حكايات| شبراويات «بلولة».. فن قطف الياسمين «ع الكشاف»

جزء من محصول الياسمين
جزء من محصول الياسمين

مع أول دقيقة في انتصاف الليل، تنبت من بين أشجار الياسمين بـ«شبرا بلولة»، فلاحات تنافس وجهوهن زهورها في إضاءة عتمة البحث عن لقمة عيش وسط الخضرة، بقلوب صابرة وأيادٍ تمسك بتلابيب الإرادة.

في إحدى ممالك إنتاج العطور بمحافظة الغربية، تعبر «شبراويات» بلولة عن أنفسهن بصمت «القطف»، فمعركتهن تخوضها بسلاح الكشافات المعلقة في رؤوسهن بحثًا عن الياسمين بين الأوراق الخضراء الكثيفة، في ملحمة جمع الجنيه على الجنيه.

 

جنة الياسمين

 

رحلة البحث عن «جنيهات الياسمين» اعتادت عليها نساء قطور، منذ الساعات الأولى لأيام الصيف، إذ يستيقظن مبكرًا ثم يتنقلون بين أشجار الياسمين كسرب طيور مهاجرة تتحرك بشكل منتظم، بحثًا عن الأشجار ذات الزهور البيضاء.

 

وحدها رائحة الياسمين، تتحول إلى رياح جذب للأيدي الناعمة، اللاتي آمن بأن «الشغل مش عيب»، كل منهن تحمل على كتفها صغيرها أو صغيرتها بنفس راضية وصبر ومثابرة، لتبدأ رحلة العمل تحت ضوء الكشافات.

 

اقرأ حكاية أخرى:  قرية نجريج «العالمية».. «الياسمين» الذي سبق محمد صلاح لأوروبا

 

«رزقة».. والرزق على الله

 

على وجه «رزقة» رسمت أشعة الشمس خريطتها السمراء، إلا أن تلك السيدة وبعيون الصقر، تواصل البحث عن الياسمين دون كل أو مل، فكل مهمتها ملئ وعاء صغير بجانبها، ليس لديها من الوقت ما يكفي لتترك ما في يدها وتتحدث.

 

«باجي هنا من الساعة 12 بفضل لحد الساعة 8 الصبح أفضل أجمع الياسمين اللي دايخين عليه طول عمرنا فيه بليل وبالنهار وبهدلة للعيال الصغيرة، بقالي 40 سنة في الشغلانة دي، أنا أول ما اتولدت وأنا هنا، بنحط عيالنا في أطباق بلاستيك تحت الشجر عشان يتعودوا على الشغلانة».. كلمات خرجت من فم رزقة بعفوية شديدة.

 

اقرأ حكاية أخرى: من خير سطوحنا.. «نجع عون» اكتفاء ذاتي من الخضار لـ«القراميط»

 

الندى كلمة السر

 

ما إن تشير عقارب الساعة إلى الثانية عشر تخرج «أسماء»، تلك الفتاة العشرينية، كالغطاس الذي يغطس ليلًا وسط الأمواج البيضاء ليبحث عن الياسمين.

 

«أنا مولودة في أرض الياسمين وباجمعه كل يوم، وباشتغل 6 شهور في السنة، وأبدأ أجمع الياسمين الساعة 1 بليل لحد ما الياسمين يخلص».. في كلمات محدودة لخصت أسماء قصة كفاحها، مضيفة: «الياسمين لما بيبقي في ندى بيخلي الزهرة توزن وسعرها بيكون أغلي والياسمين لازم نجبله سماد وكيماوي عشان يفضل ينتج».

 

 

صفاء.. العيشة على النوتة

 

في أرض تجمع الشابات والمتقدمات في العمر، تقف صفاء أو كما ينادون عليها «أم محمد – ستينية» وسط أشجار الياسمين، تكاد تُرى من بين أفرعها، فبينها ضاعت زهرة شبابها، حتى صار صوتها مرتجفًا وخافتًا، ويداها صديقة للارتعاش من كثرة العمل، ومن كثرة العمل فقدت الشعور برائحة الياسمين.

 

منذ 40 عامًا، و«أم محمد» تعمل في قطف الياسمين، حيث يصل حصادها اليوم تقريبًا حوالي 5 كيلوجرامات.. «أصل إحنا طول الصيف نعيش في بلل الياسمين، وفي الشتاء بنقعد في بيوتنا».

 

وتابعت: «في شهر 4 نبدأ نجمع زهور الأرينج وابني بيشتغل معايا من وهو عنده 10 سنين، وبنقبض بالشهر كيلو الياسمين بـ 40 جنيه، وأنا بستلف 18 ألف جنيه من صاحب الأرض في السنة وبسددهم من جمع الياسمين».

 

عم صابر الأسمر

 

حين ينتهي فرح جمع الياسمين، تبدأ كل سيدة في تسليم ما جمعته لرجل أشهر من نار على العلم في قرية شبرا بلولة، يُدعى عم صابر، رجل أسمر اللون، علامات البشاشة على وجهه، فإليه تعود كل كميات الياسمين وكله بـ«العمولة».