في ذكرى العاشر من رمضان..

اللواء أركان حرب "مجدي شحاتة": قضينا ٢٠٠ يوم خلف خطوط العدو.. وألحقنا به خسائر كبيرة

البيت له أثر كبير في التربية... جدي حارب الإنجليز مع عرابي ووالدي لم يترك مناسبة وطنية وكان مع الفدائيين
 
"البيئة المناسبة والقدوة الحسنة عاملان مهمان لبناء الشخصية السليمة، الأمانة والوحدة كذلك، واحترام الكبير، كل هذه هي العوامل التي قادتني لأن أكون من المقاتلين - مع الإصرار على ذلك والعزيمة - أمام العدو الإسرائيلي، وتحقيق نجاحات بمجهود جماعي مع زملائي في الكتيبة ٢٨٣ صاعقة وقضينا ٢٠٠ يوم خلف خطوط العدو عام ١٩٧٣ م بواقع ٧ شهور، إلى أن عدنا والتقينا المشير "أحمد إسماعيل وقتها" وشكر مجهودنا في الدفاع عن أرضنا وتم النصر بإذن الله".

هذه هي الجمل الأولى التي قدمها العقيد أركان حرب "مجدي شحاتة بطل الصاعقة المصرية، الذي ضرب مثالاً رائعاً في الاقتداء بجده ووالده، وهما رجلان وطنيان، فالأول كان من زملاء كفاح عرابي ضد الإنجليز، والأخير كان ضمن الحرس الوطني المصري، نمت الوطنية في داخله بفضلها وقرر الالتحاق بالكلية الحربية ليدافع عن أرضه التي احتلها الإنجليز ثم اليهود بعدها وشاهد الحروب المتتالية مع إسرائيل حتى تحرير كامل تراب الوطن، التقيناه في حوار شدد علينا على ضرورة إرسال رسالة مهمة عبر الحديث معنا عن القدوة والتربية وأهمية أن تقوم الأسرة بواجبها تجاه أبنائها لتربيتهم تربية سليمة".

يقول اللواء "مجدي شحاته": نشأت في أسرة وطنية وترعرعت على الوطنية منذ طفولتي فقد كنت أسمع الكثير عن بطولات جدي العقيد "أحمد أفندي شعبان"، الذي حارب الإنجليز ضمن جيش عرابي والذي ثار مع الزعيم أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق حتى تم نفيه، وكان والدي شديد الحماس والوطنية حتى أنه لم يترك مناسبة وطنية إلا وشارك فيها فشارك في حرب الفدائيين ضد الإنجليز بقناة السويس بتهريب السلاح للفدائيين وتطوع في المقاومة الشعبية خلال حرب 1956م ، وقد وقعت أحداث حرب يونيو 1967م أثناء دراستي بالمرحلة الثانوية مما زادني إصرارًا على أن ألتحق بالكلية الحربية لأكون أحد المشاركين في معركة الكرامة وتحرير كل شبر في أرضنا الحبيبة، وقد وفقني الله سبحانه وتعالى في الانضمام ضمن طلبة الكلية الحربية لأتخرج منها برتبة الملازم في نوفمبر 1969م، ومما زادني شرفًا انضمامي لوحدات الصاعقة فور تخرجي وذلك بناء على رغبتي للانضمام لهذه القوات التي تمثل روح التضحية والفداء والمجد.

وتابع: قد شرفني الله بالاشتراك في حرب العاشر من رمضان وكنت برتبة النقيب ضمن مجموعة من رجال الصاعقة الأبطال الذين لقنوا العدو درسًا قاسيًا لن ينساه وكبدوه خسائر فادحة وسطروا بأرواحهم ودمائهم وجهدهم وعرقهم ملحمة البطولة والفداء".

قال لنا: "كانت مهمتنا عمل كمائن خلف خطوط العدو وعرقلة تحركاته بالقرب من مطار أبو رديس بجنوب سيناء، خلال حرب 6 أكتوبر، كنّا في الكتيبة ٨٣  صاعقة أو كما أطلق علينا "العائدون من الموت"، وكانت الكتيبة عبارة عن أسرة مترابطة وبها رجال على فجأة قتالية عالية جداً نفذت عمليات خلف خطوط العدو أهمها عملية "السبت الحزين" التي أوقعت بالعدو خسائر فادحة خلال حرب الاستنزاف، حيث دمرنا دبابتين وخمس سيارات لنقل الجنود وقمنا بأسر مجنداً إسرائيلياً.

يتابع: ": وصلتنا تعليمات بضرورة نقل الكتيبة قبل إعلان ساعة الصفر إلى منطقة نائية بالقرب من الزعفرانة ومنطقة الكريمات لتلقي التدريبات هناك،وهذا بالتزامن مع تأكيد رفيق الدرب واحد أهم أبطال الصاعقة اللواء "عبد الرءوف جمعه" بأنه تم تسريحه من الجيش هو وعدد كبير من الجنود وهو ما علمنا بعدها  أنه كان نوعاً من التمويه، وبعد أقل من شهر تمت إعادته هو وباقي زملائه إلى صفوف الكتيبة في الزعفرانة.

يشير هنا اللواء "مجدي شحاتة" الى أهمية  رفع الروح المعنوية للجنود ، وهو ما قام به العقيد " كمال عطية"، قائد المجموعة، حيث قام بإلقاء كلمة للضباط والجنود والتي جاءت بمثابة  الإشارة لقرب ساعة الصفر، ورسالة لأبطال الصاعقة أن يوم الكرامة "آت لا ريب فيه "فألابطال مشتاقون لعمل يشف غليلهم ويرد لهم ما سلبه من أرضهم حين غفلة وتكاتف دولي ضد مصر، وبعد الكلمة الحماسية التي كانت الجنود في حاجة لها، يخططون بالذهاب إلى العدو في موقعه لتعود بلادهم حرة أبية.. يرفرف علمها على كل شبر وحبة رمل، حتى وان كانوا ذاهبون إلى خلف خطوط العدو بلا عودة، فهم في مهمة تسبه مهام الانتحاريون، بل قرروا الموت ليحيا الوطن لمهمة الانتحارية "ذهاب بلا عودة"، قررت القيادة تحريك الطائرات إلى أماكن التمركز الجديد وكلها خلف خطوط العدو لتبدأ رحلة أبطال الكتيبة ٢٨٣ صاعقة في رد كرامة الوطن."

تحركت القوات وسط فرحة من الضباط والجنود بقرب لحظة الانتقام من العدو، وإصرار على الثار لكرامة الأمة، وعزيمة على إلحاق اكبر قدر من الخساير به في معداته وعدته، الجنود قد تلقوا تعليمات بالتحرك زالوا عنهم صدأ الانتظار وقلق الجوف، واستعادت أجسادهم انطلاقتها مع الاستعداد للقتال والاشتباك، الذهاب للميدان تتحرك معه ذاكرتهم باتساع وخيالات عريضة تستعيد ذُل الهزيمة بسرعة كما شريط السينما وتسطر فوقه لحظات انتصار وعمليات خلف خطوط العدو.

ويقول "شحاتة": مهمتنا كانت عمل كمين على الطريق السريع لحظة الوصول إلى المكان المحدد، ننتظر حتى مرور قوات العدو فنقطع عليهم الطريق والإشارة "هي الله اكبر"  لكي نبدأ في "إسخان العدو بطلقاتنا "، أو " الله اكبر مع ضرب دفعة في معدات العدو "، أبدا بإطلاق الإشارة للكتيبة فتمطرنا العدو بسيل لا منتهى له من الأخيرة حتى نقضي عليهم "،يتابع " بالفعل تحركنا في عدة محاور، لكل محور منهم عدة طائرات، وكنت ضمن المجموعة التي توجهت إلى "وادي سدرة"  في "أبو رديس"، وبعد أن وصلت في أول طائرة انتظرت بقية الطائرات، وبعد طول انتظار لم تصل سوى طائرة واحدة فقط، استمر الانتظار لمدة  ثلاثة أيام ولم يكن هناك أية تحركات على الطريق الرئيسي وكانت مهمتنا قطعه وعمل كمين عليه ".

وجاء اليوم الثالث... أبطال الصاعقة  متلهفون للاشتباك مع عدوهم ، تواقون للنصر أو الاستشهاد، وإذ هم يراقبون الطريق وبعد انتظار الأبطال للاشتباك مع العدو، فجأة ظهرت من بعيد أنواع كثيفة وصوت عالٍ يعمه الهرج والمرج - كما يقول اللواء "مجدي شحاتة" إنها كانت مؤمنة بأكثر من 15 سيارة وأصواتهم مرتفعة جداً كما لو كان يهللون وضحكاتهم ترج المكان والجبال من حولنا وصوت الأغاني توزعه السماعات على ثنايا الجبال فيما يشبه الفرح، ولم يكونوا يعرفون أنهم ذاهبون إلى جحيم رجال الصاعقة المصرية ينتظرونهم بالأحضان لينتقلوا منهم شر انتقام بعدد الدعوات التي حملاتها لهم ملايين الأنفس من المصريين منتظري النصر في البيوت من خلف المذياع "

صاح بطل الصاعقة "مجدي شحاتة في زملائه "صيدا ثمينا... الخطة كما هي... كلٌ منكم في مكانه حتى إشارة الانقضاض عليهم، " الله اكبر مع دفعة في المليان"، الإشارة تحولت إلى واقع والأبطال متلهفون للثأر، انهالت النيران على عربات العدو ليشعروا وكأنهم في جحيم، هكذا قال الجندي المأثور - فقد كان في مقدمة مجموعة العدو عدد 2 أتوبيس، ونظرا لأهمية من كانوا فيه من ركاب، قرر قائد المجموعة اللواء مجدي شحاتة ضرب هذه الأتوبيسات أولا، ومع أول صيحة "الله أكبر" انهال وابلا من الأعيرة النارية وقذائف الأر بي جي والقنابل اليدوية باتجاه الأتوبيسات وباقي المجموعة، حتى دمرت بشكل كامل خلال دقائق ، فقد تم تنفيذ العملية بنجاح "." سببت العملية مشكلة للعدو وقرر ان يراجع حساباته .. انسحبت القوات من مكان الكمين باتجاه القاعدة على بعد 4 كيلومترا .. قوات العدو تجري مسلحاً شاملاً للمنطقة بحثاً عن أبطال الصاعقة المصرية الذين هتكوا عرضها وكبدوها خسائر فادحة، توصلت إليهم في صباح اليوم التالي، دبت حولهم حصار كبير، عددهم لا يتجاوز ٤٠ مقاتلاً ويحاصرهم العدو بحوالي ٥٠٠ النتيجة بحسب اللواء "شحاتة" أن العدو جاء بكل الأدوات القتالية من دبابات ومدفعية وطائرات ... مارس العدو حرباً نفسية  على الأبطال كي يعلنوا استسلامهم ويأخذهم أسرى، إلا أن قوة الإيمان والصبر والثبات وعزيمة الرجال جعلتهم يقاتلون في معركة شرسة  ، تجددت مع إصرار العدو على الثأر، تكبد في المعركة الثّانية خسائر فادحة، جعلتهم يتراجعون عن الضرب بعد أن استمرت المعركة حتى نفذت ذخيرة الكتيبة، واستشهد جميع جنود المجموعة، لم يتبق منهم سوى الراوي - اللواء "مجدي شحاتة ظل أكثر من ١٢ يوما في مطاردة مع العدو بحثا عن أي ناجٍ من الفرقة ينقذه من العدو ولكي تشاء الأقدار ان يحمل هذه الملحمة البطولية للأجيال يقصها عليهم فان في قصصهم لعبوة لأولى الألباب ولكي يكون شاهداً على  بطولة زملائه الذين استشهدوا في مواجهة إجرام العدو وخسته مادام الدهر".

البطل بقي وحيداً ، فكل الرفاق الذين ذهبوا معه ليصنعوا الأمل للوطن استشهدوا، عزائه الوحيد أن النصر يلوح في الأفق ويبدو هو ورجال القوات المسلحة شهداء عليه ماداموا أحياء، ويعزيه  في أحبته أنهم شهداء عند ربهم يرزقون يروي لنا اللواء "مجدي شحاتة" ما حدث بعد استشهاد من معه بقوله :" بعد استشهاد زملائي أصبحت وحيداً قررت التوجه إلى الشمال للانضمام إلى باقي القوات باتجاه "وادي بعبع"، وهو المكان الذي يوجد به اللواء "عبد الحميد خليفة" ومجموعته من كتيبة الصاعقة، وبعد ثلاثة أيام من المطاردة العنيفة وملاحقة  قوات العدو لي تقابلت مع عدد من البدو وصفوا لي طريق الوصول إلى "وادي بعبع"، لكي انضم إلى مجموعة الصاعقة هناك بقيادة اللواء "عبد الحميد خليفة" ، ووصلت  إلى المنطقة، وصل الأبطال إلى "وادي بعبع".

كما يروي اللواء "مجدي شحاتة"ودارت معارك عنيفة بين قوات الصاعقة والعدو، كبدوا فيها القوات الإسرائيلية خسائر فادحة، حتى نفذت جميع ذخائرهم، واستطاعوا قطع الطريق على إمدادات العدو والحيلولة دون وصولها إلى الجبهة.  

انتهت المعركة وعاد البطل مع زملائه الذين بقوا والتفاهم المشير "احمد إسماعيل" وزير الدفاع وقتذاك لتكريمهم ، وعبر لهم عن امتنانه وتقديره للعمل البطولي الذي قاموا به خلف خطوط العدو لمدة ٧ شهور ساهمت في رفع رأس كل مصري وعودة الكرامة للشعب بعد الاحتلال والغدر الذي مارسه العدو ".