حكايات| المكتبة الإسلامية بدير الدومنيكان.. خدمة «كاثوليكية» لطلاب الأزهر

جانب من المكتبة الإسلامية بدير الدومنيكان
جانب من المكتبة الإسلامية بدير الدومنيكان

أغلب الكلمات التي يمكن التحدث بها عن ذلك التجانس الإسلامي القبطي في مصر، لم يعد يستمع لها أحد، إذ أن مصطلحات الوحدة الوطنية في مصر باتت مستهلكة يستخدمها البعض «وقت اللزوم» أو في المناسبات، وحدها الأفعال هي التي تعبر عن التقارب والاحتواء بين العقيدتين، وهذا ما تظهره المكتبة الإسلامية في  دير الدومنيكان.


تاريخ الدير

 

تأسس الدير على يد الأب الدومنيكاني أنطونين جوسان (1871 - 1962)، على أرض باعها له الملك فؤاد عام 1928، وكان الهدف آنذاك أن يكون الدير امتدادًا لمدرسة القدس للكتاب المقدس لدراسة الآثار المصريّة في ضوء الدراسات الكتابيّة.
وتصل مساحته إلى حوالي 4 آلاف متر مربع، وتوجد فيه واحة نضرة، تحتوي على أكثر من مائتي نوع من الأشجار والشجيرات والفواكه والزهور والصبار.

 

ولسوء الحظّ وقفتْ الأحداث العالميّة آنذاك عائقًا في وجه المشروع حتّى جاء عام ١٩٣٧ وجاء معه ثلاثة "رهبان دومنيكان" (رهبنة أسسها القديس دومينيك عام 1215 م تأخذت على عاتقها التبشير بالمسيحية)، أحدهم مصري الجنسية والآخرين يحملا الجنسية الفرنسية، قرّروا تكريس حياتهم لدراسة الإسلام وبدتْ القاهرة من وجهة نظرهم مقرًّا نموذجيًّا فهنا جامعة الأزهر الشريف ناهيك عن المكانة المتميّزة للثقافة المصريّة وسط كلّ العرب.


أكبر مكتبة إسلامية


وفي عام ١٩٥٤ قرار الرهبان تقديم خدمة لطلاب الدراسات العليا والدكتوراه من جامعة الأزهر، ودار العلوم وهي إنشاء معهد الدومنيكان للدراسات الشرقية والمكتبة الإسلامية وبدأت بجمع الكتب المتنوعة من كل معارض الكتب في انحاء العالم وبمختلف اللغات. 


إذ تعدّ مكتبة المعهد الدومنيكيّ من أبرز المكتبات المتخصّصة في الإسلاميّات في العالم، وتحتوي على أكثر من مائة وخمسين ألف كتاب ونحو ألف وثمانمائة عنوان مجلّة دوريّة.

 

كما تحتوي المكتبة على أكثر من عشرين ألف نصّ من التراث العربيّ الإسلاميّ، وعلى دراسات باللغات العربيّة والأجنبيّة وكثير من رسائل الدكتوراه.

 

وتهدف المكتبة إلى تغطية كلّ المجالات في الدراسات الإسلاميّة من اللغة العربيّة والتفاسير القرآنيّة وعلم الكلام والشريعة والفقه والتاريخ والفلسفة والتصوّف وتاريخ العلوم.

 

ملاذ طلاب الأزهر

 

الأب جون جبرائيل دكتور علم اللاهوت والراهب بدير الدومنيكان المسئول عن المكتبة الإسلامية، أكد أن المكتبة تستقبل الزوار أربعة أيام أسبوعيا، وتوفر المكتبة عدد من الكتب الصعب الحصول عليها، من خلال شرائها من المعارض الدولية حول العالم، كما تضم كتب باللغات المختلفة منها الفرنسية والانجليزية والاوردو والألمانية، وعن موقع المكتبة القريب من جامعة الازهر وأيضا من مدينة البعوث الإسلامية فيزورها عدد من طلاب البعثات من الجنسيات المختلفة، مضيفا أن الكتب الغير موجودة يتم توفيرها أيا كان صعوبة الحصول عليها.

 

 

السلفيون في الدير

 

وأوضح جبرائيل أن الدير يستقبل الجميع بمختلف انتماءاتهم، من بينهم طلاب سلفيون وطالبات منتقبات، ويقف على مسافة واحدة من الجميع ويبتعد عن التفرقة أو النقاشات التي قد تؤدي إلى ذلك، كما أنه يوجد مكانا مخصصا لصلاة المسلمين.

 

وقال الأب جبرائيل إن أساس العلاقة هو اكتشاف حقيقة الآخر دون أن يكون الهدف في جعل الآخر مشابها، واكتشاف ثرائه التاريخي والتراثي، لان في النهاية الحضارات تتلاقى ولا تتصادم، لافتا إلى أن أحد الرهبان الحاليين في الدير وهو فرنسي الجنسية يحضر الدكتوراه الخاصة به في فتاوى ابن تيميه.
 

وأشار «جبرائيل»، إلى أن المكتبة تستضيف ندوات بصفة شهرية بغرض تناول الأفكار والأبحاث وغيرها من العلوم وعرضها، وتكون أغلب العلوم التي يتم نقاشها هي العلوم الاكاديمية.

 

التوحيد في الكنيسة

 

أكد الأب جون جبرائيل أن الدين في الأساس هو العلاقة بين الانسان والله وهذه العلاقة هي خاصة جدًا، ويجب أن مصدر المعلومة هي المكان الصحيح لها فليس من العقل أن تسأل بوذي عن الإسلام، أو العكس فالبعض يستغرب حين يعرف أن المسيحيين موحدين بالله ويعبدون الها واحدا وان فكرة الثالوث هي فكرة فقهية فلسفية بحته.


 


نظرية المؤامرة  

وأكد الراهب جون جبرائيل أن البعض في البداية يكون متخوف من فكرة دخول دير مسيحي يحتوي على مكتبة إسلامية، لا أنكر أن الفكرة غير تقليدية والبعض يحمل مخاوف، بسبب «نظريات المؤامرة» فالثقة تتكون بالوقت دوما، وبعضهم يسأل زملائه فيتأكد أن الدير لا غرض له على الاطلاق من أي شيء.

 

وقال ضاحكا، البعض يتشكك في قيمة الاشتراك وهى 20 جنيها سنويًا، لكن حين تكون المعلومة كاملة ويعرف أن الموظفون مسلمون بنسبة 40 %، فتزول الشكوك.

 

الطابع الشرقي 

 

يمتاز ديكور المكتبة بكاملها بالطابع الشرقي من مصابيح نحاسية وارائك خشبية ذات طابع شرقي وسجاجيد يدوية وقطع من الارابيسك والزجاج المعشق.. وعن هذا يقول الأب جون جبرائيل أن الطابع الخاص بالمكان مستمد من الثقافة الشرقية وهذا بالطبع مقصود لان من بين تقبل الآخر هو استخدام ثرائه الحضاري والثقافي، فالطابع المميز لهذا المكان يجعله أقرب لثقافة الزائر فيجعله مرتاحًا.

 

 كما أوضح أن الدير بكامله تم تأسيسه على المكتبة ويضم الكنيسة وهو أن العقيدة تبنى على العلم أو العقل المتمثل في (المكتبة) والإيمان والروحانية (الكنيسة)، موضحا ان الكنيسة الكاثوليكية موجودة في خمس قارات حول العالم.


 

 

تجديد الخطاب الديني 

قال الاب جون جبرائيل مبتسما إن الفكرة صعب الحديث عنها ـ وهي تجديد الخطاب الديني لذا فضل أن يكون حديثه عن الجانب المسيحي ـ لكن حين تخلصت الكنيسة من استغلال الدين في الجانب السياسي في اعقاب الحرب العالمية الثانية، لكن كان يتم استغلال العاطفة بغرض التوجيه السياسي، لذا اقامت الكنيسة الكاثوليكية في المجمع الفاتيكاني الثاني في بداية ستينيات القرن الماضي، لجنة من المسلمين واليهود لمتابعة الخطاب الديني المسيحي لتنقيحه من أي تصريحات أو مصطلحات قد تؤذي الآخر، فيجب ان يكون تطوير الخطاب الديني رغبة حقيقة من الداخل.