نصف قرن.


وبرغم تعدد الفعاليات والقمم الدولية خلال اجتماعات الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، وبرغم ازدحام جدول أعمال الرئيس السيسى باللقاءات مع قادة دول يمثلون مختلف قارات العالم، فإن أبرز بنود أجندة زيارة الرئيس هذا العام - فى تصورى- هو القمة المرتقبة التى ستجمعه الليلة مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ثم اللقاء المهم المقرر أن يتم يوم الأربعاء المقبل بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.


< < <


من بين 95 من ملوك ورؤساء دول العالم المشاركين فى اجتماعات الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة، يلتقى الرئيس الأمريكى ترامب مع 6 فقط من القادة، هم الرئيس عبدالفتاح السيسى ورؤساء دول وحكومات فرنسا وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل.


عادة لا يحبذ الرؤساء الأمريكيون عقد لقاءات مع قادة دول العالم على هامش هذه الاجتماعات السنوية بنيويورك، تجنبا لحرج الاستجابة لطلبات عدد محدود منهم اتمام اللقاءات، والاعتذار عن عدم تلبية طلبات العشرات غيرهم.


هذا العام، وللسنة الثانية على التوالى، يطلب الرئيس ترامب الالتقاء بالرئيس السيسى أثناء وجوده فى نيويورك، ويقرر أن يزوره فى مقر إقامته بفندق «بالاس» تعبيراً عن تقديره الشخصى للرئيس السيسى الذى يلمسه معاونو الرئيس الأمريكى وأركان إدارته.


هذا هو اللقاء الخامس بين السيسى وترامب منذ عامين. كان اللقاء الأول أيضا فى فندق «نيويورك بالاس»، وقتها كان ترامب مرشحاً عن الحزب الجمهورى للرئاسة الأمريكية، وكان الرئيس السيسى واحداً من قلة فى هذا العام يتوقعون فوز ترامب من واقع قراءة دقيقة للمشهد وتقدير موقف لمزاج الناخب الأمريكى ونظرته للمرشح الأمريكى وبرنامجه.


ثم توالت اللقاءات فى واشنطن، حيث عقدت أول قمة بين الرئيسين، وفى الرياض خلال أعمال قمة مكافحة الإرهاب، وفى نيويورك على هامش اجتماعات الدورة السابقة للأمم المتحدة.


لم يفاجأ أحد من المراقبين بإعلان البيت الأبيض عن ترتيب هذه القمة بين الرئيسين هذا الأسبوع.


على العكس، كانوا يتوقعونها ويترقبونها أملاً فى أن تبدد غيوماً تعترى سماء الشرق الأوسط، وتزيل عقبات أمام عملية السلام، التى خنقها قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ويكاد يزهق روحها.


أجواء قمة الليلة فى فندق «نيويورك بالاس» تختلف إلى حد كبير عن أجواء قمة العام الماضى.


فى سبتمبر من السنة الماضية، كانت العلاقات المصرية الأمريكية تخيم عليها قرارات للإدارة الأمريكية وأفعال تناقض تعهداتها وأقوالها، بالذات فى شأن دعم مصر فى مجال محاربة الإرهاب.

 

فقد سبقت القمة الماضية قرارات لوزير الخارجية تيلرسون بشأن وقف 95.7 مليون دولار من المساعدات الأمريكية المخصصة لمصر عام 2016، وتعليق 195 مليون دولار من مساعدات عام 2017، وقرار من اللجنة الفرعية للاعتمادات بمجلس الشيوخ باقتطاع 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لعام 2018، وكانت الذريعة وراء تلك القرارات هى ادعاءات بشأن ملف مصر فى مجال حقوق الإنسان.


أما الأجواء التى تظلل قمة الليلة بين الرئيسين، فتبدو أكثر ايجابية، فقد سبق القمة إجراء مناورات النجم الساطع الأسبوع الماضى وهو ما يعكس عمق واستراتيجية العلاقات العسكرية بين البلدين، وصدور قرار من وزير الخارجية الجديد بومبيو بالإفراج عن 135 مليون دولار من مساعدات عام 2016 و195 مليون دولار من مساعدات عام 2017 كمؤشر على أن العلاقات بين البلدين تسير على الطريق الصحيح.


وعلى حد قول وزير الخارجية سامح شكرى، جاءت القرارات الأمريكية، دون أن تكون مرتبطة بالوفاء بشروط ما، أو تنفيذ أمور بعينها.


< < <


القمة المصرية الأمريكية تناقش الليلة 3 ملفات رئيسية، هى التعاون المشترك خاصة فى المجالات الاقتصادية، ودعم الجهود المصرية فى مجال مكافحة الإرهاب، وقضية السلام وسبل استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.


وفيما يتعلق بالملف الأخير تحديداً ليس من المتصور أن يحدث فيه اختراق يؤدى إلى تغيير درامى فى قضية السلام، ولكن من المؤكد أن مصر ستركز على موقفها من ضرورة أن تراعى خطة السلام الأمريكية التى لم تتبلور بعد ولم تطرح ملامحها على الأطراف، والتى يسميها الرئيس الأمريكى مرة بصفقة القرن، ومرة بخطة «نهاية المطاف»، عدة أمور رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها لاستئناف التفاوض، هى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين والنتائج التى وصلت إليها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبل توقفها.


وفيما يتعلق بالتعاون المصرى الأمريكى. ينتظر أن تسفر القمة عن تحديد موعد الآلية الجديدة للتشاور بين البلدين بمشاركة وزيرى الخارجية ووزيرى الدفاع (2+2) وهناك توقعات بأن تنعقد هذه الآلية فى نوفمبر أو ديسمبر المقبلين لتحقيق مزيد من التواصل وتدعيم العلاقة المصرية الأمريكية. وينتظر أيضا أن يتحدد موعد استئناف الحوار الاستراتيجى بين البلدين والمرجو ان ينعقد فى الربيع المقبل.


< < <


مساء بعد غد.. يلتقى الرئيس السيسى فى مقر إقامته بنيويورك مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.


هذا هو اللقاء الثانى فى نفس المكان بين الرئيس نتنياهو بعد لقاء العام الماضى.


لقاء هذا العام ليس مفاجئاً، فقد جرى الترتيب له قبل وصول الرئيس السيسي، خلافا للقاء العام الماضى الذى تم ترتيبه على عجل، بعد لقاء ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، ولقاء للسيسى مع الرئيس الفلسطينى أبومازن، ولقاءات بعد ذلك للرئيس الأمريكى مع أبومازن والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى.


دون استباق لمجريات الأحداث، أقول أنه ليس هناك شك فى أن قضية السلام ستكون محور لقاء الرئيس مع نتنياهو.


وربما نسمع قبل هذا اللقاء، تجديداً لدعوة الرئيس السيسى باغتنام فرصة سانحة لتحقيق السلام لا ينبغى اضاعتها، التى سبق أن أطلقها منذ عامين فى أسيوط وأكد عليها على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.


لقاء الأربعاء، هو جزء من جهد مصرى مخلص يستهدف عدم قتل الأمل فى السلام، والتركيز على الآفاق التى يمكن أن تفتحها التسوية العادلة لشعوب المنطقة وفق قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، وقد لا يؤدى اللقاء إلى حدوث تغيير درامى فى الموقف الإسرائيلى، لكن لعله يعيد الحياة إلى مسألة التفاوض، ويجنبنا تدهوراً فى الموقف لا يستطيع أحد تحمل تبعاته.