ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: كواليس خروج حكومة وتشكيل حكومة

ياسر رزق
ياسر رزق

قبيل انتهاء الاجتماع الأخير لحكومة المهندس شريف إسماعيل عصر الأربعاء الماضي، نظر رئيس الوزراء إلى زملائه الملتفين حول طاولة المجلس البيضاوية، وقال بهدوئه المعهود: لي طلب واحد عندكم. أرجو إذا كنت قد أسأت لأحد في أي مناسبة أن يغفر لي. وإذا كان صوتي قد ارتفع ذات مرة في وجه أحد، أن يسامحني».

تداخلت أصوات الوزراء تعقب على كلام رئيس الحكومة، كلها بنفس المعنى ونفس العبارات.

لا يذكر أحد منهم أن رئيس الوزراء يوماً قد أساء لمخلوق في وجهه أو أخطأ في حقه من وراء ظهره.

على العكس.. المعروف عنه أنه رجل مهذب للغاية، ينتقى كلماته وأوصافه، حتى في أشد مواقفه حسماً.

يستوي في ذلك الذين تولوا حقائبهم الوزارية مع دخول المهندس شريف إسماعيل إلى حكومة الدكتور حازم الببلاوي وزيراً للبترول منذ ٥ سنوات، أو لحقوا به في حكومات المهندس إبراهيم محلب، أو اختارهم ليكونوا أعضاء في حكومته حينما صار رئيساً للوزراء في ١٢ سبتمبر ٢٠١٥، أو في التعديلات التي جرت على حكومته وآخرها كان منذ ٥ شهور.

انتهى الاجتماع وهو رقم ١٢٢ في الجلسات الأسبوعية لحكومة المهندس شريف إسماعيل على مدار ٣٣ شهراً مضت، بمشاعر متبادلة مفعمة بالمودة بين المهندس شريف وزملائه الوزراء.
غادر الرجل الفاضل قاعة المجلس، واصطحب معه مفكرته الصغيرة وقلمه الرصاص الذي يدون به ملاحظاته في الجلسات والاجتماعات، عساه يستعين بها للتذكرة ببعض الأمور خلال الأيام المتبقية قبل حلف الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، أو في مهام أخرى تالية.

< < <

قبلها بأربع وعشرين ساعة، كان الوزراء وصفوة عريضة من ممثلي المجتمع المصري، يتأهبون لتناول إفطار الأسرة المصرية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في فندق الماسة.

علمت وقلة من الزملاء قبيل دخول الرئيس السيسي ورئيس الوزراء إلى قاعة الطعام، أن المهندس شريف إسماعيل تقدم فعلاً باستقالته إلى الرئيس منذ دقائق. 

وفهمت من السفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن أوان إعلان النبأ لم يحن بعد.

وشعرت من أحاديث ودية مع بعض الوزراء من الأصدقاء، أن خبر الاستقالة لم يصل إلى علمهم.

بعد خمس دقائق من مغادرة الرئيس قاعة الإفطار، ذاع النبأ عبر المواقع الإخبارية.

كان الرئيس حريصاً على ألا يشيع النبأ قبيل الإفطار، فيصبح هو طعام المائدة وحديث المناسبة.

< < <

استقالة المهندس شريف إسماعيل من منصبه لم تكن مفاجئة للخاصة أو للعامة، مثلما لم يكن قرار اختيار الدكتور مصطفى مدبولي لرئاسة الحكومة الجديدة له وقع المفاجأة على أحد.

منذ سافر المهندس شريف إلى ألمانيا يوم ٢٢ نوفمبر الماضي لإجراء جراحة حرجة، وحتى عودته بعدها بشهر، ثم تسلمه مهام عمله مجدداً في يناير الماضي، أدرك الناس أن بقاءه في منصبه مسألة مؤقتة لن تستمر طويلاً، وتوقع الكثيرون أن تتولى شخصية أخرى تشكيل الحكومة بعد أداء الرئيس اليمين في مستهل مدة رئاسته الثانية.

في نهاية يناير الماضي، وأثناء افتتاح حقل «ظهر» للغاز الطبيعي، سمع المصريون من السيسي «ثناء» على شريف إسماعيل، لم يسبق لهم أن سمعوا عُشر معشاره من جانب رئيس مصري على أي مسئول من معاونيه.

قال السيسي: إن المهندس شريف من أفاضل الناس الذين تعامل معهم في حياته، وأنه عرفه رجلاً على قدر المسئولية وتحمل الكثير في ظل ظروف صعبة بينما كانت الناس تتصور أنه بإمكاننا أن ندير المفتاح في أي باب لنحل أي مشكلة.

لم تكن هذه أول مرة أسمع فيها عبارات ثناء وإشادة وتقدير من الرئيس في حق المهندس شريف، والحقيقة أنني سمعت مثلها كثيراً في الحوارات الصحفية التي أدلى بها الرئيس لرؤساء تحرير الصحف القومية خلال السنوات الماضية. بل سمعت ما هو أكثر!

كنا نسأل الرئيس في كل مرة عن تقييمه للحكومة ولأداء رئيس الوزراء وكان يجيب بأنه رجل ذو قدرات عالية في الإدارة والمتابعة، وأنه يتحلى بالدأب والكفاءة، مطالباً بألا يقتصر تقييمنا للمهندس شريف وحكومته على مسألة الغلاء.

منذ عام بالضبط.. كررت سؤالي على الرئيس السيسي، وسمعت منه رداً أدهشني للغاية، أظن المهندس شريف شخصياً لا يعرفه، يكشف تقديراً غير متناه. وربما يحين يوم للحديث عن سر رد الرئيس وبواعثه!

قلت إنني سمعت عدة مرات عبارات ثناء على المهندس شريف إسماعيل من جانب الرئيس في لقاءات صحفية أو غير مخصصة للنشر، مثل تلك التي سمعناها منه علنا خلال افتتاح حقل «ظهر» في يناير الماضي.

ومع هذا شعرت من نبرة الرئيس في ذلك اليوم، ومن إيماءات المهندس شريف، أن تلك الكلمات أقرب إلى عبارة شكر تقال في مناسبة توديع مسئول كبير يترك منصبه بعد أن ترك به بصمة لا تمحى.

أظن ذلك كان شعور الكثيرين، لذا لم تفاجئهم استقالة شريف إسماعيل بعد ٣ أيام من أداء السيسي يمين الرئاسة الثانية.

< < <

حينما اختار الرئيس السيسي، الدكتور مصطفى مدبولي قائماً بأعمال رئيس مجلس الوزراء في نفس يوم سفر المهندس شريف للعلاج في ألمانيا، كان القرار غير مؤقت بتاريخ محدد، وإنما كان موقوتا بموعد عودة شريف إسماعيل لمباشرة عمله من مجلس الوزراء.
لم يقع اختيار السيسي على مدبولي لهذا التكليف على أساس أنه أقدم الوزراء في حكومة المهندس شريف. فقد كان رابع أقدم الوزراء، وثالث أقدم الوزراء المدنيين في الحكومة.

أظن أحد الأسباب أن مهام الدكتور مصطفى مدبولي كوزير للإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، تستحوذ على جانب كبير وحيوي من برنامج الحكومة والمشروع التنموي المصري، وأنه يباشر مهامه بكفاءة وهمة ويشرف على تنفيذها في توقيتاتها المحددة.

وأظن أن الدكتور مدبولي هو في ذهن الرئيس نموذج لجيل جديد من الشخصيات التي تصلح لمنصب رئيس الوزراء، ولعله أراد وضعه في محك اختبار فعلى خلال الأسابيع الخمسة التي غابها المهندس شريف إسماعيل عن مصر.

غير أني أعتقد أن السمات المشتركة بين المهندس شريف والدكتور مصطفى، ونهج وزير الإسكان الذي أثار انتقادات البعض خلال فترة قيامه بأعمال رئيس الوزراء، كانت أهم أوراق اعتماد مدبولي لمنصب رئيس الحكومة الجديد.

يجمع بين شريف ومصطفى بجانب كفاءة التخصص وخبرة التخطيط والقدرة على المتابعة، أخلاق رفيعة المستوى وإيثار للمصلحة العامة على النوازع الشخصية.

ولعلى أدعى أن نهج الدكتور مصطفى كرئيس مؤقت للوزراء الذي اتصف بالابتعاد عن شهوة التسلط ونزعات السلطة، والتركيز على إنجاز المهام دون جلبة أو مظهرية زائفة، كان محل إعجاب الرئيس السيسي الذي سمعته أكثر من مرة يتحدث عن شخصيات تتصور أن «البروباجندا» قد تغطى عجزها عن الإعجاز، وأن الصوت العالي قد يحجب قصورها في الأداء، وتظن أن «الهمبكة» يمكن أن تنطلي على الرئيس!

خلال الفترة القليلة الماضية، كانت هناك إشارتان من جانب الرئيس السيسي، فيهما دلالة على أن مدبولي هو اختياره لتولى منصب رئيس الوزراء، بعدما ظهر أن الحالة الصحية للمهندس شريف قد لا تمكنه من تحمل الأعباء القاسية لهذا المنصب.

منذ نحو شهرين كنت أتابع القمة العربية بالظهران، وفوجئت عند دخول الوفد المصري بوجود الدكتور مصطفى مدبولي ضمن الوفد. ذهبت إليه وداعبته قائلا: «حمد الله على السلامة يا دولة الرئيس»، وكنت أقصد أن حضوره إلى الظهران معناه أنه سيختار قريباً جداً رئيساً للوزراء. فابتسم وقال: «الحقيقة أنني كلفت بالأمس بالانضمام إلى الوفد».

.. وكانت تلك أول إشارة.

ومنذ حوالي شهر.. كان الرئيس السيسي يتحدث في مداخلة أثناء المؤتمر الخامس للشباب، ثم نظر نحو الدكتور مصطفى مدبولي ومازحه قائلا: «من ساعة ما قالولك إن التجمع الخامس غرق وأنت زعلان، ماتزعلش». ثم وجه حديثه إلى الحضور: «أوعوا تاكلوا الرجالة اللي شغالين معاكم لو كانت رجالة كويسة، وتبقى الترضية قدام الناس كلها».

كان الرئيس يقصد بكلامه أن يؤكد عدم مسئولية الدكتور مصطفى عما جرى أثناء السيول التي ضربت مناطق عديدة منها منطقة التجمع الخامس التى طال مرافقها فساد ما قبل ثورة يناير.

وكانت تلك هى الإشارة الثانية على أن مدبولي سيكون رئيس حكومة مدة الرئاسة الثانية.

< < <
صباح الخميس الماضي.. التقى الرئيس السيسي، بالدكتور مصطفى مدبولي، وكلفه ـ رسمياً ـ بتشكيل الحكومة الجديدة.

لست أظن الدكتور مدبولي يبدأ مهمته من نقطة الصفر، فلعله رتب ذهنه منذ أشهر، كرجل تخطيط لا ينتظر أن تداهمه الأحداث، على وضع تصور لشكل حكومته، لو كلف بتشكيلها، إذا ما تبين أن مهمته لن تكون مؤقتة.

ولست أظن أن أداء الوزراء سواء القدامى أو الجدد لم يكن محل تقييم الدكتور مدبولي، على الأقل في فترة قيامه بأعمال رئيس الوزراء.

ولست أظن أيضا أن ملاحظات الأجهزة الرقابية على الأسماء المطروحة والمرشحة للانضمام للتشكيل الحكومي، لم تصل بعد إلى يدي رئيس الوزراء المكلف، خاصة أن معظمها تتولى أو كانت إلى وقت قريب تتولى مناصب رسمية.

على نفس نهج المهندس شريف إسماعيل، في الاستعانة على تشكيل الحكومة بالكتمان، مضى الدكتور مصطفى مدبولي لكن بحرص أشد على السرية، لدرجة أنه أخفى تحركاته عن أقرب المقربين إليه من ذوى الصلة بالصحفيين أمثالي!

بعد الإفطار يوم الخميس الماضي، اتصلت بالدكتور مدبولي، ودعوت له بأن يعينه الله، قبل أن أتقدم له بالتهنئة، وعندما سألته عن موعد انتهائه من التشكيل، رد بإجابته المحببة قائلا: ربنا يسهل!

< < <

معلوماتي أن الدكتور مدبولي باشر طوال يومي الخميس والجمعة الاتصال بزملائه المرشحين للبقاء في الحكومة الجديدة، والالتقاء بهم، بادئاً بالأقدم ثم السيدات، ثم الوجوه الجديدة المرشحة للانضمام.

وحرص الدكتور مدبولي على أن تتم اللقاءات في مكان بعيد عن الأنظار، لا علاقة له بمجلس الوزراء أو الجهات التابعة لوزارة الإسكان.

وكان من بين الوزراء القدامى الذين التقاهم مدبولي، وزراء الأوقاف والإنتاج الحربي والكهرباء والوزيرات السيدات الست في الحكومة الحالية، والمرشح أن تنضم إليهن سيدتان في منصب وزاري حيوي وآخر فني، بجانب وزراء التموين، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والبترول، والعدل، والنقل، والشئون القانونية، والآثار، والطيران المدني، والري.

كما تضمن جدول أعمال رئيس الوزراء المكلف الالتقاء أيام الجمعة والسبت مع عدد من الوجوه الجديدة المرشحة للانضمام للحكومة، خاصة بعد أن استقر الرأي على تغيير ٣ من وزراء المجموعة الاقتصادية وعدد من وزراء الخدمات.

ولم تقتصر الأسماء المرشحة للخروج من التشكيل على بعض قدامى الوزراء وبعضهم في حكم المفاجأة، بل شملت أيضا اسما من الوزراء الذين انضموا إلى الحكومة منذ أقل من خمسة أشهر.

وتشمل الوجوه الجديدة المرشحة للانضمام للتشكيل، نائبي وزيرين حاليين، ومحافظاً بارزاً، ووكيلاً أول للوزراء، ومدير شركة كمبيوتر عالمية، ورجل أعمال فى مجال صناعة السيارات، ومساعد وزير سابقاً.

عملية تشكيل الحكومة، وعرض الأسماء على الرئيس، تسير بوتيرة متسارعة، لذلك قد لا نفاجأ إذا ما وجدنا الحكومة تؤدى اليمين أمام الرئيس اليوم أو غداً. لتبدأ بعد ذلك فى وضع برنامجها لعرضه على مجلس النواب في الموعد المنصوص عليه دستورياً لنيل ثقة أعضائه.

< < <
ربما يكون من حسن طالع هذه الحكومة أنها ستستهل عملها بافتتاح إنجازات كبرى بعد إجازة عيد الفطر المبارك، جرى الإعداد لها وتشييدها خلال السنوات الأربع الماضية.

لكن للإنصاف فإن من أصعب التحديات أمامها، هو تنفيذ المرحلة الجديدة للإصلاح الاقتصادي، مصحوبة بحزمة الرعاية والحماية الاجتماعية التي تم وضعها وتدبير اعتماداتها.

ويبقى فى النهاية الهدف الرئيسي والأكبر لهذه الحكومة أن تضع مصر بعد عامين من الآن ـ وعلى حد تعبير الرئيس ـ في منطقة أخرى، ليس فقط اقتصادياً، وإنما ثقافياً واجتماعياً بالدرجة الأولى.

كل التمنيات الطيبة للمهندس شريف إسماعيل في مهامه المقبلة، وكل الأمنيات بالتوفيق للدكتور مدبولي وحكومته في مهمتها الصعبة.