محمد البهنساوي يكتب: الرقابة الغائبة !!

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

لاشك أن تراجع جودة المنتج السياحي.. وسوء الخدمة.. أشد خطراً على صناعة السياحة من العمليات الإرهابية.. فالإرهاب أصبح ظاهرة عالمية.. أما سوء الخدمة فرداء أسود ترتديه مقاصد سياحية بعينها.. وللأسف الشديد مصر من بين تلك الدول الموصومة بسوء الخدمة.. ولعل حادث تسمم السائحين الأسبوع الماضي بفنادق عائمة بالأقصر وأسوان جرس إنذار لا نقول لصناعة السياحة فرجال القطاع يعرفون تلك المشكلة جيدا.. إنما لوزيرة السياحة الجديدة رانيا المشاط.. فجهود الترويج مهما كانت قوية يغتالها حادث واحد مثل حادث الأقصر.. ورغم أنه وقع في فندق واحد.. لكن ضرره ينسحب على باقي المدن والمشروعات السياحية من سوء سمعة مضرة للغاية.

بالطبع مستوى الخدمة والأمن الغذائي مسئولية القطاعين الخاص والعام.. لكن المحور الأساسي به الدور الرقابي لوزارة السياحة بكافة قطاعاتها.. وهو الدور والمسئولية الأولى للوزارة.. ولا يخفى على القاصي والداني بالقطاع السياحي أن هذا الدور شهد تراجعا كبيرا بعد ثورة يناير إلى أن أصبح شبه غائب خاصة في الفنادق والمنتجعات.. ولهذا التراجع أسباب عديدة.. في مقدمتها أسباب إدارية لآلية العمل داخل وزارة السياحة.. فقبل ثورة يناير كانت اللجان التفتيشية لوزارة السياحة لا تهدأ ولا تتوقف.. بمختلف القطاعات.. ترصد المشروعات القائمة.. وتراقب المستوى الصحي بها.. وتعاقب بأشد العقوبات من يخالف الاشتراطات الصحية لدرجة تصل لإغلاق الفندق الثابت أو العائم حتى يصلح من نفسه.. هذا الدور الرقابي الذي يجب أن يكون الفعل والأساس والاحتراز حتى لا تقع الحوادث.. إلا أنه تحول إلى مجرد رد فعل.. أي أن اللجان تتحرك والقرارات تصدر بعد وقوع الكارثة.. وأصبح هناك شبه توقف للجان التفتيشية بسبب تعقيدات إدارية.. فمثلا كانت اللجان تتحرك للمناطق السياحية للتفتيش ويقيم المفتشون بفنادق متوسطة المستوى يعملون ليل نهار لتتم مكافأتهم على عملهم وبما يعد حافزا لهم للإتقان في التفتيش.. وبعد الثورة تدخلت التعقيدات الإدارية.. فأصبح ممنوعا سفر المفتشين للمدن السياحي بالطائرات.. وإذا تقبلنا هذا القرار فكيف نتقبل إلزام المفتش بالنزول في بيوت الشباب مع صرف بدل السفر ليعيش به.. ولنا أن نتخيل أن بدل السفر المقرر قانونا للمفتش خمس جنيهات يوميا !!

حادثة الأقصر ليست الأولى.. ناهيك عن التراجع الشديد في مستوى الخدمة والتغذية بكافة الفنادق.. وهذا واقعي بسبب الأسعار التي يبيعون بها والتي لا تكفى لإطعام السائحين حتى «عيش حاف».. واستمر التراجع إلى أن وصل لمستوى متدن عالميا.. وتم تصنيف مصر بأنها مقصد رخيص السعر سيئ الخدمة.. وسط صمت مريب بوزارة السياحة سواء على التدني السعري أو تراجع الخدمة.. وهو ما حذرنا منه مرارا وتكرارا.

وكان قرار رانيا المشاط بعد الواقعة بإغلاق الفندق وإنذار الفنادق العائمة وإرسال لجان تفتيشية إليها.. وهو قرار جيد بالطبع.. لكنه ليس الحل الجذري لإصلاح منظومة الخدمة والتغذية بالفنادق الثابتة والعائمة والمنتجعات.. الآن نستحضر تجربة رائعة وفريدة شهدها القطاع السياحي قبل ثورة يناير.. وهنا يجب أن نذكر بالخير أصحاب تلك المبادرة والتجربة التى كانت مطلبا لدول سياحية عديدة.. وفى مقدمتهم بالطبع وزير السياحة الأسبق زهير جرانة الذي كان يولى للجودة والتدريب والتفتيش أهمية قصوى.. وبالطبع الخبير الفندقي الكبير فتحي نور رئيس غرفة الفنادق في هذا الوقت ومعه أعضاء الغرفة وكلهم أسماء كبيرة مازال عطاؤها لصناعة السياحة.. فكانت هناك عدة طرق للتفتيش.. بدايتها تفعيل الدور الرقابي لوزارة السياحة ووضع أسس رقابية مشددة يتم على أساسها.. واحترام آدمية مفتش الوزارة وإثابته على عمله.. وثانيا تعاقدت غرفة الفنادق وبالتنسيق مع الوزارة مع إحدى الشركات العالمية التي جابت معظم فنادق مصر في حملات مفاجئة تداهم فيها المطاعم والمطابخ وتأخذ عينات من حمامات السباحة والمأكولات وتفحص العاملين لتعد تقريرا وافيا يرفع للوزير لاتخاذ ما يراه من عقوبات.. ودائما كانت مشددة !

لم تكتف بهذا بل كان هناك المفتش المتخفي.. وهو مراقب يحجز بالفندق كنزيل عادى ووسط المجموعات السياحية ويفحص ويراقب في سرية خلال إقامته بالفندق أو المنتجع أو الفندق العائم أحواله الصحية والغذائية ومستوى الخدمة والمعاملة به ليفاجأ الجميع بتقريره الوافي.. ناهيك عن التدريب الإلزامي للعاملين بكافة المشروعات السياحية لتجهيز العمالة على أحدث الأساليب السياحية وهى قضية سنتناولها الأسبوع المقبل بالتفصيل.. أي أن الوزارة كان دورها توفير أساليب الخدمة الجيدة.. ثم المراقبة.. وأخيرا العقوبة المغلظة للمخالفين.. وهو الدور الغائب تماما منذ ثورة يناير.. فهل يعود هذا الدور لتعود للسياحة المصرية سمعتها واحترامها ؟.. الإجابة لدى وزيرة السياحة الجديدة رانيا المشاط.