حكايات| دولة في الكاريبي تحمل روائح «الأندلس».. احتلتها بريطانيا وحاربتها أمريكا

جرينادا
جرينادا

بنى المسلمون حضارةً عظيمةً صمدت لنحو 780 عامًا في أوروبا الغربية، وبالتحديد في الأراضي التي يسكنها حاليًا شعبي إسبانيا والبرتغال، كانت بمثابة نبراسًا اهتدى به الأوروبيون، بعدما كانوا يعيشون عصورًا من الاضمحلال.

غرناطة وأشبيلية وقرطبة وبلد الوليد، التي تُنسب للخليفة الوليد بن عبد الملك، أسماءٌ عربيةٌ لا تزال موجودة في إسبانيا إلى الآن، رغم زوال حكم المسلمين في الأندلس عام 1492، وقبل 6 سنوات من اكتشاف جزرًا بالبحر الكاريبي باتت دولا فيما بعد من بينهم جرينادا.

لكن ما الذي جعل حضارة الأندلس تنتقل من شبه الجزيرة الأيبرية "إسبانيا والبرتغال" لتعبر المحيط الأطلسي صوب جزر البحر الكاريبي، مثلما عبر الرحالة الإيطالي البرتغالي أمريجو فوسبيتشي، ومن بعده الرحالة الإسباني كريستوفر كولومبوس؟

"صبغة الأندلس" بجرينادا

 إنها دولة جرينادا أو غرينادا (في بعض الكتابات)، تلك الدولة المكونة من أرخبيل من مجموعة من الجزر الصغيرة في البحر الكاريبي، والتي تبلغ مساحتها ككل 344 كيلو متر مربع، وعدد سكانها 95 ألف نسمة فقط، وعاصمتها مدينة سانت جورجز.

قصتها مع حضارة الأندلس، أنها اتسمت بنفحة من نفحات تلك الحضارة، فنالت في البداية اسم عاصمة حضارة الأندلس في أغلب الأوقات مدينة "غرناطة".

وتتصف بجمال منظرها وبجبالها الخضراء وبمياه شواطئها الصافية الزرقاء، أُطلق عليها اسم غرناطة في بدايات اكتشافها، حيث كان الجمال والمناظر الخلابة عنوانًا بارزًا لحضارة الأندلس، قبل أن يطلق الأوروبيون عليها اسم "جرينادا".

مستعمرة بريطانية

جرينادا تلك اكتشفها كريستوفر كولمبس عام 1498، وقد تناوب البريطانيون والفرنسيون على سيادتها، إلى أن أصبحت عام 1783 مستعمرةً بريطانيةً، وظلت هكذا حتى عام 1874.

وفي أوائل السبعينات، قاد رئيس الوزراء في جرينادا إيرك جيري تحركًا شعبيًا يطالب بالاستقلال عن بريطانيا، وقد نالت جرينادا استقلالها عام 1974، وأصبحت جرينادا ملكية دستورية، يعتبر فيها رئيس الوزراء حاكمًا عامًا في البلاد.

وظل جيري في منصبه حتى عام 1979، حينما انتفض مجموعة من الثوار اليساريين يقودهم موريس بيشوب، ودبروا لانقلابٍ أسقط حكومة جيري، وتولى وقتها بيشوب، الذي يعتنق المذهب الماركسي، رئاسة الوزراء.

غزو أمريكا لجرينادا

في أكتوبر عام 1983، انقلب مجموعة من الثوار على "بيشوب" وقتلوه بحجة أنه لم يطبق الأفكار الماركسية في حكم البلاد، وتبنوا حينها فكرة إصباغ الدولة بالصبغة الماركسية اليسارية المتطرفة، وهو ما أقلق الولايات المتحدة الأمريكية.  

وإبان اشتعال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خشيت أمريكا أن تتحول جرينادا لتكون قاعدة للاتحاد السوفيتي، نظرًا لاعتناق القيادة السياسية المذهب الشيوعي، وتقربهم الشديد من كوبا، إحدى حلفاء الاتحاد السوفيتي.

وفي أواخر أكتوبر، غزت أمريكا جرينادا، بهدف واحد هو دحض الوجود الشيوعي من هناك، وتمكن وقتها الجيش الأمريكي في خلال شهرٍ واحدٍ من الانتصار على القوات الحكومية الشيوعية، وأسقطت على إثر ذلك سياسات الحكومة اليسارية، بعد أن تولى بول جودوين سكون رئاسة الوزراء مطلع عام 1984.

ومنذ عام 1983 أصبح لزامًا على جرينادا عدم تشكيل أي تنظيمٍ عسكريٍ كجيشٍ نظاميٍ يحمي البلاد، وذلك بإرغامٍ من الولايات المتحدة.

وتجدر الإشارة إلى أن جرينادا كما أشرنا سلفًا هي ملكية دستورية، الحاكم الفعلي هناك هو رئيس الوزراء، أما الملكة فهي إليزابيث الثانية، ملكة بريطانية، فهي لا تزال دولة من بين 16  دولة تنتمي رمزيًا للمملكة المتحدة مثل أستراليا ونيوزيلندا.

تلك كانت قصة دولةٍ صغيرةٍ في البحر الكاريبي، التي كانت صبغة حضارة الأندلس حاضرةً في بداياتها، ولا يزال المسلمون يعيشون هناك، ويبلغ تعداد المسلمين هناك حاليًا نحو 400 شخصٍ، ويوجد هناك في جرينادا مركزٌ واسعٌ، يسمى المركز الإسلامي الكبير، وهو وجهة المسلمين الذين يعيشون هناك، ويعتبر ثاني أكبر مركز إسلامي في جزر البحر الكاريبي بعد مركز آخر في دولة تيرنداد وتوباجو.