الحزام والطريق.. "العولمة " بفكر جديد

وزير الصناعة خلال مشاركته فى الجلسة النقاشية عقب الجلسة الافتتاحية للقمة
وزير الصناعة خلال مشاركته فى الجلسة النقاشية عقب الجلسة الافتتاحية للقمة
فى منتصف الشهر الجاري كانت تقع أنظار العالم على الصين ، حيث انعقاد قمة منتدى الحزام والطريق والتعاون الدولي ، الذى شارك فيها 30 من رؤساء حكومات دول العالم ووفود من أكثر من130 دولة ،وحضر ممثلاً عن مصر د. سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى والمهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة ،فضلاً عن مشاركة اكثر من 70 منظمة دولية.


كثير قد لا يملك معلومات كافية او فكرة شاملة حول هذه المبادرة وما تهدف إليه ،وباختصار شديد هذه المبادرة التى اعلن عنها الرئيس الصيني تشى جين بينج قبل أربع سنوات وتهدف إلى ربط قارات آسيا واوروبا وأفريقيا ببعضها لتحقيق التنمية الشاملة والرخاء لكل الشعوب ، وذلك عن طريق شبكات ضخمة من البنية التحتية تتكون من طرق برية وبحرية ، ومطارات واتصالات سلكية ولاسلكية ،وسكك حديد وموانئ لتيسير التجارة وتداول العملات والاتصال الشعبي ، ليظل الهدف النهائي من المبادرة هو تحسين التواصل والترابط هو رفع القدرة الصناعية للدول المعنية.




الطريق القديم




وقد استوحى هذه الفكرة كما اعلن ذلك فى خطابه خلال حفل الافتتاح للقمة ،من طريق الحرير البرى القديم الذى يرجع إلى ما قبل ألف عام وأكثر حيث سلكة الرحالة القدامى قادمين من قارة أفريقيا وشرق آسيا تجاه الصين فى قوافل الإبل لنقل بضائعهم وكنوز الشرق إليها ،متحلين بروح السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والمنفعة المتبادلة ،مما يعتبر تراثا نفيسا لحضارة الإنسان ، فالبلاد المطلة على هذا الطريق القديم كان ينساب فيها "اللبن والعسل"، إلا ان كثيراً منها الآن اصبحت معروفة بعدم الاستقرار والصراع والأزمات(بلاد الشرق العربي ) ، داعيا دول العالم بجعل "الحزام والطريق" طريقا للسلام وبناء العلاقات الدولية في مناخ من التعاون والفوز المشترك ،وخلق شراكة على أساس الحوار وليس المواجهة قائم على الصداقة وليس التحالفات . فالنمو الاقتصادي العالمي يحتاج إلى قوة التحرك الجديدة والتنمية تحتاج إلى المزيد من التوازن ويجب تقليص الفجوة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة .




عابر للقارات




دفع هذا الهدف العابر للقارات الذى تدعو له الصين ،بتوقيع 68 اتفاقية متنوعة فى تشمل كل المجالات مع العشرات من الدول المطلة على الطريق خلال اتعقاد القمة ، وهو ما تعتبره نجاح كبير لها فى مدى تفهم وادراك العالم لأهمية هذه المبادرة ، مما جعل الرئيس تشى يعلن خلال القمة قيام الصين بزيادة الدعم المالي ، وتعهد بتقديم مساعدات بقيمة 60 مليار يوان (8مليار و700مليون دولار)إلى الدول النامية والمنظمات الدولية المشاركة فى المبادرة لبناء المزيد من المشروعات التى تساعد على الارتقاء بمعيشة شعوبها، كما ستقدم الصين مائة مليار يوان (14,5مليار دولار) كمبلغ إضافي لصندوق طريق الحرير من أجل تشجع المؤسسات المالية من أجل تحفيز أعمال الصناديق الخارجية ليصل حجمها إلى حوالى 300 مليار يوان (43مليار دولار). كما تعهد بقيام بنك التنمية الوطني الصيني وبنك التصدير والاستيراد قروضا تقدر قيمتها ب250 مليار يوان (40 مليار دولار) و130 مليار يوان (19 مليار دولار تقريبا) فى إطار المبادرة .




حياة جديدة




يؤمن الرئيس الصينى بمبدأ أن العزلة تؤدى إلى التخلف، والانفتاح مثل معركة اليرقانة التى تخرج من شرنقتها وهذا يترافق مع الألم، لكن هذا الالم يعطى حياة جديدة ، إلى ان الحزام الطريق سيتم بناؤه عبر التشاور المشترك والجميع سيشارك في التمتع بثماره، كما سيعود فى المقام الأولى فى خلق بيئة خارجية مناسبة لتنمية الصين وازدهارها، كل هذا يقع تحت مسمى مصطلح "العولمة الجديدة " الذى تدعو له الصين ولكنه من نوع جديد ، تختلف بشكل كبير عن أفكار "العولمة" التي طرحتها ونادت بها الدول الغربية في الثمانينات، فهذا النوع الجديد يتمثل بأنه أكثر انفتاحا وتوازنا بشكل عام مما يفيد مزيدا من الشعوب والدول النامية ليس فقط فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادىة الاستثمارية والسياسية فحسب، بل أيضا الثقافية والحضارية والعلمية والتبادلات الشعبية.




نجاح مصرى




برز دور مصر مشرفا خلال عقد قمة " الحزام والطريق" ممثلا عنها د. سحر نصر وزيرة الإستثمار والتعاون الدولى ود. طارق قابيل وزير التجارة والصناعة ، وهذا يأتى من حرص الجانب المصرى بهذه المبادرة ،خاصة ان مصر من أولى الدول التى اعلنت دعمها لها ، وفى الحقيقة ان الجانب المصرى استغل هذه الفرصة الكبيرة والمهمة فى عرض الفرص الاستثمارية المختلفة بالبلاد، وتوضح المناخ الاستثماري الذي تعمل الحكومة المصرية بشكل مستمر علي تحسينة فى ظل خطة الإصلاح الإقتصادى التى تنفذها مصر فى الوقت الحالى، تنفيذاً لاستراتيجية التنمية الاقتصادية 2030 التي تعمل عليها وتستهدف تحقيق معدلات نمو تصل إلى 12% بحلول عام 2030 ،من خلال حزمة من السياسات الاقتصادية يأتي في مقدمتها جذب الإستثمارات الأجنبية. وتلقى ترحيبا وتشجيعاً كبيرة من المجتمع الدولى خاصة الدول المتقدمة والمؤسسات والمنظمات الاقتصادية الدولية




كما حرص قابيل أمام العديد من ممثلى الدول المشاركة على رأسهم الامين العام للامم المتحدة انطونيو جوتيريس وجيم يونغ كيم رئيس البنك الدولى وكريستين لاجارد مدير عام صندوق النقد الدولى ،على بعث رسالة طمأنه وتأكيد على اتخاذ الحكومة المصرية حالياً خطوات جادة وتطبق سياسات تحفيزية لجذب مزيد من الإستثمارات ،أهمها الإنتهاء من قانون التراخيص الصناعية وإصدار قانون الإستثمار الجديد، والذي يتضمن حزمة جديدة من الحوافز والضمانات الإستثمارية لتشجيع الإستثمارات الأجنبية ، وايضا ضرورة الإستفادة من موقع مصر باعتبارها محور استراتيجيي ولوجيستي هام ونقطة محورية على طول طريق الحرير البحري .




محور قناة السويس




فالمشروع القومي لتنمية محور قناة السويس يتوافق تماماً مع المبادرة ويستهدف ضخ مزيد من الإستثمارات في منطقة قناة السويس لتسهيل حركة التجارة الدولية بإقامة مناطق صناعية وتكنولوجية ومراكز لوجيستية تشمل التخزين والتفريغ والتعبئة وإعادة التوزيع والنقل لتسهيل حركة الملاحة بالقناة وتسهيل حركة مرور السفن، والنهوض بصناعة بناء وإصلاح وخدمة السفن، والإرتقاء بمستوى 6 موانئ تقع بالمنطقة ،وهذا سيدعم ويسهل حركة التجارة الدولية والربط التجاري بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا ، كما ان مصر تحرص على زيادة معدلات التجارة البينية والاستثمارات المشتركة مع الصين خلال المرحلة المقبلة ، خاصة ان الصين تمثل أكبر دولة تستثمر فى تلك المنطقة ، فمصر فاتحة ذراعيها لاستقبال المزيد من الاستثمارات الاجنبية والصينية فى مختلف القطاعات الانتاجية والخدمية .




لم يتوقف نجاح الجانب المصرى سوى على عرض رؤية وخطة مصر التنموية فقط، بل ايضا نجح فى اعلان مجموعة من الشركات الصينية بعزمهم خلال الفترة القادمة ، بضخ استثمارات جديدة تقدر ب20 مليار دولار على مدار العشر سنوات القادمة، ومنها استثمارات فى العاصمة الادارية الجديدة التى ستكون عجلة الدفع




للتنمية الاقتصادية والتطوير العمرانى فى مصر، مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ، وها نحن قد خطونا خطوات ، فلنكمل الطريق دون النظر إلى الخلف.