بعد قرار «السيسي» بسداد ديونهن..

بالصور| من «رد سجون» لأيقونة مجتمعية.. حكايات القهر والبطولة لغارمات الفقر

غارمات
غارمات

- «أميمة» تقضي 4 سنوات في سجن القناطر بسبب 27 ألف حنيه

- «أسماء» تقع فريسة لـ«مستريحة المنيا».. وتؤكد: «أهلي رفضوني وجيراني عايروني»

- مديحة ترفض مساومة«صاحب الشركة» فيسجنها بـ«إيصال أمان»

-السرطان يحول حياة «نجوى» إلى مأساة.. والقروض تعمق جراحها

- و«جمعية رعاية أطفال السجينات» تنهي رحلات عذاب «الغارمات»

 

داخل سجون النساء؛ حكايات ذات قواسم مشتركة.. قصص نبضها القهر والعجز.. سيدات تخرج من بين كلماتهن معانٍ لا يدركها إلا من هو في ذات المكان أو في نفس الحال.

 

عن الفقر، والعوز، والجهل وتخلي أقرب الناس.. رأيت دموعًا تخضب عيونًا فقدت الإحساس بالفرحة لاستدامة الحزن الساكن بعمق في الدقائق والساعات والأيام والسنوات.. المحصلة أطفال مشردون، أو موصومون يعايرهم أصدقاؤهم بأمهاتهم السجينات.. فتيات في سن الزواج يفكرن ألف مرة قبل قرار الخطبة أو الارتباط، هل يقبل أحد أن يتزوج ابنة سجينة.. كلمات لخصت بها الكاتبة الصحفية نوال مصطفى، مؤسسة جمعية رعاية أطفال السجينات، قصص مئات الغارمات أو سجينات الفقر اللواتي خرجن من السجون بعد قضاء مدة عقاب بسبب «إيصالات أمانة»، إلا أنهم تحولن إلى نماذج إيجابية ومضيئة، بعد هذه الرحلة الصعبة.


على هامش حفل إفطار جماعي، نظمته الجمعية في إحدى ليالي رمضان بمركز شباب الجزيرة، التقت «بوابة أخبار اليوم» عددًا من الغارمات اللاتي قهرتهن تلك الظروف القاسية، بعد رحلة صعبة داخل السجون، قبيل قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالإفراج عن أكثر من 960 غارمًا وغارمة، ليقضون عيد الفطر المبارك في بيوتهم.


السطور التالية ترصد أبرز حكايات الغارمات بعد تكليف الرئيس، لوزير الداخلية باتخاذ الإجراءات اللازمة لسداد مديونيات كافة الغارمات، والتي بلغت أكثر من 30 مليون جنيه:


 
«أميمة» وقصة الـ27 ألف جنيه.. «رحلة عذاب»


البداية من «أميمة.م» «40 عامًا»، التي بدأت قصتها عندما كتب والدها إيصالات أمانة على نفسه لتجهيز شقيقتها، فكانت هي الضامن لوالدها، وعندما توفي الأب تحملت المسئولية ودفعت هي الثمن من عمرها.


واستعادت «أميمة» تفاصيل الليلة السوداء، قائلة إن أسرتها اقترضت أدوات كهربية بـمبلغ 25 ألف جنيه، في عام 2007، وأخذ والدها في دفع «الكمبيالات» شهريًا إلا أنه توفاه الله، فلم تقدر الأسرة على السداد، فقام صاحب المحل بتحريك شكوى ضدهم، وتم حبس «أميمة» لكونها الضامن الوحيد.


وواصلت السيدة الأربعينية روايتها، قائلة: «اتحبست بعد وفاة والدي وزواج اختي بعام، وتم سجني في سجن القناطر وأنا حامل، ومكثت فى السجن 4 شهور، ذقت فيهم كل ألوان العذاب».


وكشفت عن لحظة الإنقاذ، قائلة: «في أحد اللقاءات التلفزيونية مع الإعلامية رولا خرسا، بسجن القناطر، ظهرت وبكيت على الهواء، قولت نفسي أشوف بنتي.. كان كل أملي في الحياة إني أشوفها، بعد ذلك انقلبت الحلقة رأسًا على عقب، وفوجئت في اليوم التالي، بعدد كبير من المتبرعين، يتنافسون لدفع المبلغ لي للإفراج عني».


وكشفت أن جمعية رعاية أطفال السجينات برئاسة الكاتبة الصحفية نوال مصطفى، التي كانت توزع «كراتين» أغذية على سجينات سجن القناطر، أرسلت لها، محاميًا، دفع لي الـ27 ألف جنيه، وخرجت من السجن.


بعد الخروج من السجن، عشت حكايات من نوع آخر؛ واصلت «أميمة» حديثها عنها، قائلة: «لما خرجت حسيت إنى اتولدت من جديد، اتطلقت من جوزي لأنه رفض زيارتي ولو مرة وحيدة في السجن، ومنع عني بنتي، وضعت بعد خروجي من السجن ابني «مصطفى»، وبعد كدا فكرت في اللجوء إلى الجمعية، وأمدوني بكل أنواع الدعم والمساعدة».


وكشفت أيضًا أن الجمعية ساعدتها في اجتياز أزمتها النفسية مع السجن، وعملت في المصنع الخاص بجمعية نوال مصطفي، تعلمت فيه الحياكة «الخياطة»، وأنتجت تي شيرات أطفال وبيجامات بناتي، وكذلك أصبحت عاملة دائمة في المصنع، لتوفر كل ما تحتاجه أسرتها- بحسب حديثها-.


ووجهت «أميمة» الشكر للكاتبة نوال مصطفى، قائلة: «شكرًا للإنسانة وفاعلة الخير، وفرت لى كل الأجهزة الكهربية للبيت، ووظيفة في المصنع، وحسستني إن الدنيا لسه بخير، أعادوا إطلاق الروح فيا، وبقيت إنسانة جدديدة بشتغل وتجيب جنيه».


وأضافت في نهاية حديثها: «كنت ميتة بالحيا، وبقول أنا عايشين ليه، بس دلوقتي بقيت إنسانة جديدة، وأكيد اللى جاي أحلى وأحلى».

 
 

«نجوى» بين علاج السرطان والمساومة الرخيصة


أما مأساة «نجوى.ع» «38 سنة»، فكانت بسبب قلبها الرحيم على زوجها المريض، وشقيقته المريضة بالسرطان، فاقترضت آلالاف الجنيهات لمساعدتها على العلاج، ودخلت في دائرة مغلقة لم تستطيع الخروج منها، فتروى قائلة: «بدأت باقتراض أموال لعلاج شقيقة زوجي من ناحية، واقتراض أجهزة كهربائية للعمل فيها، وبيعها للناس من ناحية ثانية، لجلب أموال لمساعدتها وعلاج زوجي أيضًا الذي يعاني من إصابة في النخاع الشوكي».


وذكرت «نجوى» أن أصحاب القروض رفعوا 5 دعاوى قضائية ضدها تتعلق بإيصالات أمانة، وحضرت أكثر من جلسة وامتثلت أمام القاضي، وفي هذا الوقت لجأت لجمعية رعاية أطفال السجينات، التي بادرت بدفع جزء كبير من أموال القروض، وألحقتها بالعمل في مصنعها.


واستعادت «نجوى» تلك اللحظة، باكية: «أحد التجار الذين اقترضت منهم أجهزة كهربية، كان يساومني مساومات رخيصة، ورفضت، فرفض التنازل عن الدعاوى القضائية، وواصل مقاضاتي، قائلا لي: «مش هسيبك غير على البورش».


وقالت في نهاية حديثها: «كانت تجربة قاسية بكل تفاصيلها، تعلمت منها أن أتعلم كل درس في الحياة، وأن أواجه كل المشاكل بالعمل، وأن الدنيا لسه بخير».


 
قصة «أسماء» و«مستريحة ملوى»


أما حكاية أسماء فهي تجسد كل معاني الألم، فهي قضت مدة عقوبتها التي تجاوزت 3 سنوات بسجن المنيا بسبب «مستريحة ملوى»، وعن حكايتها، تقول: «كنت عايشة في حالي في بلدنا ملوي، أم لها 3 بنات، إلا أن ظروف المعيشة كانت صعبة، وقالت لي جارتي هاتي هدوم بيعيها، وبالفعل جبتها واشتغلت، وكانت في جارة ثانية ظروفها صعبة، طلبت منى ضمانتها لسحب 27 ألف جنيه، للعمل فى نفس الكار، وكسب المال بالحلال، ووافقت، ومن هنا بدأت الكارثة».


وأضافت: «سحبت لها 27 ألف من خلال قروض، وفجأة اكتشفت خيانتها، فأخذت زوجها وأولادها وتركت البلد ومشيت، وتم حبسي، وفوجئت بعد ذلك انها مقترضة من الجيران أكثر من نصف مليون جنيه، وكنت إحدى ضحاياها».


وذكرت أنها دخلت السجن في عام 2009، وحُكم عليا بـ21 سنة سجن، قضت منها 3 سنوات و6 شهور، مضيفة: «كنت بخدم الكل داخل السجن».


وتابعت باكية: «محدش زارني حتى جوزي وأولادي، وفوجئت بعد شهور من حبسي، بزواج زوجي من امرأة أخرى، يئست بعد فترة، إلا أنه بعد أكثر من 3 سنوات من الحبس، أرسل الله لي المنقذين متمثلين في جمعية رعاية أطفال السجينات».


وقالت أيضًا: «أستاذة نوال كانت في زيارة لنا بسجن المنيا، وشافتني، وأكدت لي خروجي خلال أيام، لم أتوقع لحظتها جدية كلامها، إلا أنني فوجئت بعد أيام بقدوم مندوب الجمعية لم أصدق نفسي حتى خرجت ووقفت على الرصيف في عام 2013».


وواصلت حديثها: «طلعت لاقيت الدنيا مقفولة، أهلي رفضوني عشان رد سجون، وجيراني عايروني، وبعد ساعات، قررت التوجه إلى شقيقي في القاهرة للخروج من دائرة اللوم».


وتابعت: «جئت إلى القاهرة، ولجئت لجمعية رعاية أطفال السجينات، وأمدوني بكل ما أحتاجه بداية من العيش والزيت والسكر وحتى المأوى وهي الشقة والوظيفة في المصنع، وجبت عيالي يعيشوا معايا هنا».


وأشارت إلى أنها تدرجت في العمل بالمصنع حتى أصبحت نموذجًا مضيئًا، وهي مشرفة المصنع، مضيفة في نهاية حديثها: «فخورة بنفسي بعد الرحلة الصعبة دي، وبشغلي وحياتي الجديدة.. الدنيا لسه فيها خير».
 
«مديحة» ووصل الأمانة.. ونصف المليون


وأخيرًا، التقينا «مديحة. ك» (53 عاما)، فحكايتها من النوادر التي نراها في الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية، فهي كانت موظفة في إحدى شركات بطاريات السيارات، وتحديدًا سكرتيرة وموظفة الخزنة، وكان نشاط صاحب الشركة مشبوه، فرفضت الاستمرار، وحاول مساومتي بطرق رخيصة، فدبر لها المدير قضية –بحسب قولها-.


وذكرت لنا: «صاحب الشركة كتبني إيصالات أمانة كيدية بقيمة نصف مليون جنيه، كان عايزني في السجن، وبالفعل دخلت سجن القناطر، قوضيت مدة الحبس كاملة وهي 4 سنوات».


وعن تجربة السجن، قالت «مديحة»: «كانت تجربة صعبة جدًا، خاصة أن لديّ ابنتين، إحداهما كانت حديثة الزواج، وتواصلت مع الجمعية بعد خروجي من السجن عقب قضاء 4 سنوات في سجن القناطر، وبدأت حياة جديدة، فأنا أعمل حاليًا في قسم الرسم على الجلود في الجمعية، وأنتج منتجات بذوقي الفريد، لها زبونها الخاص في السوق».