حوار| رئيس «الاستشاري العربي للتعدين»: سيناء تكتظ بالذهب والبترول والمعادن الثمينة

د.حسن بخيت خلال حواره مع الأخبار - تصوير خالد جمال
د.حسن بخيت خلال حواره مع الأخبار - تصوير خالد جمال

- العملية العسكرية «سيناء 2018» هيأت الأجواء لتنمية المنطقة


- نمتلك أكبر احتياطى من الرمال البيضاء فائقة النقاوة.. و«السوداء» تنتظر المستثمرين


- «بردية الفواخير» أقدم خريطة مصرية للذهب فى العالم تسكن متحف «تورينو» الإيطالى

 

رغم كل هذه المناصب العلمية التى شغلها فإن د. حسن بخيت عبد الرحمن، رئيس المجلس الاستشارى العربى للتعدين والبترول والموارد الطبيعية الذى تم تأسيسه مؤخرًا تحت مظلة اتحاد الجيولوجيين العرب يعتز كثيرًا بعمله كجيولوجى استكشاف يجوب الصحارى بحثا وتنقيبا عن المعادن، وكانت أكثر إسهاماته فى مجال استكشاف المعادن خاصة الذهب فى كل من الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء، وكان أكبر أعماله اكتشاف الذهب بمنطقة أم زريق بجنوب سيناء مع عدد من المعادن الأخرى كما أنه رئيس رابطة المساحة الجيولوجية المصرية، والأمين العام لاتحاد الجيولوجيين العرب التابع لجامعة الدول العربية، ووكيل وزارة البترول الأسبق لشئون الثروة المعدنية، كما ترأس اتحاد الجيولوجيين العرب وشعبة الجيولوجيا بنقابة العلميين. وترأس د. بخيت مجلس إدارة عدد من شركات التعدين وعضوية عدد من شركات التعدين العربية.. الكثير من الأسرار التعدينية فى هذا الحوار المصبوغ بلون الذهب:


< أكد الرئيس اقتراب الانتهاء من العملية سيناء 2018، ماذا عن التحدى الأكبر الذى تنتظره تلك الأرض المباركة؟


- الثروة البشرية قبل الثروة المعدنية وهو ما فعلته قواتنا المسلحة، خاصة أن لدينا ثروة بشرية مدربة بقوة فى مجال التعدين، ولا شك أن التحدى الأكبر للعناية بسيناء بعد الانتهاء من العمليات العسكرية سيناء 2018 هو تحدى التنمية والإعمار ولذلك كنا نتوقع الاستجابة للخبراء وإنشاء وزارة خاصة لهذا القطاع المهم، فسيناء تزخر بالعديد من الثروات المعدنية متمثلة فى كثير من الخامات الصناعية، مثل خامات صناعة الأسمنت من حجر جيرى وطفلة وجبس وأكاسيد حديد ورمال وزلط، وخامات صناعة السيراميك من فلسبار وكاولين وأحجار الزينة من رخام وجرانيت التى تستخدم فى بناء المنتجعات والقرى السياحية، وكذلك الخامات الفلزية التى تدخل فى الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل النحاس والرصاص والزنك والتنجستن والمولبدنيم والمنجنيز، كما تم اكتشاف الذهب بكثير من المناطق، وتتمتع سواحل سيناء بوجود مكامن للرمال السوداء الغنية بمعادن التيتانيوم والزركون والمنازيت والريوتيل والجارنت والتى لها استخداماتها الواسعة بالإضافة إلى عدد من الملاحات التى تنتج ملح الطعام والأملاح الصناعية الأخرى.


رمال فائقة النقاوة


< وماذا عن الرمال البيضاء فائقة النقاوة التى تشتهر بها المنطقة منذ القدم؟


- هذا حقيقى تماما لأن تلك المنطقة تحتوى على أكبر احتياطى من الرمال البيضاء فائقة النقاوة التى تدخل فى كثير من الصناعات وعلى رأسها صناعة الزجاج، بالإضافة الى أن للصناعات الكيميائية نصيبا من خامات واعدة مثل خام الكبريت والبيريت، وهما من الخامات التى تدخل فى كثير من الصناعات خاصة صناعة الأسمدة وتواجد الكبريت فى منطقتين: الأولى بشمال العريش وأصله رسوبى وتم إجراء دراسات مستفيضة عليه، والمنطقة الثانية وهى منطقة جبل فيرانى بجنوب سيناء، والكبريت هنا يتواجد على هيئة خام البيريت فى عروق الرايوليت بكميات كبيرة وقد جرت محاولات لتقييمه بالتعاون مع شركة أبوزعبل للأسمدة لإنتاج حمض فوسفوريك منه، خاصة أن هناك مصنعا مخصصا لمثل هذا النوع من الخامات.


< يتحدث العلماء كثيرًا أن أرض سيناء تحوى مصادر متعددة للطاقة.. ما مدى صحة ذلك؟


- بالفعل، فإن مصادر الطاقة بسيناء واعدة «البترول - الفحم - اليورانيوم - الثوريوم - الحرارة الجوفية» تستطيع تأمين جميع الصناعات والمشروعات.. وتستطيع سيناء كذلك تأمين مشاريعها من الطاقة والوقود، فتشتهر سيناء بوجود الكثير من خامات الطاقة مثل البترول والفحم الذى يتواجد بعدد من المناطق وعلى رأسها فحم المغارة بشمال سيناء، وكذلك مناطق بدعة وثورة بالقرب من منطقة أبو زنيمة، بالإضافة إلى وجود مواقع تحتوى على اليورانيوم والثوريوم.. كما تقف الينابيع الحارة شامخة لاستغلالها لإنتاج طاقة اعتمادا على الحرارة الجوفية، وربما كانت منطقة حمام فرعون من أهم المناطق المرشحة لذلك.


< وكيف يستفيد اقتصادنا مباشرة من كل تلك الثروات المخبوءة فى أراضينا؟


- باستعراض ثروات شبه جزيرة سيناء يتبين لنا أهمية الاستفادة من هذه الثروات فى إقامة المشروعات الصناعية التى تزيد من قيمة هذه الخامات والتى تستوعب الكثير من العمالة وتنشئ مجتمعات عمرانية تهدف إلى تعمير سيناء وزيادة فعاليتها فى دعم الدخل القومى وتعزيز الأمن الوطنى وهو ما تسعى الدولة الآن إلى تحقيقه.

 

الخريطة الأقدم


< هل صحيح أن أقدم خريطة جيولوجية للذهب فى العالم كانت مصرية؟


- بالطبع، وهذا شيء مشهور فإن أقدم خريطة جيولوجية لمنجم ذهب عرفها العالم كانت مصرية وهى بردية منجم الفواخير المحفوظة الآن بمتحف تورينو بإيطاليا والتى تشير إلى تطور صناعة تعدين الذهب بمصر القديمة ويرجع تاريخها إلى 1300 ق.م فى عهد سيتى الأول.. ومن المعلوم أن معظم مواقع الذهب المعروفة لنا من حقبة الحضارة المصرية القديمة تتركز أساسًا بمناطق سلاسل جبال البحر الأحمر والصحراء الشرقية، ولكن الجديد فى الأمر أن هناك اكتشافات جديدة بمناطق لم يصل إليها قدماء المصريين بشبه جزيرة سيناء وبالتحديد بالجنوب.


< ومتى تم اكتشاف عروق الذهب بمنطقة جنوب سيناء؟


- تم اكتشاف الذهب بهذه المناطق بعد انتهاء الاحتلال الإسرائيلى فى أوائل الثمانينيات من خلال عدد من البعثات الاستكشافية لهيئة المساحة الجيولوجية المصرية والتى شرفت أن أكون أحد أعضائها ورئيسا لبعضها، وتم اكتشاف الذهب وعدد من المعادن المصاحبة الأخرى مثل الرصاص والزنك والفضة.. وكذلك تم اكتشاف الذهب مع النحاس فى بعض المناطق مثل منطقة أم زريق على بعد 55 كيلو مترا شمال مدينة شرم الشيخ، وكذلك تم اكتشاف الذهب مع الكبريت بمنطقة ثانية ومع الرصاص والزنك بمنطقة ثالثة؛ مع أن أبحاثا تم إجراؤها على خامات الذهب المصاحبة للكبريت وتم فصل الكبريت منها وبحث إمكانية دخوله فى صناعة حمض الكبريتيك، أى أن تعدين الذهب بهذه المناطق لن يشمل الحصول على الذهب فقط وإنما سيتم استخلاص معادن وخامات أخرى لها بعد استراتيجى لكثير من الصناعات فخام الرصاص يصل سعره أكثر من 250 دولارا للطن والزنك يزيد على 3500 دولار للطن، فى حين أن النحاس يصل سعره إلى 7000 دولار للطن، أى أننا أمام ثروة معدنية هائلة تستطيع أن توفر لمصر دعما لصناعاتها المحلية وتقليل فاتورة الواردات من هذه المعادن باهظة التكاليف والتى تتعدى عشرات المليارات من الجنيهات يكفى طبقا لبيانات جهاز الإحصاء أننا استوردنا نحاسا فى شهر واحد هو شهر مارس 2017 بمبلغ 95 مليون دولار.


نفايات الذهب!

< هذا يدعونى إلى السؤال عن مدى تنبه الدولة للاهتمام بهذه الثروة المعدنية الضخمة والاستفادة منها؟


- أجريت تجارب لاستخلاص الذهب والاستفادة من النفايات فى إنتاج حمض الكبريتيك، وقد كانت لنا تجربة قمنا بها للتعرف على إمكانية الاستفادة من الكبريت المتبقى بعد استخلاص الذهب، وبالفعل ذهبنا إلى شركة أبوزعبل للأسمدة بعد أن علمنا أن هناك مصنعا لإنتاج حمض الكبريتيك متوقفا عن العمل بسبب عدم توافر الكبريت المخصص له والذى كان يتم استيراده من قبرص لارتفاع سعره وتم إنشاء مصنع آخر يعتمد فى إنتاجه على الكبريت المستخلص من إنتاج البترول والذى كان يتم استيراده من السعودية وقابلنا المختصين وتم إجراء التحاليل على العينات المستخلصة ووجدت مطابقتها للخام المستورد.. وبالتالى كانت هناك فرصة كبيرة للبدء فى مشروع اقتصادى لاستخلاص الذهب والكبريت وذلك لتوافر المصنع المعد لاستقبال هذا الخام.. كما أن هناك النواتج المتبقية بعد استخلاص الذهب والكبريت وتشمل خامات السليكا والفلسبار والتى يمكن أن يكون لها دور فى استخدامات صناعية أخرى مثل صناعة الحراريات.


غياب الرؤية


< إذا كان هذا هو الحال، فلماذا تأخرنا فى مشروعات استخراج الذهب حتى جاءت شركة السكرى لتبدأ الإنتاج عام 2010؟


- بالفعل، أول شركة تنتج الذهب بعد انقطاع زاد على 50 عاما هى شركة السكرى التى أنتجت حتى الآن ما يزيد على 110 أطنان من الذهب بمعدل 12 طنا سنويا ولمدة تصل إلى 15 عاما، والسبب فى هذا التأخير أشياء كثيرة، ولكن أهمها غياب الرؤية العلمية عن طبيعة تواجد الذهب، بالإضافة إلى ضعف الإدارة والتشريعات والاتفاقيات الحافزة للاستثمار فى مجال التعدين بصفة عامة وتعدين الذهب بصفة خاصة.. فقد كان السائد أن الذهب قد ذهب مع حقبة القدماء المصريين على أساس ثقافة خاطئة مفادها أن تواجد الذهب ينحصر سطحيا وليست له امتدادات بالأعماق، وجاءت شركة السكرى لتغير كل هذه المفاهيم ووصلت إلى أعماق اقتربت من كيلو متر عمقا، وذلك بسبب وجود رؤية وإدارة علمية ومعايير عالمية، بالإضافة إلى قدر من المجازفة التى لا تقدر عليها إلا الشركات الخاصة.. وكان التحدى الأكبر يتمثل فى ضرورة وجود معايير واضحة ومحددة لتعدين الذهب على نحو مقبول بيئيا واجتماعيا، مع اتباع الأساليب العلمية فى منظومة تعدين استغلال الذهب بدءًا من الاستكشاف ثم التقييم وتحديد الاحتياطيات ومرورًا بدراسات الجدوى المتكاملة وانتهاء بعمليات الاستخراج والتنقية، لأنه يمثل دفعة للاقتصاد الوطنى ولابد من تضافر جهود المعنيين لتحقيق هذا الهدف.


< هل صحيح أن مناجم قدماء المصريين كانت مرشدة للاكتشافات الحديثة؟


- هذا حقيقي، لأن مواقع استخراج ذهب الحضارة المصرية القديمة كانت هى المواقع المرشدة لمعظم بعثات التنقيب الحديثة، ويعتقد البعض أن آثار الحضارة المصرية القديمة تدعم صناعة السياحة فقط، ولكنها فى حقيقة الأمر تحمل مردودا إيجابيا فى كثير من الأنشطة الأخرى وعلى رأسها أنشطة التعدين الحديثة، فمعظم أنشطة مواقع تعدين الذهب الحالية ما هى إلا مناجم فرعونية قديمة وعلى رأسها منجم السكرى الذى يعد أكبر منجم للذهب على مستوى الوطن العربى.


< ولكن ألا تعتقد أن هناك فجوة كبيرة بين توافر المواد الخام التعدينية وحاجة قطاع الصناعة؟


- لابد من الاعتراف بوجود فجوة ليست بالصغيرة بين قطاع الصناعة والتعدين تتمثل فى عدم قدرة قطاع التعدين فى سد كل احتياجات المصانع من الخامات ذات المواصفات القياسية والتى يتم استيرادها من الخارج مما يستنزف الكثير من العملة الصعبة على الرغم من تواجدها إما بنفس المواصفات أو تحتاج إلى قليل من المعالجات لرفع الجودة، وذلك كله بسبب عدم التنسيق أو قلة المعلومات مما يتطلب تنشيط دور الغرف الصناعية مثل غرفة التعدين وغرفة مواد البناء لتكون بمثابة همزة الوصل بين المنجم أو المحجر والمصنع، وبالتعاون مع هيئة المواصفات القياسية والمراكز البحثية لتأمين احتياجات الصناعات المختلفة من الخامات طبقا للمواصفات المطلوبة، ولا يقتصر دورها على حل المشاكل الإدارية بين المستثمر والدولة وتسهيل الإجراءات.


فض اشتباك

< هناك خلط الآن بين إقامة المحميات الطبيعية ونشاط الاستكشاف والتعدين.. كيف نفض هذا الاشتباك؟


- هذا الخلط بين إقامة المحميات والحفاظ عليها وبين استغلال الثروات التعدينية وعمليات البحث والتنقيب يأتى نتيجة لغياب الرؤية الواضحة لدور هذه المحميات بحيث يتم تحقيق المعادلة السليمة وإيجاد التوازن بين الحفاظ على المحميات وبين البحث عن الثروات وحسن استغلالها.. وكثيرا ما يتم اعتراض مسارات البعثات العلمية الخاصة بهيئة الثروة المعدنية بحجة وجود محميات، على الرغم من عدم تعارض عمليات البحث ومعالم هذه المحميات، خاصة أن أعضاء هذه البعثات من المختصين بشئون علوم الأرض ويمتلكون المعرفة التى تجعلهم حريصين على حماية هذه المحميات.. لذا أرى تشكيل لجنة مشتركة بين هيئة الثروة المعدنية وجهاز شئون البيئة للتنسيق فيما بينهما وإيجاد آليات للتعاون المشترك الذى يسمح للطرفين بالقيام بأعباء مهامهم دون تعارض.


< العالم كله يستفيد من فكرة السياحة الجيولوجية.. لماذا لا يظهر هذا النوع كثيرًا فى مصر؟


- تمتلك مصر وسيناء تحديدا كنوزا من الظواهر الجيولوجية النادرة مثل الكانيون والينابيع الطبيعية والمواقع التعدينية القديمة وغيرها والتى يمكن أن نستفيد بها اقتصاديا بتنشيط السياحة الداخلية والخارجية، ولتحقيق ذلك لابد من إنشاء مكاتب للسياحة الجيولوجية مدعمة بالكتيبات الإرشادية والمرشدين الجيولوجيين بإشراف مشترك بين هيئة الثروة المعدنية وجهاز شئون البيئة.