حوار| د.محمد غنيم: تنتهي الدروس الخصوصية بزيادة رواتب المعلمين

د.محمد غنيم خلال الحوار
د.محمد غنيم خلال الحوار

- حان وقت إنشاء مفوضية للتعليم تتبع رئيس الجمهورية 
- التعليم الجامعي يتراجع.. والجامعات الخاصة هدفها الربح فقط


في محرابه الفريد الذي يتهيب الجميع قبل الدخول إليه كان هذا الحوار.. فهنا تتجسد العبقرية بكل معانيها ومفرداتها حيث النموذج النادر لقيمة مصرية سنظل نفاخر بها على الدوام.. هنا تمتزج البراعة العلمية بالثقافة الموسوعية بالإيمان العميق بالله المؤسس على الحقائق لا الخزعبلات والأساطير.. هنا الجد والحكمة والصرامة ونقاء القلب والسريرة.
هنا محراب الموسوعة المصرية التي تمشى على قدمين.. تزدان جدرانه ببعض الصور التي تحمل جانبا من رحلة كفاحه من أجل مشروعه الذي أسسه ليعيد البسمة للمرضى البسطاء من أبناء الوطن ووصل به ليكون درة التاج في المراكز الطبية العالمية المتخصصة لعلاج أمراض الكلى والمسالك البولية.. وعلى أرففه مئات المجلدات والمراجع والكتب والأبحاث وجهاز الكمبيوتر الذي يتابع من خلاله أحدث العلوم والمعارف والفنون والآداب في شتى مناحيها.

هنا نلتقي بعالم مصر الكبير الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى والمسالك البولية بالشرق الأوسط ومؤسس مركز الكلى والمسالك البولية بالمنصورة وعضو المجلس الاستشاري العلمي برئاسة الجمهورية.

الحوار دار حول قضايا التعليم حيث موضوع الساعة.. فلا تنمية ولا تقدم في رأى عالمنا الكبير إلا عبر التعليم والبحث العلمي لذا يؤكد على حتمية تطوير قانون الجامعات الحالي والتزام الدولة بالنسب الدستورية المحددة للإنفاق على التعليم والبحث العلمي والصحة كما يطالب بإنشاء مفوضية للتعليم تتبع رئيس الجمهورية تكون مسئولة عن وضع الخطط الإستراتيجية لتطوير التعليم على أن تكون مسئولية الوزراء تنفيذ تلك الخطط وفق برامج زمنية محددة..
فإلى حوار عالمنا الكبير

< هناك مشروع لتطوير التعليم قبل الجامعي سيبدأ تطبيقه مع العام الدراسي الجديد فهل يعد المشروع مدخلا طبيعيا لتطوير التعليم في مصر؟

لا يمكن فصل تطوير التعليم إلى مراحل.. فالتعليم حزمة واحدة.. بدءا من التعليم الأساسي فالتعليم الثانوي والفني فالجامعي ثم تنتهي بالبحث العلمي وجميعها في حزمة واحدة.

فمحاولات إصلاح التعليم ما قبل الجامعي دون الاهتمام بالتعليم الفني أو التعليم الجامعي سوف تتقلص فوائده وتتلاشى إيجابياته إن وجدت. وعليه لا بد من إنشاء مفوضية للتعليم تتبع رئيس الجمهورية مباشرة.
القيم الحضارية 
< وما أهمية إنشاء المفوضية؟

من المعروف أن التعليم حق لكل مواطن وهدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وغرس المنهج العلمي في التفكير والكشف عن المواهب وتنميتها وترسيخ القيم الحضارية والروحية وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز.

كما أن المعارف العلمية والإنسانية في تطور مستمر، وهذا يحتم التطوير المستمر للمناهج ولقدرات المعلمين وآليات التدريس ونظم الامتحانات.

وهذه المطالب الهامة لا يستطيع أن يقوم بها فرد واحد
«الوزير» مهما بلغت قدرته وخبراته.. لذا فإن إنشاء مفوضية التعليم يصبح ضرورة حتمية للقيام بهذه الأعباء الهامة على أن تكون هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تتبع رئيس الجمهورية.

< وما تصوركم لمهامها؟

لا شك أن مهمتها الأساسية ستكون وضع مخططات التطوير وآليات التنفيذ ومعايير الجودة.. على ألا يترأس المفوضية أي من الوزراء المختصين بالتعليم وتكون مسئولية الوزير تنفيذ الخطة في إطار زمني محدد ويتم محاسبته على هذا الأساس.

ويجب أن تراعى المفوضية عملية تطوير التعليم من حيث أهدافه ومحتواه ومؤسساته وطرقه وأساليبه على نحو ينقل التعليم المصري من وضعه الراهن إلى وضع يجعله أكثر جودة وفعالية وإسهاما في إعداد المواطن المصري للتفاعل مع مجتمع المعرفة والمنافسة مع نظم التعليم العالمية وتراكم قوة مصر الناعمة.

وهذه الأهداف الطموحة تستلزم من المفوضية وضع إستراتيجية عامة تلتزم وزارة التعليم بتنفيذها.. كما تقوم بمراجعة المناهج دوريا ومراجعة الكتب المدرسية دوريا ووضع مقترحات لآليات جديدة للتعليم قابلة للتنفيذ ومقترحات بشأن أنماط جديدة للامتحانات المدرسية والعامة.
< وماذا عن تشكيلها؟
يجب أن يشتمل تشكيلها على ممثلين لوزارتي التعليم والتعليم العالي ممن لهم خبرة وممثلين عن أولياء الأمور وعن التعليم الخاص والمتخصصين في المعارف التربوية وكل من له اهتمام وخبرة وقدرة على الإسهام الجاد في تطوير التعليم من مفكرين وغيرهم.
كثافة الفصول
< ولكن ما أهم المحاذير على عملية التطوير؟
لا خلاف على ضرورة تطوير العملية التعليمية في مصر مع الأخذ في الاعتبار ما يلي:
كثافة الطلاب في الفصول فيجب حل تلك المشكلة والنزول بالكثافة لمعدلات مقبولة تسمح بالتواصل الجيد بين المدرس وطلابه.

قدرات المعلمين ولا بد هنا من العودة للنظام القديم لاختيار المعلمين حيث كان يتم اختيارهم من خريجي دار العلوم وكليات العلوم والآداب وكان يعقب اختيارهم حصولهم على دراسة تربوية.. فالمستوى العلمي لخريجي تلك الكليات أعلى من خريجي كليات التربية.. ويجب أن يتم توزيع أفضل المدرسين على المدارس الابتدائية.

أما عن دخول المعلمين.. فيجب تخصيص مورد لزيادة دخل المعلمين المختارين والمدربين على الأساليب الحديثة والملتزمين لأنه بدون ذلك لن تنتهي الدروس الخصوصية.. ويجب الانتباه لخطورة إجراء الامتحانات في المدارس تحت إشراف نفس المدرسين المطحونين كما يجب توحيد العملية التعليمية بالتعليم الأساسي حيث المدارس الحكومية التجريبية واليابانية ومدارس النيل ومعاهد التعليم الأزهري وغيرها.
تجربة ألمانيا
< وماذا عن المحتوى الدراسي؟
بالنسبة للعلوم الوصفية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء يمكن الاستعانة ببرامج متميزة معمول بها بفنلندا وايرلندا كما يمكن الاستعانة بمنظمة اليونسكو في هذا الصدد.. أما العلوم الاجتماعية كالتاريخ والجغرافيا واللغات الأجنبية فيجب الرجوع للمقررات التي كانت سائدة في الأربعينيات والخمسينيات فهي أفضل كثيرا من المقررات الحالية.

فالكتاب المدرسي ضروري ولم يتم الاستغناء عنه في أي نموذج تعليمي في العالم.. لكن هذا لا يعنى عدم الاستعانة بالوسائط التعليمية الحديثة.

وفى ألمانيا الطالب أو الطالبة محظور عليه الاستعانة بالكمبيوتر في الـ4 سنوات الأولى لدراسته حتى يتمكن الطفل من الكتابة وتعلم العمليات الحسابية البسيطة هذا فضلا عن عدم اصطحاب المحمول طوال دراسته.

وأود أن ألفت النظر إلى أنه بالرغم من أن المشروع الجديد يهدف إلى إلغاء الثانوية العامة والأخذ بالنظام التراكمي فإنه سيتبع ذلك اختبارات قبول بالجامعات.. ونتطلع أن تتمتع هذه الامتحانات بالشفافية والعدالة.. لأنه إذا ما حقق النظام الجديد بعض النجاحات دون تطوير التعليم الجامعي فسوف يكون بمثابة تمرين في العدم.
تخلف وترهل
وماذا عن تطوير التعليم الجامعي؟
أتحدث عن التعليم الجامعي الحكومي الذي تخلف وترهل وتراجع وهذا لا يخفى على فطن.
وتردد الكثير من وزراء التعليم العالي على القيام بشكل مؤثر لتغيير قانون الجامعات كى يؤتى التطوير ثماره.
< وما أهم أوجه الخلل في منظومة التعليم الجامعي؟
الأعداد الكبيرة التي يتم قبولها بالجامعات والمعاهد نظرا لغياب التعليم الفني.
والتراجع المستمر في مستويات أعضاء هيئات التدريس العلمية والبحثية نتيجة أن الترقي في الجامعات يجرى بما يعرف بنظام الزحف وليس بالإعلان المفتوح التنافسي.
وإعارة أعضاء هيئة التدريس للخارج بمدد شبه مفتوحة مع الترقي أثناء فترة الإعارة.

وعدم تفرغ أعضاء هيئة التدريس وقلة وضعف وقدم معامل البحوث وضعف مرتبات أعضاء هيئة التدريس مما يؤدى لاهتمامهم بالنشاط الخاص أو طبع المذكرات أو إعطاء الدروس الخصوصية وأتحدى إن كان هناك طالب أو طالبة لأسرته قدرة مالية ولا يحصل على دروس خصوصية ماعدا كلية الزراعة التي لم يعد يقبل عليها أحد.

وهناك تكريس للطبقية في التعليم الحكومي بما يعرف بالشعب الخاصة أو البرامج الخاصة.. وسياسة التوسع في الجامعات الخاصة حيث توجد فى مصر 24 جامعة حكومية مقابل 27 جامعة خاصة ولا أتحدث هنا عما يعرف بالأكاديميات أو المعاهد الخاصة وهذا يؤدى لتكريس الطبقية واستنزاف أعضاء هيئة التدريس للعمل بالجامعات الخاصة التي لا تقوم بالإنفاق على الابتعاث والبحث العلمي وبشكل عام لا تهدف إلا للربح والربح الكثير!!
المدخل الأساسي
< شاركتم مع نخبة من القامات العلمية في وضع رؤية شاملة للنهوض بالتعليم الجامعي في مصر.. فما أهمية النهوض بالتعليم الجامعي؟
التعليم الجامعي هو المدخل الأساسي للبحث العلمي الذي يستهدف خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا ورقى الفكر وتقدم العلم وتنمية العلوم الإنسانية وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة لضمان تقدم الوطن وتنمية ثروته البشرية من خلال الربط بين التعليم الجامعي وحاجات المجتمع والإنتاج.
فالتعليم الجامعي من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطرا حيث يمثل أداتها الأساسية في تزويد البلاد بالمتخصصين والفنيين والخبراء في مختلف المجالات والعلوم.

فالجامعات تعد معقلا للفكر الإنساني في أرفع مستوياته ومصدرا لاستثمار وتنمية ثروات المجتمع وأغلاها وهى الثروة البشرية.
مواد الدستور
< وهل راعى دستور 2014 أهمية التعليم الجامعي؟
نعم.. لقد خصص الدستور للتعليم الجامعي المادتين 21 و22 لتأكيد أهميته ولتحديد أهدافه.
فالمادة 21 أكدت على أن الدولة تكفل استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية وتوفير التعليم الجامعي وفقا لمعايير الجودة العالمية وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها وفقا للقانون.

أما المادة 22 من الدستور فأكدت على أن المعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم الركيزة الأساسية للتعليم وتكفل الدولة تنمية كفاءتهم العلمية ومهاراتهم المهنية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.

< وما أسس نهضة التعليم الجامعي المنشودة؟
هناك عدة اعتبارات تعد بمثابة أسس لتطوير التعليم الجامعي أهمها:
أولا: للتعليم الجامعي ركيزتان: الأولى كلية للعلوم الأساسية والثانية كلية للعلوم الإنسانية وهما المؤهلتان لما يعرف بالتعليم الجامعي المتخصص الذي يتحتم العمل على تطبيقه مستقبلا.
ثانيا: يلتحق بالتعليم الجامعي الحكومي حاليا حوالي مليون و200 ألف طالب.. لذا يجب عدم التوسع في قبول أعداد متزايدة دون الإعداد الجيد لذلك مقدما مثل أعضاء هيئة التدريس والمباني والمعامل ووسائل الاتصالات الحديثة والمكتبات...الخ.

مع تقليص الأعداد تدريجيا لتبلغ حوالي 40 % فقط من الحاصلين على الثانوية العامة أو ما يعادلها ويلزم بالتوازي التوسع في التعليم الفني المهني بعد 9 سنوات من التعليم الأساسي وفى إنشاء معاهد للتعليم الفني العالي بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة.

ثالثا: تشجيع العمل على إنشاء الجامعات الأهلية غير الهادفة للربح كوسيلة للتعليم موازية للتعليم الجامعي الحكومي على أن تلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الأهلية والخاصة والتزامها بمعايير الجودة العالمية وعليها إعداد كوادرها الخاصة من أعضاء هيئة التدريس والباحثين وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية.
أمناء للجامعات
< وماذا عن تشكيل مجلس أمناء للجامعات؟
يشكل لكل جامعة مجلس للأمناء من الأساتذة المشهود لهم علميا وخلقيا ومن الشخصيات العامة ومن رجال الصناعة والإدارة بناء على معايير محددة وتكون المهام الأساسية لهذه المجالس:
اعتماد تعيين أساتذة الكراسي والعمداء ومتابعة أدائهم بناء على معايير محددة.
كما يجب أن يقوم مجلس الأمناء بجلب المنح والعطايا للجامعة واستثمار هذه الأموال استثمارا ذكيا لزيادة موارد الجامعة ووضع السياسات العامة لتنمية قدرتها التعليمية والبحثية والخدمية.

< وما رؤيتكم لتطوير أداء مجالس الأقسام لتكون أكثر فعالية؟
الوحدة الأساسية في البناء الجامعي هو القسم العلمي ويرأسه أستاذ الكرسي ويكون الإعلان المفتوح غير المشروط هو الأسلوب الوحيد للتعيين أو الترقية بين أعضاء هيئة التدريس أو لتقلد المناصب القيادية في الجامعات، وعلى أن تقوم لجان متخصصة باختيار المرشح المناسب وفق قواعد موضوعية ومحددة.

ويفضل أن تضم هذه اللجنة في عضويتها أعضاء من الخارج ضمانا للحياد والموضوعية.. وفى حال التساوي بين أكثر من متقدم يفضل الأصغر سنا.
إحكام الجباية الضريبية
< وكيف يمكن تدبير مصادر لتمويل التعليم ليكون على هذا النحو؟
من المفهوم أنه لا توجد خدمة بدون مقابل.. لكن السؤال:

ومن يسدد المقابل في التعليم والصحة؟
هي مسئولية الحكومة في المقام الأول وقد نص دستور 2014 على نسب محددة للتعليم والصحة ولا يجب أن تتعلل الحكومة بعدم وجود موارد ولا تلتفت لمواد الدستور وهناك وسائل كثيرة تستطيع الحكومة من خلالها تدبير تلك الموارد ومن بينها:
الضرائب التصاعدية والضرائب على الأرباح الرأسمالية وكذا كافة الرسوم التي يجب أن تؤول للخزانة العامة للدولة وإحكام الجباية الضريبية واعتبار التهرب الضريبي جريمة مخلة بالشرف.

كما يجب الاهتمام بمنح البحوث العلمية من وزارة البحث العلمي أو الصناعة أو الأبحاث المشتركة مع مؤسسات علمية بالخارج، والتبرعات من الأفراد على أن تخصم من ضريبة الدخل بالكامل.