عمارات «على كف عفريت».. 1.4 مليون عقار آيل للسقوط بمصر

انهيار العقارات القديمة عرض مستمر
انهيار العقارات القديمة عرض مستمر

- عشش بولاق أبو العلا «خارج الزمن».. وسكان روض الفرج فى أحضان الموت
- مسئولو المحليات: لا تهاون فى أرواح المواطنين وحصر شامل للمخالفين


فى كل مرة ينهار عقار ويروح ضحيته ابرياء نفتح ملف انهيار العقارات مرة اخرى، نعيد فتح الجرح من جديد، ونضغط عليه بكل قوة لتطهيره بدلا من المسكنات التى نتعامل بها على مدار عشرات السنين، حسب التقديرات الرسمية الصادرة من جهاز التفتيش الفنى على سلامة البناء، فإن عدد المبانى الصادر لها قرارات ازالة يبلغ 60 الف عقار، فى حين قالت دراسة للمركز المصرى للحق فى السكن إن 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى الجمهورية، وأن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة، كما ان الاحصائيات غير الرسمية تؤكد ان هناك اكثر من 7 ملايين عقار مخالف فى مصر، منها 2 مليون و184 الف مخالفة خلال الــ8 سنوات الاخيرة فقط... «الاخبار» تفتح الملف وترصد الواقع فى جولة ميدانية وتحاور الخبراء وتضع روشتة الحل.


اما التقديرات الرسمية فقد سجلت إحصائيات وزارة التنمية المحلية ان قرارات الإزالة التى لم يتم تنفيذها اكثر من 110 آلاف قرار ازالة، إحصاءات وزارة التنمية المحلية تؤكد أن قرارات الإزالة للمبانى والمنشآت الآيلة للسقوط على مستوى محافظات مصر تصل إلى 111.8 ألف وحدة سكنية، يتركز عدد كبير منها فى محافظة الغربية بواقع 21.8 ألف وحدة، تليها القاهرة 19.7 ألف وحدة، والدقهلية بواقع 15.9 ألف وحدة سكنية. وأشار البيان إلى أن إجمالى عدد القرارات المنفذة وصل إلى نحو 69.6 ألف وحدة بنسبة 62 % من إجمالى الوحدات الصادر بشأنها قرارات إزالة كلية أو جزئية، وأن عدد القرارات التى تمثل خطورة داهمة يصل إلى نحو 18.3 ألف وحدة سكنية.. وفقا لدراسة رسمية اخرى فإن هناك 600 ألف عقار مخالف ووصل عدد العقارات الآيلة للسقوط إلى 60 ألف عقار واكثر من 3 ملايين وحدة سكنية فى مصر آيلة للسقوط وقد صدرت لها قرارات إزالة لم تنفذ واستمرارها بالشكل الحالى تهديد حقيقى لأرواح المواطنين إما بسبب تقادم هذه المبانى أو بسبب التلاعب فى تراخيص البناء.. وكشفت الدراسة أن 207 آلاف قرار تنكيس وإزالة لم يتم تنفيذها.

 

 


بولاق ابو العلا


بداية الجولة الميدانية على العقارات المخالفة كانت «صعبة» و»مأساوية» حيث رصدنا فيها منازل «عفى عليها الدهر» واصبحت غير صالحة للسكن، ولكن قاطنيها لا حول لهم ولا قوة وليس لديهم مكان اخر يذهبون اليه، لذلك هم يفضلون العيش تحت رائحة الموت عن التشرد فى الشوارع بلا سكن او مأوى.. جولة «الاخبار» بدأت من منطقة بولاق أبو العلا تلك المنطقة التى تقع فى قلب العاصمة، حيث تحولت منازلها جميعا إلى عقارات آيلة للسقوط، فالشروخ علامة أساسية فى كل المنازل، ناهيك عن بعض المنازل التى انهارت بالفعل، وبعض المنازل التى مازالت على وشك الانهيار فى أى لحظة فمنها منازل «سقطت البلكونات»، وباتت تنتظر رصاصة الرحمة لتسقط فى اى لحظة، وعلى الحكومة ان تتحرك لانقاذ ما يمكن انقاذه وتوفير سكن بديل.


يقول حسين عبد السميع احد سكان المنطقة اننا نعيش منتظرين الموت فى اى لحظة، ولكننا لن نترك منازلنا لانه ببساطة ما عندناش غيرها، واضاف ان الناس يرفضون تنفيذ قرارات الإزالة لعدم وجود مساكن بديلة لهم، بعد أن دفعوا «شقا عمرهم» لامتلاك سكن، وكيف اذن تريد الحكومة منا اخلاء المنازل دون ان توفر لنا بدائل مناسبة، رغم أنه من المعروف أن وجود المرافق يعنى أن الدولة معترفة بالعقار؟ ويرى أننا أصبحنا بحاجة إلى قوانين جديدة لتواكب الأوضاع الحالية وتراعى مصالح البسطاء والفقراء.


واصلنا الجولة داخل هذه الشوارع الضيقة التى لا يزيد عرضها على اربعة امتار.. بلكونات خشبية.. شروخ وتصدعات وابواب قديمة خشبية وسلالم مكسرة ودورات مياه غير آدمية وحتى السكان جميعهم من كبار السن تتعدى اعمارهم 80 عاما تربوا فى هذا المكان وعاشوا فيه وقالوا لنا «احنا هنعيش هنا وهنموت هنا».. ورصدنا هذه الاجابة المكررة من اكثر من عائلة تعيش فى هذه البيوت الايلة للسقوط.


وتشير الحاجة ونيسة محمدين قاطنة احد البيوت الايلة للسقوط والصادر له قرار اخلاء منذ عامين، وعدم صلاحيته لقرار الترميم والتجديد، ورغم ذلك لم تقم بترك العقار، قالت: أروح فين بولادى الستة وعندنا جار بالدور الارضى هو وزوجته وأولاده الثلاثة، وإيجاره 6 جنيهات، ولا نملك المال لشراء شقة سكنية، فزوجى عامل بسيط، ولا نملك ما يكفينا لتغطية نفقات المعيشة، والبيت ساترنا من الإيجارات المرتفعة والأسعار الغالية للشقق، وعندما ذهبنا إلى الحى قالنا احنا معندناش شقق علشان نديها لكم، علشان كده احنا مش هنسيب البيت ولو متنا افضل من الرمية بالشارع».


روض الفرج


ومن منطقة بولاق ابو العلا إلى روض الفرج وتحديدا شارع البرنس المتفرع من شارع ترعة جزيرة بدران، حيث يوجد بالمنطقة مئات العقارات القديمة المتهالكة التى مر على بنائها أكثر من 80 عاما، وجدنا أن معظم العقارات قديمة جدًا ومتهالكة وبالفعل يعيش سكانها فى حالة من الرعب لانتظارهم الموت فى أى وقت، فمعظم البيوت مبنية من الحجارة، عند النظر إليها تجدها متآكلة من تقادم الزمن، وعند مرورك أسفلها تشعر بحالة من الرعب خوفًا من انهيار أجزاء منها عليك، وعلى الرغم من ذلك لم يصدر لها قرارات إزالة أو حتى ترميم من قبل الحى، وأكد عدد من أهالى المنطقة أنهم تقدموا بعدة شكاوى إلى الحى لاستخراج تراخيص إزالة أو ترميم ولم يتم الاستجابة لهم، ومنهم من صدر له بالفعل قرارت إزالة منذ سنوات ولكن لم تنفذ، فى بداية الشارع تجد عقارًا مكونًا من 5 طوابق واجهته متآكلة وتنتشر الشقوق فى كافة أركانه، تسنده أعمدة وصلبات خشبية، يلاصقه من جهة اليسار «برج سكنى ضخم» مكون من 13 طابقًا.


ويضيف حمادة السيد احد سكان المنطقة، ان جميع منازل المنطقة فى حالة يرثى لها، ولا يلتفت إليها مسئولو الحى إلا بعد وقوع كارثة كل عام بانهيار منزل وسقوط ضحايا، ليصدروا التعليمات بمتابعة قرارات الإزالة ولكن دون تنفيذ. ويشير إلى ان معظم السكان يرفضون تنفيذ قرارات الازالة ويوقعون على اقرارات للحى على سلامتهم وحياتهم، ويفضلون البقاء تحت حصار الخوف والرعب من الموت فى لحظة، لان هؤلاء السكان ليس لهم مكان آخر سواه، ولعدم استطاعتها دفع إيجار السكن البديل الذى قدمته المحافظة لها. ''رضينا بالهم والهم مش راضى بينا'' هكذا بدأت ''أم حسن'' حديثها من أمام العقار المتهالك الذى تسكنه والذى لا يختلف كثيرا عن باقى العقارات المجاورة، فطوابقه لا تتعدى الأربعة وواجهته متهالكة، وخطورته ليست فقط لقدم العقار وتدهور شبكة الصرف الصحى والمياه به وتراكم القمامة وضيق الشوارع، ولكن لوجود أدوار مخالفة تهدد بالانهيار المبكر له.


مصر القديمة


انتقلنا كذلك إلى منطقة مصر القديمة، الوضع لم يختلف كثيرا عن المناطق السابقة، فالمنازل متراصة بجوار بعضها بشكل عشوائي، الشوارع ضيقة مثل الازقة ورغم ذلك المبانى الشاهقة الارتفاع تسيطر على المشهد فى هذه المنطقة، حيث ينتشر عدد كبير من العقارات القديمة ولم يصدر لها قرارات إزالة أو تنكيس، وبالتالى يعيش الاهالى بمنازل متهالكة، ينتظرون الموت فى أى لحظة.


يقول عثمان حسن - أحد سكان المنطقة ان العقارات المخالفة اصبحت تتحدى القانون بشكل صارخ، واصحاب العقارات المخالفة والسماسرة لا يهم سوى تحقيق الربح السريع حتى ولو كان على حساب حياة المواطنين، مطالبة الحكومة والأحياء بالعمل ليل نهار لردع هذا النوع من المخالفات، الذى يروح ضحيته مواطنون ابرياء.


وتشير ام حسن  - احدى سكان المنطقة ان ''تنكيس العقار يحتاج إلى آلاف الجنيهات، والبحث عن شقة أيضا، وجميعا لا نملك قوت يومنا، ولهذا لا بديل أمامنا سوى انتظار الموت، ولكن ما يؤلمنا اكثر هو الاطفال الذين يعيشون فى رعب، فقد تساقط جزء من غرفة بالطابق الثانى ذات يوم، واصبحنا نعلم جيدا أننا سنصحو يوما تحت الانقاض'' هكذا هى طبيعة الحياة داخل العقارات الايلة للسقوط.

 


حصر العقارات


اما المحليات والمحافظون فهم المسئولون عن تحجيم هذه الظاهرة والقضاء عليها تجنبا لتكرار مثل هذه الحوادث مرة اخرى، ومن جانبه طالب المهندس عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة باستكمال حصر العقارات القديمة بكل حى وتحديد القرارات الصادرة لها سواء ترميما أو تنكيسا أو إزالة والعمل على تنفيذها، والعقارات الصادر لها قرارات بأنها ذات خطورة داهمة يتم إخلاؤها فوراً من السكان، وإلزام المالك بوضع الصلبات التأمينية تحت إشراف مكتب هندسى معتمد لحين إتمام الازالة وتوفير بدائل لتسكين السكان من قبل المحافظة.


وأكد اللواء محمد ايمن عبد التواب نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الغربية والشمالية ان اعداد العقارات القديمة داخل احياء القاهرة تقدر بالالاف ومنها ما صدر بشأنها قرارات إخلاء كلى وجزئى، او ترميم ولكن توجد أكثر من عقبة للتنفيذ منها رفض السكان تنفيذ قرار الإخلاء أو المالك يرفض ترميم العقار فى حال صدور قرار بالترميم، حيث يسعى إلى هدم العقار والاستفادة من الأرض، خاصة أن معظم المساكن القديمة قائمة على الإيجار القديم بقيمة متدنية. واضاف أن عددا كبيرا من القرارات لا تنفذ، إما بسبب المنتفعين من السكان أو المالك، ولذلك نحن لجأنا إلى إلزام العقارات بتشكيل اتحاد شاغلين، ويمكن للاتحاد أن يقدم للحى التابع له طلباً بإجراء ترميم العقار القديم على نفقته.

 

 

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا