حكايات| رمال الصحراء «المتحركة».. تدريبات قاسية تصنع أبطال الوادي

 رمال الصحراء المتحركة.. تدريبات قاسية تصنع أبطال الوادي
رمال الصحراء المتحركة.. تدريبات قاسية تصنع أبطال الوادي

فوق رمال متحركة بمحافظة الوادي الجديد الصحراوية تغوص قدميه، يحاول أن ينجو بحياته من تلك الكثبان الهشة التي توشك أن تبتلع باقي جسده، ولكن الأمر أصعب مما يبدو، تتساقط قطرات من العرق على تلك الرمال فتبتلعها سريعا، وهنا ينظر لصديقه الذي قاوم سيطرة الرمال وتخلص منها، ليتشجع زميلة على النجاة من محنته ومقاومة جذب الرمال، وتنتصر الإرادة والعزيمة ويخرج إحدى قدميه ثم الأخرى، وتتجلي على وجهه شبح ابتسامه النصر حين يسمع صوت المدرب مدويا "عاش يا شباب"، ليلحق بباب أقرانه استعدادا لتدريب شاق آخر. 

 

الكثبان الرملية ورحلة البداية


«قررت استخدام الكثبان الرملية المنتشرة بربوع مدينة الخارجة وتحديدا بالمنطقة الواقعة شمال مطار مدينة الخارجة، لتكون مركزا طبيعيا لتدريب فرق الناشئين الذين يحتاجون الخروج إلى المناطق الطبيعية لإتمام عمليات التدريب البدني والنفسي وهما مرتبطان ببعضهما تمامًا»، بتلك الكلمات وصف أحمد العيسوي مسئول التدريب بفريق الناشئين في المشروع القومي لرعاية الموهوبين بمديرية الشباب والرياضة بمحافظة الوادي الجديد. 

 

تمتاز تلك المحافظة بالتلال والكثبان الرملية، فهي محافظة صحراوية تبلغ مساحتها ما يقرب من 44% من مساحة مصر و 67% من مساحة الصحراء الغربية. 

 

يقول «العيسوي»: «لا يمكن أن ينفصل التدريب البدني وتقوية العضلات في الجسم، إلا مع ارتياح نفسي وصفاء ذهني، مما يعود بالنفع على المتدربين في وسط هذه الأجواء بارتفاع الحالة المزاجية وتفجير الطاقات لكل متدرب والارتقاء بمستوى التدريب من مرحلة إلى أخرى حسب قوة التحمل لكل لاعب».

 

فريق ناشئين يشق صحراء الوادي


يروي أحمد العيسوى كيف قام بجمع فريق الواعدين من الشباب تحت 19 عامًا  بمشاركة صديقه في العمل الكابتن محمد يونس، مدرب ألعاب القوى والأحمال بالوادي الجديد، قائلا: « وضعت برنامج تدريبي مكثف لفريق الواعدين، كنا نذهب 3 أيام خلال الأسبوع لتدريب الناشئين من سن 16 إلى 19 عامًا بمنطقة الكثبان الرملية الناعمة والتي تساعد على تقوية العضلات الأمامية والخلفية وأربطة الركبة ومفاصل قدم الأرجل بالإضافة إلى إحداث نوع من التوافق العضلي والنفسي لكل لاعب، وهو أهم مطلب يجب تحقيقه للوصول إلى مستوى أعلى وأفضل في عمليات رفع اللياقة البدنية».

 

هشاشة الكثبان وقوة البنيان


 يضيف «العسيوي» أن «الكثبان الرملية تتميز بصفتين فهي هشة ولينة تغوص بها الأقدام، إذا ما أردت أن تحقق مستوى عالي من اللياقة البدنية، حيث تغوص الأقدام في الرمال الهشة إلى مستوى يقارب النصف متر، وعندما يبدأ اللاعب في التحرك فعليه أن يقوم بإخراج قدمه الأولى من الرمال لتغوص الثانية، في هذه الحركة يتم تحريك كافة عضلات الجسم السفلية والعلوية ويحدث نوع من التركيز، حتى لا يقع اللاعب على وجهه نتيجة عدم الاتزان  وبذلك يتم تحقيق معدلات تدريبية هائلة في ساعة تدريب واحده، يحدث فيها ممارسة طبيعية لرياضة الجري والمشي على الكثبان الرملية وتقوية عضلات الجسم وتحقيق الاتزان النفسي والعضلي والعصبي». 

 

ليس الظاهر من الكثبان كالباطن


يتابع «العسيوي» أن الكثبان الرملية لها وجه أخر وهو «ظهر الكثبان وليس بطنه» لافتًا إلى أن ظهر الكثبان منطقة صلبة، تستطيع السيارات والدراجات النارية والأفراد أن يسيروا بأمان عليها دون أن تغوص أقدامهم أو عجلات السيارات أو الدراجات في الرمال، وهي حكمة يعرفها من يسكن الواحات وله علاقة بالجبال والرمال بأن ظهر الكثبان الرملية يختلف عن وجهه في حالة المشي أو الجري عليه». 

 

الاسترخاء خوفا من الاحتراق 


يؤكد مدرب الناشئين أن عمليات الاسترخاء خلال التدريب مطلوبة حتى لا يحدث ما يسمى «الاحتراق الداخلي للاعب» بمعني يجب عدم زيادة الأحمال التدريبية في الكثبان الرملية لأنها تحتاج إلى نوع من التقدير لتنفيذ الأحمال لكل لاعب على حدا، وهو ما يتم التعرف عليه قبل تنفيذ أعمال التدريب بمنطقة الكثبان الرملية، لأنه في حالة زيادة الأحمال التدريبية، بتكليف اللاعبين للصعود مثلا إلى قمة الكثبان من منطقة باطن الكثبان تحتاج إلى تدريب تدريجي لكل لاعب لأن الأحمال الكثيرة سيكون لها أضرار قاتلة في تمزق العضلات والأربطة وهو أمر يجب الحذر منه.

 

إنجازات وبطولات أبناء الوادي 


يروي  أحمد العيسوي نتيجة تلك التدريبات القاسية والمرهقة، فيقول إن «أبناء الوادي الجديد سبق وأن حققوا الكثير من المراكز المتقدمة في مختلف الألعاب الرياضية خاصة في ألعاب القوى، وفاز 4 لاعبين بالميدالية البرونزية في المسابقات التي تنظمها وزارة الشباب في بطولة «المتنوع» وهي عبارة عن مسابقة في الجري لمسافات متنوعة تبدأ بـ 100 متر إلى فيما أعلى». 

 

دعوة لاستغلال الطبيعة


الطبيعة في الوادي الجديد جميلة للغاية، واستخدام الكثبان الرملية في أعمال التدريب هي واحدة فقط من عشرات الألعاب التي يمكن استغلالها لإنعاش المحافظة سياحيا، حيث يمكن استغلال الكثبان في الترويج لسياحة التزلج على الرمال وسياحة المغامرات والرالي، وهو ما نحتاج إليه في المحافظة وهي دعوة مفتوحة للشركات السياحية العالمية وأندية مصر لزيارة الوادي الجديد وعمل رحلات سياحية وتنفيذ معسكرات لتدريب فرق الأندية الكبرى لرفع اللياقة البدنية، التي كانت سببا في وصول فرق مثل بلجيكا وكرواتيا إلى المربع الذهب والدور النهائي في مونديال روسيا، وسببًا في خروج منتخبات أخرى كثيرة من الأدوار الأولى للمونديال.