صور| الأحياء الراقية تودع «الزمن الجميل»

الانتظار في الممنوع يخنق الشارع
الانتظار في الممنوع يخنق الشارع

- أسواق ومواقف عشوائية تشوه «أحياء الباشوات».. و«مافيا العقارات» تهدم الفيلات التراثية

 

- الأهالي يطلقون حملات إليكترونية لإنقاذ المعادي ومصر الجديدة ومدينة نصر

 

«أبراج مخالفة وأسواق ومواقف عشوائية وتلال قمامة حولت جمال الأحياء الراقية النادر إلى قبح مفرط بعد أن طعنته بخنجر الفوضى غير الخلاقة التي أغرقت تلك الأحياء التي كان يشار لها بالبنان في دوامة العشوائيات.. فعلى الأرصفة وفي أنهر الطرق مشاهد حولت تلك المناطق التي تتسم بالهدوء والنظافة إلى بؤر تزخر بالضوضاء والعشوائية، وتتحول إلى كابوس مزعج للسكان.. «الأخبار» قامت بجولة في أيقونات العاصمة ورصدت استغاثات قاطنيها مما حل بها من إهمال في التحقيق التالي».


هنا في مصر الجديدة، ذلك الحي الراقي، الذي عرف بالهدوء والفيلات والميادين والشوارع الكبرى والعمارات ذات الطراز الفريد، تبدل حاله إلى فوضى لا تسر الناظرين، فمنذ أن تطأ قدماك أولى مناطق ذلك الحي تشعر وكأنك غادرت إلى مكان حافل بكل أشكال الفوضى التي ضربت كل ما هو جميل وحضاري وحولته إلى خيال ضعيف لا ترى منه شيئاً، وتحول ذلك المشهد الجميل إلى كابوس مزعج لأبناء ذلك الحي بعد أن اختفت كافة تلك المعالم ولم يتبق منها سوى أطلال يبكي عليها كل من تسوقه قدماه ليمر من شوارع مصر الجديدة التي أصبحت تختنق بين مشهدين أساسيين ولدا من رحم الفوضى والعشوائية وعدم تطبيق القوانين أولها هي القمامة التي أصبحت ملقاة بين جنبات الحدائق وأخفتها بين رائحة نفاذة يصعب معها التنفس وتجعل المارة يسدون أنوفهم وهم يمرون من جانب أي حديقة أو متنزه، لتعرف مصر الجديدة اللاءات الثلاث وهي: «لا لشركات نظافة تحمل القمامة.. لا لعمال يزيلون القمامة الملقاة باستمرار.. ولا لتطبيق قوانين من شأنها أن تردع كل من تسول له نفسه بإلقاء القمامة وتشويه الشوارع والميادين».. تلك اللاءات التى ينظر إليها السكان يوميا وباستغراب لعدم أخذ أى خطوة إيجابية من شأنها ضرب العشوائية والقضاء عليها تماما.


وتحولت ساحة كل بيت صغير أو كبير إلى تلال من القمامة تعوق حركة المارة والسيارات.. أما المشهد الثاني فبطله تلك الكافيهات العشوائية، التي فتحت أبوابها في كل شبر داخل الحي دون تراخيص أو احترام لأي قانون ليتبدل هواؤها النقي بدخان «الشيشة» المتصاعد ليلة وراء ليلة.


مدينة نصر

في حي مدينة نصر، كان الأمر أشد وطأة، فالعشوائية تحكم سيطرتها على كل جوانبها.. وبمجرد أن تصل إلى شارع مصطفى النحاس، تجد المقلب الكبير، الذي وضع في نهاية الشارع لتتجمع فيه القمامة من الحي العاشر والذي يعد من أكبر أحياء مدينة نصر ومعه قمامة شارع مصطفى النحاس الذي يصل بين أكثر من منطقة محدثا رائحة تجعل كل من يمر أمامه ينفر منها بعد أن تناثرت هنا وهناك بأيدي النباشين الذين يحضرون كل يوم فى الصباح الباكر ليأخذوا ما يريدونه ويبيعوه لكبار تجار القمامة ويتركوا الباقي في منتصف الطرقات.. والمؤسف أن أمام هذا المقلب يوجد سوق الخضراوات والفاكهة الذي أغلق الشارع الرئيسي المؤدي إلى الحي العاشر وقد وضعت عربات السوق بين المقلب تماما الأمر الذي قد يصيب منتجاته بالفيروسات.. وثاني تلك المشاهد هو الأبراج العشوائية التي انتشرت في شتى أنحاء مدينة نصر وتم تشييدها دون تراخيص أو خضوع أصحابها لأي قوانين ومعها يتم سرقة الكهرباء والمياه حتى يتم توصيلها إلى الأدوار المرتفعة والمخالفة.. أما في الشوارع والميادين فقد احتلتها فوضى المواقف العشوائية التي تعيق الحركة المرورية وتسبب الزحام المستمر.


المعادى تستغيث

وفي حي المعادي، الذى كان دائماً يتسم بالهدوء ورقي العمارة، استوقفنا أحد المناظر المحزنة بمنطقة المعادي سرايات، حيث رأينا عددًا من الفيللات التراثية التي تم هدمها بشكل عشوائي. ويعتبر ذلك من أصعب المواقف التي مر بها سكان المنطقة الذين وجدوا معالم المنطقة تنهار أمام المصالح والأموال التي يتم دفعها من قبل المنتفعين الذين ينفقون أموالاً باهظة لشراء قطع الأرض المميزة وبيعها والبناء عليها بالباطن لتحويلها إلى مبان وعمارات شاهقة لكسب الأموال بعد بيعها للمشترين الراغبين في التميز والحصول على شقق فخمة بالمنطقة.


وقد أعرب سكان المنطقة عن استيائهم الشديد مما يحدث من تدهور وانحدار لمعالم الجمال والبهجة والرقي بالمنطقة. وتقول إنجى شاهين، إنها من أوائل سكان منطقة المعادي سرايات والتي كانت تعتبر من أكثر الأحياء هدوءًا ورقيًا، ولكنها أصبحت منطقة التكاتك والأسواق والعشوائية.


وأضافت «إنجي» أن سكان المنطقة يعانون بشكل يومي من تراكم القمامة بالشارع، إضافة إلى مرور التكاتك وبائعي الخضراوات والفاكهة، مشيرة إلى أن أهالي المنطقة تقدموا بعدة شكاوى للمسئولين ورئيس حي المعادي ولكن دون جدوى.


وأكدت أنه قد مر عامًا كاملًا على رحلة كفاح أهالي المنطقة مع المسئولين للمطالبة بحقوقهم المشروعة، ولكن الوضع يزداد سوءا يومًا بعد يوم، وبرهنت على ما يحدث أمام محطة مترو المعادي والتي أصبحت معرضا للملابس الجاهزة والفترينات المعلقة والثابتة على أرصفة المحطة، بالإضافة إلى عربات الطعام المتنقلة وباعة المأكولات السريعة والمسليات، وهو ما جعل أهالي الحي يقومون بتدشين حملة «save our maadi» وهي لحماية حي المعادي واستعادة رونقه مرة أخرى، والحملة تتضمن إصدار وثيقة موقع عليها من أهالي الحي بالكامل من أجل رفعها إلى المسئولين للبحث عن حلول للمشكلة التي تتفاقم دون رادع.


من جانبها، قالت آمال حمزة: «من سكان منطقة دجلة المعادي»، إنها تعاني أشد معاناة من المحلات التجارية التي استباحت مداخل العمارات والشقق داخل المنطقة السكنية لعمل مشروعات مربحة ومزعجة للسكان، فهناك عدد كبير من مراكز التجميل، ومحلات الخردوات والسوبر ماركت بالإضافة إلى افتتاح حضانات لاستضافة الأطفال، وهو ما يعد مخالفا لعقود الملكية الخاصة بالشقق السكنية داخل المنطقة.


وأكدت أن إنشاء حضانات في مثل هذه المنطقة يعتبر منافياً لشروط الأمن والسلامة للأطفال وللسكان، حيث إنها تكون داخل شقة سكنية لا يوجد بها عوامل التهوية المناسبة بالإضافة إلى صراخ وبكاء الأطفال لفترات طويلة مما يعرض السكان للازعاج خاصة إذا كانوا من كبار السن والمرضى.


وأضافت أن هناك مناطق مخصصة لركن السيارات الخاصة بالسكان ولكنها مغلقة بأمر من الحي وتتم المطالبة بدفع اشتراك شهري من أجل الحصول على مكان ثابت لركن السيارة الخاصة بصاحب الشقة، وهو أيضا يعتبر مخالفاً لبنود عقود الملكية الخاصة بالشقق، مشيرة إلى أن الشكاوى أصبح مصيرها أدراج المسئولين فليس هناك رادع ويعيش أهالي المنطقة معاناة يومية في ظل غياب تام للرقابة.


يشير وليد أبو على، أحد قاطني المعادي إلى أن السكان عانوا كثيرا خلال الفترة الماضية من استغاثاتهم المستمرة إلى المسئولين لإنقاذ المعادي من الخراب والتحول الذي طالها، فلقد حاولنا مرارا وتكرارا التصدي لهذا الوجه العشوائي الذي حل بالمعادي من باعة جائلين أصبحوا يحتلون الأرصفة خاصة أمام محطة المترو، والمواقف العشوائية للتوك توك، والتي أصبحت مصدرا للإزعاج والزحام وغيرها من الصور السلبية التي شوهت طبيعة هذا الحي الذى طالما اتسم بهدوئه وانضباطه.


وأضاف أننا نتعامل فى كل خطوة نخطوها قانونيا ولكن جهودنا كمجتمع مدنى وحدنا لم تكن كافية وشعرنا أن مجهودنا يهدر دون أي فائدة خاصة وأن رئيس الحي الحالي لم نلمس له مجهودا ملحوظا حتى هذه اللحظة.


ويؤكد المهندس حسام العطار، أن أكثر المظاهر السلبية التى استحدثت على منطقة المعادي هي الحضانات العشوائية التي باتت في معظم العمارات ليستغل أصحابها الحديقة بالدور الأرضي وليصبح مشروعا تجاريا رغم أنهم بذلك يخالفون القانون لأن أغلب العمارات مصرح لها بنشاط سكني وليس تجاري ولكنهم يضربون بالقانون عرض الحائط ويتسببون في ازعاج السكان، لافتًا  كل مرة نتقدم بشكاوى ويتم إغلاق الحضانة ثم تتكرر المأساة من جديد، أما الأبراج العشوائية فحدث ولا حرج حيث أصبح هدم الفيلات وإنشاء أبراج عشوائية مكانها مشهدا يتصدر المعادي وغير من طبيعتها رغم أن ذلك غير قانوني لأنه تم اعتماد المعادي منطقة حماية قصوى لها استراتيجية لا يجب تجاوزها ورغم ذلك كل أشكال المخالفات تتم على أرض الواقع دون أي رادع أو عقوبة للمخالفين.


من جانبه يقول راضي أحمد، صاحب أحد الأكشاك بمصر الجديدة، إنه يفاجأ بشكل يومي أن سكان الحي الراقي بأرض الجولف يحولون المساحات الموجودة أمام عماراتهم إلى مقالب صغيرة للقمامة تظل في الشارع ليومين أو ثلاثة أيام حتى تحدث تلالا من القمامة وتسبب الروائح الكريهة في المنطقة كلها.


ليس من اختصاصنا

أكد اللواء حافظ السعيد، رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة، أن الهيئة تبذل قصارى جهدها لرفع كافة المخلفات بمختلف المناطق والأحياء، كما أنه يتم التنسيق مع رؤساء الأحياء للإبلاغ عن الأماكن التي بها قصور من جانب الهيئة لرفع القمامة أو تحرير المخالفات الخاصة بالتعديات على ممتلكات الدولة العامة من حدائق أو أرصفة أو تشويه للمتنزهات.


وأشار إلى أن دور الهيئة يقتصر على رفع المخلفات وتجميل المناطق والأحياء وليس من اختصاصها تحرير مخالفات لتكاتك أو باعة جائلين أو ما شابه من مخالفات أو انتهاكات لحقوق المارة أو أصحاب العقارات وهو ما يقع في صميم عمل رؤساء الأحياء.


وأكد قدرى أبو حسين، محافظ حلوان سابقا، أنه لا يستطيع أحد أن ينكر الفوضى والعشوائية التي طالت معظم المناطق التي لها خلفيات تاريخية أو ذات طبيعة خاصة، وللتصدي لمثل هذه الظاهرة يجب أن تتضافر جهود المجتمع المدني والأجهزة الحكومية معًا. مشيرًا إلى أن تجربة حي المعادي خير دليل ولهم العديد من الوقفات الجادة والتي تصدت للعديد من السلبيات.


 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا