مصر وأمريكا.. علاقة تفرضها المصالح الاستراتيجية

السيسي وترامب.. رؤى متقاربة وحرص على الارتقاء بالتعاون بين البلدين

الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب


شهدت العلاقات الدبلوماسية المصرية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي سلطة البلاد في 2014 تطورا كبيرًا، مع حفاظها على الثوابت التاريخية للسياسة الخارجية لمصر والتي لا تتغير بتغير رأس السلطة، حيث قامت هذه السياسة على التنوع فى العلاقات الدولية، وأكد الرئيس السيسي فى أكثر من مناسبة أن «مصر دولة رشيدة لها وجه واحد، ولن نكون ضد أى دولة، لا نتآمر على أحد، وهذه رسالتنا للعالم كله، نحن ندير سياسة شريفة فى زمن عز فيه الشرف، كما اننا حريصون على إقامة علاقات متوازنة مع كافة دول العالم، وليس لديها سوى وجه واحد وتتحدث لغة واحدة مع الجميع، وتنشد الخير والسلام والبناء والاستقرار للإنسانية بأسرها».

 

صعود وهبوط

 

ولعل اكثر العلاقات الخارجية المصرية التى مازالت تشهد صعودًا وهبوطًا بين الحين والآخر هى علاقتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الترنح ليس فقط حديث العهد، انما على مر التاريخ، ولم يكن خفيا انه خلال السنوات الأربع الماضية واجهت مصر محاولات أمريكية عديدة للتدخل فى شئونها الداخلية، ومن أبرزها تدخلات إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما بشأن الوضع السياسى فى مصر، فضلا عن الموقف القانونى والقضائى المتعلق بجماعة الإخوان الإرهابية وكوادرها الخاضعين للمحاكمات وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسى.
كانت العلاقات بين الجانبين المصرى والأمريكى دافئة خلال فترة حكم المعزول محمد مرسي، بصورة دفعت الرئيس الأمريكى اوباما انذاك إلى انتقاد إرادة الشعب المصرى لنزوله فى 30 يونيو للمطالبه بعزل مرسى، إلى جانب تعليق واشنطن المساعدات الأمريكية لمصر، والتى تقدر بـ 1.3 مليار دولار سنويًا، عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، كمحاولة للضغط على الإرادة المصرية التى لم ترضخ لمثل هذه التهديدات، تأسيساً لمبدأ عدم السماح لأى دولة بالتدخل فى السياسة المصرية، إلا ان العلاقات عادت مرة اخرى لحالة من الفتو.

 

لتعود العلاقات إلى طبيعتها بعد تولى الرئيس الحالى دونالد ترامب للسلطة، وتوجيه الدعوة للرئيس عبدالفتاح السيسى لزيارة الولايات المتحدة، فى محاولة لرأب الصدع الذى خلفته إدارة أوباما مع الدولة الأكثر ثقلا فى منطقة الشرق الأوسط، حيث استطاع الرئيس السيسى كسر الجمود فى هذه العلاقة، التى وصفها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قائلا: «كان هناك تفاهم جيد.. إنه شخص رائع ويسيطر بحق على زمام الأمور فى مصر».


وخلال عام واحد فقط التقى الرئيسان 4 مرات، كما عادت من جديد مناورات النجم الساطع بين الجيش المصرى والأمريكى العام الماضى، كذلك هذا العام بقاعدة محمد نجيب، وذلك بعد أن توقفت 8 سنوات كاملة.

 

وقد أكد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئيس السيسى خلال زيارته للولايات المتحدة فى 3 أبريل 2017، علي تجديد العلاقات بين الجيشين المصري والأمريكي، قائلًا : «نجدد العلاقات بين جيوشنا إلى أعلى مستوى فى هذه الأوقات أكثر من أى وقت مضى، أريد فقط أن أقول لك سيدى الرئيس، إن لديكم صديقا وحليفا فى الولايات المتحدة».

بداية وفرصة


زيارة الرئيس السيسى للولايات المتحدة الأمريكية والتى كانت أول زيارة رسمية لرئيس مصرى إلى الولايات المتحدة منذ ١٠ سنوات، كانت بداية وفرصة لحسم جميع الملفات التى تخص التعاون الثنائى وكذلك القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين العالمى والإقليمى، وبدا الجانبان يحملان رؤية واحدة تجاهها، وهو ما أظهرته تصريحاتهما منذ حتى ما قبل فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية فى أواخر عام 2016، لتنتهى بذلك حقبة من التوترات التى شابت العلاقات بين البلدين، منذ ما يقرب من ٥ سنوات، عندما كان باراك أوباما على رأس السلطة السياسية فى الولايات المتحدة.


عودة الدفء


بعد عودة الدفء للعلاقات بين مصر والولايات المتحدة شهددت الزيارات الرسمية المتبادلة بين قوة دفع كبيرة وتحديدا منذ أغسطس ٢٠١٥ واستئناف الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى على مستوى وزيرى الخارجية لأول مرة منذ عام ٢٠٠٩، وأعقبه زيارات وفود الكونجرس الأمريكى لمصر، كذلك زيارات مسئولين مصريين إلى الولايات المتحدة، ففى يناير الماضى قام نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس بزيارة لمصر، استقبله خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبحث الجانبان سبل دعم علاقات التعاون بين البلدين فى كل المجالات بالإضافة لبحث آخر التطورات الإقليمية والدولية وعلى رأسها عملية السلام ومواجهة التنظيمات الإرهابية والأزمات فى سوريا واليمن وليبيا.

 

وكذلك قام ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكى الاسبق قبل اقالته بزيارة لمصر فى الشهر التالى لزيارة نائب الرئيس الامريكى واستقبله الرئيس السيسي ايضًا، وعقد سامح شكرى وزير الخارجية معه مؤتمرا صحفياً، وكانت هذه الزيارة هى اول زيارة له لمصر بعد توليه منصبه، وفى يوليو الماضى قام رونالد لاودر رئيس الكونجرس اليهودى العالمى بزيارة لمصر استقبله الرئيس السيسى وبحث الجانبان عدداً من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها عملية السلام فى الشرق الأوسط، حيث أكد الرئيس مساندة مصر لمختلف الجهود الرامية لاستئناف عملية السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي.

 

وفى نفس الشهر قررت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب السماح لمصر باستخدام قيمة مساعدات عسكرية أمريكية تم حجبها فى السابق بسبب المخاوف من سجل حقوق الإنسان فى البلاد تقدر بنحو 195 مليون دولار، وعلق مسئول فى وزارة الخارجية الأمريكية قائلا: «إن القرار أيضا يأتى فى ضوء تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة وذلك ضمن مساعدات تبلغ قيمتها الكلية نحو 1.3 مليار دولار».

 

وقد جاء هذا القرار بعد ان علقت الخارجية الامريكية جزءًا من المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر فى أغسطس 2017، وجاء رد مصر على ما زعمته الولايات المتحدة عن وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، بأن القرار «حكم غير عادل» على طبيعة العلاقات الاستراتيجية التى ربطت بين البلدين لعقود.

 

وعلى مستوى وزارة الخارجية، قام سامح شكرى وزير الخارجية بزيارة لأمريكا فى اغسطس الماضى، حيث التقى شكرى مع نظيره الأمريكى «مايك بومبيو» ومستشار الأمن القومى «جون بولتون». وبحث الجانبان سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتأكيد على أهمية تحقيق المصالح المشتركة فى المجالات المختلفة والتنسيق بشأن مواعيد انعقاد الجولة القادمة للحوار الاستراتيجى وآلية 2+2 على مستوى وزيرى الخارجية والدفاع بالبلدين. 


كما تم تبادل الرؤى والتقديرات بشأن عدد من القضايا والتحديات الإقليمية محل الاهتمام المشترك، حيث تحرص واشنطن والقاهرة على تكثيف التشاور والتنسيق حيالها بما يعزز من دعم الاستقرار والسلام فى المنطقة.


تحديات عديدة


الرئيس السيسى يدرك تماما أهمية العلاقات الاستراتيجية التى تربط مصر بالولايات المتحدة منذ عقود، ونجاح تلك العلاقات فى اجتياز العديد من التحديات خلال السنوات القليلة الماضية يؤكد عمقها وثباتها واستقرارها، فضلا عن تطلعه لتعزيز التعاون والتنسيق مع إدارة الرئيس ترامب لا سيما فى ضوء وجود تحديات مشتركة تتطلب تكثيف التعاون للتعامل معها، ففى اكثر من مناسبة نوه الرئيس إلى أهمية زيادة الاهتمام الأمريكى بقضايا المنطقة، كما أكد حرصه على الالتقاء بمختلف أطياف الشعب الأمريكى لاستعراض تطورات المنطقة وشرح حقيقة ما تمر به من تحديات.