حوار| نقيب الأطباء: «التدريب».. الحل السحري لتحسين الرعاية الصحية

جانب من الحوار -
جانب من الحوار -

- تطوير المستشفيات يقضى على المغالاة فى أسعار الخدمة الطبية
- لم أحقق طموحاتى للأطباء وأحلم بلجنة لحقوق المرضى

هو بلا شك نموذج فريد للخير والنجاح.. طبيب إنسان.. وجراح ماهر.. وأستاذ قدير. هو كما قالوا عنه يسير فى طريق لا يسلكه سوى قلة نادرة من البشر.. فلا يملك عيادة خاصة ولا يعمل فى مستشفى استثمارى.. ولا يشغله فى الحياة سوى عمله وطلابه ومرضاه الغلابة.. الذين يعتبرهم أسرته الصغيرة والكبيرة.
هو أيضا أول عميد منتخب لطب قصر العينى بعد 20 عاما.. وهو الذى انتخبه زملاؤه باكتساح ليكون نقيبا لهم.. أمينا فى حمل همومهم ومطالبهم.
ورغم مكانته الكبيرة ومشاغل منصبه.. نجد هذا الرجل يمضى أكثر من نصف يومه فى غرفة العمليات بقصر العينى.. حاملا مشرطه.. ومتفرغا لعلاج مرضاه وتعليم تلاميذه.. فى الوقت الذى يعانى فيه مستشفى قصر العينى من غياب معظم أساتذته عن مرضاهم الغلابة.
هو الدكتور حسين خيرى عميد طب قصر العينى سابقا ونقيب الأطباء حاليا.
ورغم أن الرجل لا يفضل الظهور الإعلامى ولا الأحاديث الصحفية، ورغم تأخره عن موعده معى أكثر من ساعة.. إلا أننى نسيت كل الغضب حينما عرفت أنه كان فى موعد آخر مع مرضاه وطلابه بقصر العينى.. وبدأت حوارى فورا..

< كنت عميدا لطب قصر العينى.. والآن نقيب لأطباء مصر.. كيف ترى الفرق فى التعامل مع المنصبين؟
- لا أنكر أننى استمتعت أكثر بفترة العمادة.. أولا لأننى أعشق قصر العينى حيث نشأت فى عائلة تنتمى لهذا المكان فوالدى كان رئيسا لقسم الجراحة في قصر العينى ووالدتى أستاذ أمراض باطنة وأختى استاذ أمراض نفسية.. وثانيا لأن الطلاب يمثلون فترة البراءة والتعامل معهم لا تدخل فيه اطلاقا فكرة المصالح, ومن أجمل الأدوار التى أعشقها أن أساهم فى تعليم الطالب وإعداده ليكون طبيب المستقبل.. وهو لا يزال فى مرحلة النقاء وبداخله حب حقيقى للخير.
متفائل بالقادم
< المرحلة السابقة شهدت خلافات وصراعات حادة بين نقابة الأطباء ووزراة الصحة.. فهل انتهت الخلافات مع تولى الوزيرة الجديدة.. وكيف ترى المرحلة القادمة؟
- بالنسبة للمرحلة السابقة.. فقد كنت أتمنى وجود تعاون أكبر بين النقابة والوزارة.. ولكن للأسف لم يكن هناك قنوات تواصل ونتج عن ذلك خروج عدة قوانين لم يؤخذ فيها رأى النقابة فى الاعتبار, أما الآن فأنا متفائل بالمرحلة القادمة.. فالدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة هى أساسا ابنة الوزراة.. وأنا مقتنع بضرورة أن يكون قائد المكان هو ابن المكان نفسه.. وقد تعاونت من قبل مع د.هالة عام 2014 أثناء الانتهاء من مستشفى 185 طوارئ قصر العينى.. وكانت وقتها مساعد وزير فى عهد د.عادل العدوى.. فوجدت لديها رؤية غير تقليدية وقدرة تنفيذية كبيرة بالإضافة للحس الإنسانى العالى.. وهى مميزات مهمة جدا لقيادة وزارة الصحة.
التجارب السريرية
< ما أهم القوانين التى لم يؤخذ فيها رأى نقابة الأطباء خلال فترة عدم التواصل؟
- أولها بالطبع كان قانون التأمين الصحى.. وقد تحدثنا فى هذا الأمر كثيرا قبل اصدار القانون, ولكن القانون صدر.. وعلينا الآن أن نفكر فى مرحلة التنفيذ وكيف يمكن تجاوز العقبات. هناك أيضا قانون التجارب السريرية الذى كان للنقابة العديد من التحفظات عليه.. حيث كنا نريد وضع ضمانات أكثر فى القانون لحماية حقوق المواطن.. مثل عدم السماح باجراء تجارب للعقار قبل ضمان فاعليته, ومثل النص فى القانون على ضرورة اعتماد البحث فى دولة المنشأ أولا فى حالة الأبحاث الطبية العالمية.. وبصفة عامة فاننا نتمنى اعادة النظر فى هذا القانون ومراعاة تحفظات النقابة.
أطباء الامتياز
هناك أيضا قانون تغيير نظام الدراسة بكليات الطب إلى خمس سنوات وسنتين امتيازا بدلا من 6 سنوات وسنة امتياز فى النظام الحالى, فقد كنا نريد وضع ضمانات تنفيذية قبل اصدار القانون.. لأن الهدف الأساسى من القانون هو تحسين مستوى التدريب العملى للأطباء حديثى التخرج.. لكن الواقع يؤكد أن هناك اجراءات كثيرة يجب وضعها حتى نضمن حدوث هذا التحسن.. مثل ضرورة تحسين بيئة العمل لهؤلاء الخريجين خلال فترة الامتياز من حيث الأجور والسكن والعلاج وغيرها.. فطلاب الامتياز مظلومون لأنهم لا يتمتعون بحقوق الطلاب ولا حقوق الأطباء العاملين, ورغم أن العمل فى المستشفيات الجامعية يعتمد عليهم بشكل كبير.. إلا أنه لا توجد أماكن كافية لتدريبهم.. كما أنهم يتقاضون مكافأة ضئيلة جدا لا تتجاوز 400 جنيه.. ولا توجد أماكن اقامة للمغتربين منهم.. وليس لهم تأمين صحى لأنهم كما قلت ليسوا طلابا ولا عاملين.. وقد ناقشت النقابة هذا الأمر مع وزير التعليم العالى ووعد بطرح الموضوع على المجلس الأعلى للجامعات.
ومن القرارات التى لم يؤخذ فيها رأى النقابة ايضا قرار مجلس الوزراء فى 2016 بإنشاء «الهيئة المصرية للتدريب الإلزامى للأطباء».. رغم رفض النقابة واتحاد نقابات المهن الطبية لعدم وجود اجراءات تضمن تحسين تدريب الأطباء.
التدريب أولا
< وما أولويات النقابة حاليا؟
- يقول بسرعة: التدريب طبعا, فمن أهم أهدافى أن يكون الأطباء جميعا فى بوتقة واحدة.. والوسيلة الوحيدة لذلك هى تحسين تدريبهم.. حتى تكون الفوارق بينهم غير موجودة مع مرور الوقت. فنحن لدينا حوالى عشرة آلاف خريج طب سنويا.. لكننا فى الواقع لا نجد أماكن تدريب إلا لأقل من نصفهم.. لأن التدريب يجب أن يكون فى مستشفيات معتمدة من هيئة التدريب.. ولا يزال عدد هذه المستشفيات غير كاف, والشق الأول لمطالب النقابة أن تسعى وزارة الصحة لتحسين المستشفيات وزيادة أعداد المستشفيات المعتمدة حتى تزيد الأماكن والفرص المتاحة للتدريب.
أما الشق الثانى فهو تطبيق وتفعيل القرار الذى يقضى بتحمل وزارة الصحة نفقات التدريب والتى تصل إلى ستة آلاف جنيه, وقد كان الأطباء يتحملونها إلى ان صدر قرار بأن تتحمل الوزارة 90٪ والـ 10% يحملها الطبيب.. ونحن نريد تطبيق القرار على أطباء البورد الجدد. كما نتمنى تفعيل قرار كان قد صدر فى عهد د. عادل العدوى بعلاج أطباء الوزارة بأفضل أماكن فى المستشفيات الحكومية.. وأعتقد أن وزيرة الصحة قررت تفعيله.
تأمين الأطباء
< ما مطالبكم أيضا؟
- من المطالب المهمة أيضا.. تأمين الأطباء أثناء عملهم.. من خلال عدة ضمانات.. مثل تفعيل دور ادارة تأمين المستشفيات فى وزراة الداخلية وتحرير المحاضر بمعرفة المستشفى وليس الطبيب وحده لأن المفروض ان الطبيب يمثل المستشفى, وقد وعدت الوزيرة بتنفيذ هذه المطالب بالتعاون مع وزارة الداخلية. كما نطالب بتفعيل كاميرات المراقبة التى تم تركيبها منذ وزارة المهندس ابراهيم محلب لكن معظمها حتى الآن لا يعمل..
الأخطاء الطبية
من مطالبنا أيضا وضع ضوابط لاستدعاء الأطباء أمام النيابة أثناء عملهم فى الرعاية أو الطوارئ.. والتعامل مع الأطباء فى حالة حدوث أخطاء مهنية فالقانون الحالى يبيح للسلطات حبس الطبيب احتياطيا ومعاقبة الطبيب الخاطئ مهنيا بالسجن.. والنقابة تقدمت بمشروع قانون من أهم بنوده ألا يحبس الطبيب احتياطيا قبل صدور الحكم.. وأن يتم عرض المشكلة على لجنة متخصصة تحكم على الخطأ إذا كان مهنيا أم جنائيا واذا كان الطبيب له سابقة أو أكثر فى هذا الأمر أم أن الخطأ الذى حدث هو خطأ طبيعى ضمن النسب العالمية المعروفة.. ومن أهم البنود أيضا التفرقة بين الخطأ الجنائى والخطأ غير الجنائى وألا تكون هناك عقوبات سالبة للحرية اذا ثبت أن الخطأ غير جنائى.. بل يتم الاكتفاء بالغرامة أو التعويض.
< وماذا عن الأخطاء التى يثبت فيها الاهمال؟
- الاهمال يدخل تحت بند الخطأ الجنائى.
التعدى على المهنة
من المطالب المهمة أيضا ضرورة تنظيم الفوضى التى حدثت فى مجال التعدى على مهنة الطبيب.. والتى تسبب مشكلات أيضا للمرضى.. ففى الخمسينيات صدر قانون يعطى لفئات أخرى غير الأطباء رخصة فتح معمل طبى.. وأصبح خريجو كليات العلوم يفتحون معامل ويطلقون على أنفسهم أخصائيين.. ونحن نطالب بتعديل القانون بحيث لا يتم منح رخصة المعمل الا للطبيب فقط على أن يعمل معه مساعدون. نفس الفوضى تحدث فى مجال العلاج الطبيعى والأشعة والتخدير.. وأصبح هناك أخصائى أشعة وتخدير من غير خريجى كليات الطب ونحن نؤكد على حاجة الطبيب لوجود كل هذه الفئات.. بشرط أن يكون عملهم مساعدين للطبيب وألا يلجأوا للتشخيص والعلاج بعد اطلاق لقب أخصائى.
أرفض الإضراب
< لماذا استقال بعض الأعضاء من مجلس النقابة؟
- بعض الأعضاء رأوا أن تحقيق الأهداف فى الظروف الحالية صعب.. ففضلوا الاستقالة.
< بعض أعضاء مجلس النقابة يؤيدون فكرة الاضراب فى التعامل مع مشكلات الأطباء.. فما رأيك؟
- أنا لست مع الاضراب لأنه فى رأيى يؤثر على حقوق المريض.. وعلى سمعة الطب والأطباء والعلاقة الحساسة بين المريض والطبيب لأنه يجعل المريض طرفا فى مشكلة لا علاقة له بها ولا ذنب له فيها, ورغم أن الاضراب حق دستورى الا أنه لا يوجد حاليا قانون ينظم الاضراب.. ولا يمكن فى ظروف الطوارئ حماية المضربين. ورغم موقفى الخاص فى رفض الاضراب إلا أننى أحترم قرار الجمعية العمومية لو أقرته.. لكنى أحمد الله أنه أنقذنى ولم يحدث أن أقرت الجمعية العمومية أى اضراب فى عهدى.
الحل السحرى
< ما اقتراحاتك لتحسين الرعاية الصحية فى مصر؟
- التدريب هو الحل السحرى لتحسين الرعاية الصحية.. مع الاهتمام بتخصص الممارس العام وزيادة أعداد الأطباء أصحاب هذا التخصص وتدريبهم جيدا.. فالتدريب هو الذى سيجعل مستشفيات الحكومة بنفس مستوى المستشفيات الاستثمارية.. ووقتها لن يضطر المريض للجوء إلى العيادات والمستشفيات الخاصة.
سنوات صعبة
< هل حققت أحلامك كنقيب؟
- للأسف أحلامى كانت عريضة.. لكنى حتى الآن لم أحقق جزءا كبيرا منها.. بل عشت 3 سنوات صعبة واستهلكنا وقتا كبيرا فى مشكلات عارضة.
< هل هناك عقبات تواجه النقابة لتحقيق مطالبها؟ أو بمعنى آخر هل هناك خلافات بين النقابة وجهات أخرى فى الحكومة؟
- يجيب بسرعة: النقابة ليست لديها خلافات مع أحد.. «احنا بس عايزين مطالبنا تخلص».. والحقيقة أن معظم مشاكلنا تنفيذية.. بمعنى أن خلافاتنا ليست على الخطط والاستراتيجيات بل على كيفية تنفيذها, فالأفكار حلوة لكن لابد من توافر ضمانات لتنفيذها وتفعيلها.
النقابة للمرضى أيضا
< هل كانت أحلامك للأطباء فقط أم للمرضى أيضا؟
- دائما أقول ان نقابة الأطباء للأطباء والمرضى.. فلولا المريض ما كان الطبيب.. وكان من ضمن أحلامى فى النقابة تشكيل لجنة لحقوق المرضى.. وأتمنى أن أنجح فى تحقيق هذا الحلم.
أجور الأطباء
< من أهم حقوق المرضى عدم مغالاة الأطباء فى أسعارهم.. فما رأيك فى المغالاة الشديدة التى يعانى منها المرضى الآن فى العيادات الخاصة؟
- بالطبع لست مع المغالاة فى الأجور.. لكنى أؤكد أنه رغم وجود أطباء يغالون فى الأجور فإن الطبيب الإنسان ما زال موجودا.. ومعظم الأطباء يتبرعون كثيرا ويعملون فى ظروف صعبة.. بل ان كثيرا من أطباء الامتياز الشباب وكذلك الأطباء الكبار يتبرعون من أموالهم لشراء بعض النواقص للمرضى فى المستشفيات العامة.. وأنا بالطبع لا أدافع عن جميع الأطباء لكنى اؤكد أن الطبيب الانسان لايزال موجودا.
< ألا ترى ضرورة تدخل النقابة لتحديد حد أقصى لقيمة الكشف فى العيادات الخاصة؟
- أنا مع تحسين الخدمة الطبية المقدمة فى المستشفيات الحكومية والجامعية بحيث لا يضطر المريض للذهاب إلى عيادة خاصة.. وهذا فى رأيى يمكن أن يتحقق اذا تحسنت أحوال المستشفيات وتحسنت برامج تدريب الأطباء, وإلى أن يتحقق ذلك فأتمنى ألا يغالى الأطباء فى أسعارهم.. والحقيقة أنه من المفروض أن يكون للنقابة دور متعقل فى هذا الأمر من خلال وضع حد أقصى بعد أخذ رأى الجمعيات الطبية.. وقد تم عرض هذه الفكرة من قبل لكنها لم تلق قبولا.
أعشق عملى
< أعلم انك لا تملك عيادة خاصة.. فلماذا؟
- كانت لدىّ عيادة والدى وهو أستاذ جراحة أيضا.. لكنى أغلقتها لأنى أؤمن بالتفرغ لعملى الحكومى.. فأنا اعشق عملى كأستاذ وجراح بقصر العينى.. وسعيد به وبتلاميذى فى الكلية وبكل الأطباء الذين يعملون معى فى الوحدة.
< كطبيب ونقيب.. ما الحد الأقصى الذى تراه مناسبا للكشف فى العيادة الخاصة؟
- يبتسم قائلا: «لو عندى عيادة مش هأرفع أجرى عن 250 جنيها».